الوقت- انكشف الخيط الابيض من الخيط الاسود عبارة تصف ما توصل اليه اخيراً الاعلام الغربي عموماً والامريكي خصوصاً فبعد سلسلة من التقارير الاعلامية التي بدأنا نسمع بها كل يوم تقريبا من اكبر الصحف والقنوات العالمية والتي تؤكد بعضها استحالة القضاء على الرئيس السوري بشار الأسد بينما تذهب التقارير الاخرى أبعد من ذلك معتبرةً أنه لابد من التحالف مع الدولة السورية من اجل القضاء على الارهاب في منطقة الشرق الاوسط والمتمثل بالخطر الاكبر تنظيم داعش الارهابي .
هذه العناوين والخلاصات هي ما أصبحت تنشره اكبر الصحف العالمية من واشنطن بوست الى نيويورك تايمز ومنها الى الايندبندنت وديلي غراف وغيرها الكثير من وسائل الاعلام المقربة من دوائر صنع القرار الدولي. فمنذ حوالي سنة او اكثر وبعد جلاء الحقيقة في منطقة الشرق الاوسط فشلت البروبوغندا الخليجية والاعلامية العالمية في تزييف الحقائق عندما سمت الارهابيين ثواراً والإرهاب إرادة شعبية وقس على ذلك. ونتائج هذا الفشل من تلك التقارير والتحاليل قد يضعها البعض في سياق الالتفافة الدولية التي تجري، توالياً، فيما يخص الشأن السوري .
لكن ما يلفت اخيراً ما اعترفت به شبكة اخبار "إن بي سي" الأمريكية الشهيرة والتي قالت:" ان روايتنا حول سوريا لم تكن صادقة ". اعترافات قد يراها البعض توضع في خانة التحول الامريكي اتجاه الموقف في سوريا كما ذكرنا سابقاً وقد يضعها آخرون في سياق محاولة الشبكة الأمريكية الشهيرة في الحفاظ على بعضٍ من مصداقيتها المهدورة ضمن "بروباغاندا" الحروب الأمريكية في المنطقة، إلّا أن الإجماع الأكيد، هو أن الرواية التي نشرتها "NBC" بشأن سوريا لم تكن صادقة، وهو ما قد يدعو البعض إلى الرجوع نحو الأيام الأولى للحرب في سوريا، والتفكير بسؤالٍ واحد، "هل دمّرنا وطننا لأجل كذبة؟ ".
اذاً فجرتها شبكة "إن بي سي" الأمريكية، كذبنا عليكم منذ بداية الحرب، أو على الأقل لم نكن كما ندّعي من مصداقيةٍ ووصولٍ إلى الحقيقة، هذا كان فحوى الاعتراف الإعلامي للشبكة حين غيّرت من روايتها بشأن خطف احد كبار مراسليها للشؤون الخارجية، ريتشارد انجيل، في العام 2012، حيث اعترفت أن الرجال الذين خطفوه وفريقه في سوريا كانوا "مسلحين متشددين" وليسوا من القوات الموالية للرئيس بشار الأسد .
المراجعة للقضية جاءت بعدما اتصلت صحيفة "نيويورك تايمز" بشبكة "ان بي سي" بشان الرواية. وقال انجيل إنه توصل الى الاستنتاج الجديد بعدما اتصل باجهزة لتطبيق قانون واستخبارات امريكية على علم مباشر بالقضية .
وذكرت صحيفة "التايمز" ان خاطفي فريق انجيل هم على الارجح عصابة متشددة مرتبطة بما يعرف بـ "الجيش الحر". وقالت ان العصابة تعرف باسم "لواء صقور شمال ادلب" وكان يقودها في ذلك الوقت "عزو قصاب وشكري عجوج"، وأبلغ موظفون سابقون في "ان بي سي" واشخاص شاركوا في عملية البحث عن المخطوفين، مدراء شبكة "ان بي سي" عن دور كل من "قصاب" و"عجوج" المحتمل في عملية الخطف. الا ان انجيل ألقى حينذاك باللوم على مقاتلين موالين للدولة السورية في خطفهم في تصريح على الهواء مباشرة .
وبعد ما انكشف عن هذه الحادثة والتي لم تكن بطبيعة الحال الوحيدة إطلاقاً فسبقها نكسة اخرى للشبكة التي لا تزال تعاني من تبعات وقف مراسلها "براين ويليامز" عن العمل بعدما اعترف بتحريف تقرير من الحرب العراقية، ووسط اتهامات بأنه كذب بشأن تقارير اخرى، فيما تعدّ نكسةً جديدةً تضاف إلى تاريخٍ من الانتكاسات التي خطتها أيدي "الثوار" خلال 4 سنين من الحرب، فيما يبقى الوطن السوري رهناً باستعادة الثقة بين أبنائه واستعادتهم لقرارهم الداخلي دون تدخلٍّ من أيّ طرفٍ خارجي. سيخرج علينا الاعلام الامريكي حاليا وسيلتحق به الاعلام الاوروبي لاحقاً يقدم اعتذاراً "بريئاً" عن السلوك الغير مهني. وهذا ليس مستبعداً طبعاً اذا قسنا الافعال المتوقعة بمثيلتها السابقة والتي كانت من نصيب السياسيين الامريكيين في وقت سابق. ألم يخرج علينا بوش وكولن باول وووو ليقول ان قضية اسلحة الدمار الشامل في العراق كانت كذبة لغزوه وتدمير بلاد الرافدين؟ ألم تكذب علينا واشنطن ولندن وباريس وعواصم اوروبية اخرى بنفاق العصر المعروف بـ"مكافحة الارهاب" والذي يخفي رغبة قوية في تدمير البلدان العربية والاسلامية؟ وحتي لا نذهب بعيداً ألم تكذب علينا القنوات الخليجية وعلى رأسها قناة الجزيرة القطرية التي كانت وما تزال تكيد هنا وهناك بنفاق واضح تتحدث عن قضية في سوريا وقضية في اليمن واخرى في لبنان وتغمض عيناها عن الديكتاتورية البترولية لمشيخات النفط العربي في الخليج. نعم اختبأت قناة الجزيرة تحت عباءة المقاومة يوماً ما ثم ما لبست ان أظهرت توجهاتها الأساسية الطائفية عند اول مفترق طريق وسمت كغيرها الإرهاب ثواراً والمقاومة ميليشيات .
طبعا الامر لا يقتصر على شبكة ان بي سي الامريكية ولا الجزيرة القطرية فالقائمة تطول ولا نحبذ هنا ان نتكلم عن قنوات مفضوحة الهوى والهوية كالعربية السعودية على الاقل فمثل هكذا قنوات كانت معروفة النويا منذ اللحظة الاولى لانطلاقتها حين كان ينظر لها القناة الاسرائيلية السعودية الناطقة بالعربية او كما يسميها الشارع العربي "العبرية ".
ولكن المضحك المبكي في واقع الاعلام العربي هو محاولة تشبه بالاعلام العالمي فلم تأت حسابات البيدر مع حسابات المزارع فاخيراً وخلال العدوان السعودي على اليمن حاول الاعلام الخليجي، فاشلاً، إظهار الطيار السعودي الذي يرمي حمولة طائرته الحربية من الصواريخ على بيوت الآمنين على أنّه رجل مضحٍّ من أجل بلاده، ومن أجل حرية جيرانه اليمنيين .لكن “البروباغاندا” الاعلامية التي تتصدّرها قناة “العربية” التابعة لآل سعود، لن تنجح ما دام خصمها، صور أطفال ممزّقة الأجساد ونساء تحت ركام منازلهن، وشيوخ مشرّدون في العراء .
وفي هذا الاطار، نشر موقع “العربية.نت”، صورة تظهر طيّاراً سعودياً وهو يودّع أطفاله قبل انطلاقه في مهمّته العدوانية على اليمن، في محاولة لإبراز الجانب الانساني للجيش السعودي، وسعياً لإبعاد صورة الإجرام عنه، وهي الصورة التي سترافق طويلاً ذلك الجيش الذي قتل وشرّد أطفال اليمن وشعبه .
وفي مقابل الصورة التي عرضها موقع “العربية”، عرضت وكالة اليمن الإخبارية للرأي العام صور المجازر التي يرتكبها الطيّارون السعوديون بحق الشعب اليمني المسلم، حتى لا تضيع الحقيقة يوماً .
ننهي كلامنا في هذا المقال مؤكدين على حقيقة راسخة وهي حين تتغيّر الحقيقة 180 درجة، لن تعود البلاد العربية كما كانت بل ستصبح عبارة عن عصابات ومرتزقة هنا وهناك ويتحول الوطن فيه الى كيتونات ممزقة متناحرة فهل نصحى من الثبات والانسياق الاعلامي الاعمى قبل فوات الاوان؟