الوقت- يجري الحديث اليوم عن أحد أبرز العناوين التي تخص الأزمة السورية، وهو ما يتعلق بإنهيار الجماعات الإرهابية في سوريا. فيما يجري التطرق للموضوع من قِبل الأطراف، كلٌ بحسب مصلحته. لكن الجميع يجتمعون على أن الجماعات الإرهابية باتت الضحية الأولى للحرب السورية. خصوصاً بعد أن تغيَّرت المعادلات نتيجة عودة الجيش السوري والدولة السورية لإدارة شؤون الواقع السوري. في حين يبدو واضحاً أن فتح الشام هي أولى الضحايا، لا سيما بعد انتصار حلب. وهنا فقد كان لهذا الإنتصار المدوي العديد من النتائج، والتي خلقت مساراً استراتيجياً لواقع الإزمة، يختلف عما كان قبل سنوات. فماذا في سوريا اليوم وكيف يمكن قراءة المسار الإستراتيجي للأزمة بعد انتصار حلب؟ ولماذا انهارت فتح الشام كأحد أهم نتائج الإنتصار؟
سوريا بعد حلب: قراءة لا بد منها
سوريا اليوم تختلف كثيراً عن سوريا ما قبل انتصار حلب. فعلى الرغم من أن الإنتصار بات من الماضي، لكن آثاره ما زالت حتى اليوم. وهنا نُشير لبعض الأمور المهمة وذات الطابع الإستراتيجي، والتي يجب أخذها بعين الإعتبار قبل التحليل:
إولاً: إن مسار الأزمة السورية انتقل من قدرة الأطراف الإقليمية والدولية الراعية للإرهاب على فرض الأوراق ضد الدولة السورية وإيران وروسيا وحزب الله، الى رضوخهم للأوراق التي باتت بحوزة أطراف محور المقاومة وروسيا. فيما تجدر الإشارة الى أن لمحور المقاومة الفضل الأكبر نتيجة وعيه وقدرته على إثبات نظرته تجاه الأزمة السورية مُنذ البداية حتى اليوم.
ثانياً: إن محور المقاومة والذي بات يُعتبر اليوم طرفاً أساسياً في أي حل، لم ولن يستخدم الأزمة السورية ومصلحة الشعب السوري في بازار التفاوض. بل إن الحد الأدنى الذي ينطلق منه اليوم هو وحدة سوريا وبقاء النظام ومصلحة الشعب السوري. الأمر الذي يعني رفض كل أشكال الإرهاب جذرياً وعلى كافة الصُعد.
ثالثاً: تَعتبر إيران - والتي تُمثِّل محور الممانعة والمقاومة الذي بات يمتد من الشرق الأوسط ويصل حتى فنزويلا - أن حماية مستقبل الشعب السوري، هي الأساس. وليس وارداً إعطاء أمريكا في السياسة ما عجزت عن أخذه في الميدان خصوصاً بعد التضحيات التي قدمتها أطرف محور المقاومة الى جانب المُنطلق المبدأي والأيديولوجي الرافض لإعتبار أمريكا شريكاً في أي حل. وهو ما يجبب أن يفهمه العدو والحليف.
رابعاً: لا يمكن لأي طرف أي يمر نحو التعاظم في الشرق الأوسط، دون احترامه أو تقديره لإيران وجهودها التي باتت تلقى ترحيب شعوب المنطقة. خصوصاً أن إيران اليوم هي بوابة الشرق الأوسط لكافة الدول في الشرق والغرب. وهو ما يُدركه اللاعبون الدوليون بشكل جيد.
هذه الأمور ومسائل أخرى، ترتبط بمسار الأزمة السورية بعد انتصار حلب على الصعيد الإستراتيجي. فيما سنُسلِّط الضوء على أحد أهم النتائج المباشرة لهذا الإنتصار، والذي يتعلق بإنهيار الإرهابيين لا سيما فتح الشام.
انهيار فتح الشام: دلالات وأبعاد
عدة دلالات يمكن الإشارة لها فيما يتعلق بإنهيار الجماعات الإرهابية وتحديداً فتح الشام. وهو ما نُشير له في التالي:
أولاً: يُعتبر انتصار حلب وتحريرها من احتلال جماعة "فتح الشام"، نقطة تحول نحو انهيار هذه الجماعة. وهو الأمر الذي فضحه ارتفاع منسوب الخلافات داخل فتح الشام وبينها وبين التنظيمات الأخرى، لا سيما في إدلب.
ثانياً: إن من أهم الأمور التي يمكن ملاحظتها هو عدم قيام أي من الأطراف الإقليمية والتي عادة ما تسعى لإحتضان هذه الجماعات الإرهابية، بتقديم أي دعم لجماعة فتح الشام. الأمر الذي يعني نهاية دورها بعد أن باتت في موقع ضعيف لا سيما بعد انتصار حلب. مما جعلها طرف غير قابل للإستثمار من قِبَل هذه الجهات الإقليمية والتي تتعاطى مع جماعاتها الإرهابية كأوراق للتفاوض.
ثالثاً: عدم قدرة فتح الشام على تشكيل تنظيم موحَّد تجمع من خلاله الأطراف المختلفة. وهو ما يدل على ضعفها وعدم قدرتها على فرض أي واقع جديد، خصوصاً بعد تراجع الثقة بها من قِبل الأطراف الأخرى من الجماعات الإرهابية.
رابعاً: كانت فتح الشام تعتمد سياسة قائمة على أنه وفي حال خسارة أي منطقة يجري العمل على احتلال منطقة أخرى، وهو الأمر الذي كان يُحافظ على أوراقها الميدانية بشكل أو بآخر. لكن ومع خسارة الجماعة لمدينة حلب، تغيَّرت هذه المعادلة حيث بات من الصعب القيام بذلك نتيجة ثِقل الخسارة وآثارها التي ترتبت عنها.
خامساً: يمكن القول بناءاً لما تقدم، أن الدول الداعمة للإرهاب، وفي مقدمتها تركيا، قد تكون في وارد التأسيس أو العمل على الإهتمام بالجماعات التي يمكن أن تكون أكثر اعتدالاً من فتح الشام. مع الإشارة الى أننا نضع توصيف الإعتدال في خانة التساؤل، حيث لم يظهر أي من الجماعات الإرهابية بشكل مُعتدل حتى الآن!
لا شك أن واقع الأزمة السورية يحذو نحو مستقبلٍ أفضل للشعب السوري. في ظل وجود محور المقاومة الذي تقوده إيران، والتي لا تُبدِّل مواقفها أو مصالحها مع تغيُّر الظروف بل تُعيدها دوماً للمنطلقات الثابتة لها في سياستها الإقليمية والدولية. ولعل ذلك كان أحد أهم أسباب انهيار الإرهاب الذي رفضت إيران جعله ورقة للتفاوض، أو واقعاً يُمكن القبول به. وهو ما يظهر اليوم عبر انهيار فتح الشام. فهل سيتعلم البعض من دروس وتجارب التاريخ؟ أم سيكون للإرهاب راعون جُدد؟؟