الوقت- عند قراءة طبيعة الظروف الاقليمية والدولية التي تحيط بمنطقة الشرق الاوسط في الوقت الحاضر والسعي لمعرفة الاسباب التي تكمن وراء شن السعودية لعدوانها الغاشم على اليمن في هذا الوقت بالذات يتبين بوضوح أن هذا العدوان لا يمكن أن يكون سعودياً محضاً، لوجود ادلة قاطعة على مشاركة اطراف خارجية عديدة في مقدمتها امريكا في هذا العدوان ، وهذا ما اعترفت به الرياض نفسها في بداية الهجوم زاعمة أنه تم بالتنسيق مع الادارة الامريكية وليس رضوخاً لإملاءات هذه الادارة .
وهنا لا يفوتني أن أشير الى ان الكثير من المحللين والمراقبين السياسيين لا يستبعدون أبداً مشاركة طيارين اسرائيليين في قصف المدن اليمنية انتقاماً من الشعب اليمني الذي أزاح بثورته الشعبية السلمية العارمة واحداً من أهم حلفاء واشنطن والرياض في المنطقة .
كما لايفوتني أن أشير هنا الى ما طرحه أحد المفكرين المعاصرين عندما طالب بتسمية نظام آل سعود بالكيان السعودي على غرار تسمية الكيان الإسرائيلي الغاصب للأراضي الفلسطينية، كونه كياناً غاصباً لأرض الحجاز المقدسة ، ويسير على خطى الكيان الاسرائيلي حذو النعل بالنعل على حد تعبير هذا المفكر ، فيما طالب العديد من الشخصيات الدينية والسياسية الطائرات السعودية بالكف عن توجيه نيرانها صوب اليمن والتوجه بدلاً عن ذلك لتحرير جزيرتي تيران وصنافير السعوديتين المحتلتين من قبل الكيان الاسرائيلي منذ عام 1967 وحتى الآن .
يأتي هذا في وقت وصف فيه معظم المراقبين تبريرات السعودية بشن الهجوم على اليمن بأنها واهية وزائفة ولا أساس لها من الصحة وتدخل في إطار التدخل السافر بشؤون الدول الاخرى ولا علاقة لها ابداً بما تدّعيه الرياض من انها تسعى الى إعادة الشرعية والاستقرار الى هذا البلد .
ونعود الى تساؤلنا الذي طرحناه في بداية الكلام عن سبب شن السعودية العدوان على اليمن في هذا الوقت بالذات ؟! للإجابة عن هذا السؤال لابد من التأكيد مرة أخرى على ان الادارة الامريكية هي التي أمرت سلطات آل سعود بشن هذا العدوان على اليمن في هذا الوقت لاسباب عدة نذكر منها :
1- أرادت واشنطن إشغال الرأي العام العالمي بمتابعة تفاصيل العدوان السعودي على اليمن كي تنسيه ولو مؤقتاً ما تقوم به من مؤامرات اخرى في المنطقة لاسيما في العراق وسوريا . فالادارة الامريكية تسعى بكل جهدها الى مصادرة انتصارات الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي على تنظيم " داعش " الارهابي من خلال القيام ببعض الطلعات الجوية بين الحين والآخر كي تقول للعالم بأنها هي التي تحارب هذا التنظيم وليس الشعب العراقي بهدف صرف الانظار عما يحققه هذا الشعب وقواته المسلحة من انتصارات باهرة على هذا التنظيم الارهابي .
2- تسعى الادارة الامريكية من خلال إصدار أوامرها للنظام السعودي بشن العدوان على اليمن في هذا الوقت بالذات كي ترسل رسالة الى طهران التي تقف بصدق وإخلاص الى جانب الشعب اليمني وتخوض في الوقت نفسه محادثات نووية صعبة مع المجموعة السداسية الدولية التي تضم بالاضافة الى امريكا كل من روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ؛ هذه الرسالة مفادها أن على طهران التغاضي عن نصرتها للشعب اليمني إذا ما أرادت تحقيق تقدم في هذه المفاوضات ، وهذا أمر ترفضه طهران بالمرة كونه يتنافى مع مبادئها وقيمها الاسلامية التي تعد نصرة الشعوب المظلومة من اوليات ابجدياتها ولا يمكن أن تساوم عليها أبداً ، وهذا ما أثبتته التجارب والوقائع الكثيرة التي حصلت طيلة العقود الماضية التي أعقبت انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 . ولكن مع ذلك لازالت امريكا تحلم بمساومة ايران على حقوقها المشروعة في حيازة التقنية للاغراض السلمية التي أقرتها القوانين الدولية مقابل تغاضيها عن نصرة الشعوب المظلومة ومنها الشعب اليمني ، وهذ أمر لايمكن أن يتم أبداً ولايمكن تصوره كما أسلفنا .
3- تسعى امريكا من وراء شن العدوان على اليمن من خلال السعودية وبدعم من دول غربية كبريطانيا وفرنسا وبلدان اقليمية كدول مجلس التعاون – باستثناء سلطنة عمان – الى إلهاء العالم عما يجري خلف الكواليس بشأن القضية الفلسطينية التي تشهد تطورات ملحوظة في طليعتها الانتفاضة الفلسطينية المتنامية في الضفة الغربية بهدف عقد صفقات مشبوهة مع الاطراف المساومة على حقوق الشعب الفلسطيني كالسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس المدعوم سعودياً وخليجياً وهذا الأمر معروف للقاصي والداني ولا يمكن أن ينكره إلا مغفل أو مستفيد من هذه الصفقات .
4- تسعى امريكا من خلال إيعازها للسعودية بشن الهجوم على اليمن الى تهيئة الارضية لتمدد الجماعات الارهابية في المنطقة بعد ان فشلت في مشروعها الرامي الى تمزيق دول مهمة مثل العراق وسوريا من خلال دعمها اللامحدود لهذه الجماعات لاسيما " داعش و" القاعدة " الممولة سعودياً ومن الدول السائرة في فلكها كتركيا وقطر .
5- تسعى الادارة الامريكية من خلال شن الهجوم السعودي على اليمن في هذا الوقت بالذات الى إضعاف محور المقاومة في المنطقة الذي يُعد الشعب اليمني وقيادته المتمثلة بحركة " انصار الله " أحد أركانه ، وذلك من أجل تقوية الاطراف والانظمة التي تحارب هذا المحور بكل ما لديها من امكانات مادية وإعلامية وتسليحية وفي مقدمتها النظام السعودي .
هذه الاسباب " الاهداف " وغيرها نعتقد أنها هي التي دعت الادارة الامريكية الى إصدار أوامرها الى الرياض كي تشن هجومها البربري على الشعب اليمني الفقير والمنهك اقتصادياً في هذا الوقت بالذات ، إلا ان الكثير من المراقبين يعتقدون أيضاً أن أياً من هذه الاهداف لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع بسبب صلابة وصمود الشعب اليمني من جهة وباقي أطراف المقاومة التي تدعمها طهران بقوة من جهة اخرى وبفضل يقظة ووعي شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعبين العراقي والسوري الذين تمكنا حتى الآن من إجهاض كافة المؤامرات الغربية – الاسرائيلية التي تقودها امريكا وتنفذها الانظمة العميلة والرجعية في المنطقة وفي مقدمتها النظام السعودي .
كما يرى هؤلاء المراقبون في العدوان على اليمن بأنه مقدمة لاستنزاف السعودية وتهيئة الارضية لتقسيمها في المستقبل خصوصاً اذا ما فشلت في مهمتها الجديدة ، وهم يعتقدون " المراقبون " أن الرياض تسير حالياً بهذا الاتجاه ولايمكن أن تحقق أياً من اهدافها سوى قتل الشعب اليمني وتدمير بناه التحتية المدمرة أصلاً جراء السياسات الفاشلة للانظمة التي تعاقبت على حكمه طيلة العقود الماضية والتي كان آخرها نظام الرئيس المستقيل والهارب عبد ربه منصور هادي .