الوقت- يتساءل الكثيرون عن أسباب توجه الملايين من المسلمين الشيعة نحو كربلاء المقدسة، وماهو سبب تكريس الآلاف من العراقيين والايرانيين حياتهم لخدمة زوار أربعين الإمام الحسين عليه السلام.
ونجيب على هذه التساؤلات، بأن نقول إن تقديس العظماء وتمجيد الأبطال بعد وفاتهم نزعة فطرية سائدة في كافة دول العالم، ومنذ أقدم العصور والى يومنا هذا مازال الإنسان يشيد الأضرحة والتماثيل للأبطال والعظماء.
وكما سائر البشر نرى زوار الأربعين يتوافدون من شتّى المدن العراقية تشاركهم وفود غفيرة من شتّى البلدان كإيران والبحرين والكويت ولبنان وباكستان وسوريا و... للسير على أقدامهم من النجف الى كربلاء المقدسة لمدة عشرين يوما متواصلة، بُغية زيارة قبر الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، والذي يعد أکبر حشد بشري سنوي وأضخم مسيرة في العالم.
وتشهد في هذه الزيارة قيم انسانية عظيمة لن تراها في هذا العصر الذي بات يغلب عليه طابع المادّة واتّباع الملذات والرغبات، وستشعر بأن ملايين البشر غدوا قلبا واحدا في هذه البقعة من الأرض، ورغم أن الحياة تحوّلت الى غابة مظلمة لا يثق فيها الانسان بأخيه الانسان، إلا أنك ستُبصر أجواء من الثقة والأمان على طول الطريق الواصل بين النجف وكربلاء، وستتعجب لما ستراه من عطاء الخادمين للزوار على طول 80 كيلومترا تحولت الأمتار فيها الى شواهد تثبت للإنسانية جمعاء أن ماتفتقده قلوبهم من ثقة ومحبة ووفاء ستعثر عليه في هذه الزيارة المباركة.
كما يُبهر الزوار الوافدين من الخارج التنظيم الذاتي الهائل الذي يقوم به المانحون والخادمون للزوار، لاسيما وأن الدولة العراقية عاجزة عن تحمّل كافة الأعباء، حيث لا يمكن أن ترى جهة معينة تنظّم الزيارة، وإنما ستلحظ الآلاف من العراقيين قد رسموا لوحة مذهلة بخدماتهم على طول الطريق، لتأمين متطلبات الزوار من مأكل ومشرب ومنامة وغيرها من الخدمات الأخرى.
خدمات انسانية على طول 80 كيلومتر
وتنتشر على طول الطريق من النجف الى كربلاء آلاف العناصر الأمنية لتأمين الزوار وحمايتهم، وتتوزع كوادر طبية مجانية بكثرة لتقديم الإسعافات الاولية للزوار.
والمواكب ليست حكرا على أحد، حيث يمكنك مشاهدة بعض المواكب الايرانية وأخرى بحرينية ولبنانية منحت خدماتها بأماكن مختلفة على طول الطريق الى كربلاء للزوار.
كما تعمل المواكب على تأمين الطعام والشراب للزوار على طول الطريق، ومن المستحيل أن تلحظ زائرا جائعا أو عطشا، كما يقوم أهالي القرى والمدن من العراقيين بدعوة الزوار الى منازلهم للاستحمام والاستراحة في حال كانوا مرهقين جدا، ويقدم للزوار خدمات أخرى من قبيل الانترنت المجّاني، والصرافات ووسائل النقل المجانية وسيارات الاسعاف، كما تقوم بعض المواكب بتقديم الثياب لمن هم بحاجة لها.
طريق الزوار
وتعد مدينة النجف الأشرف جنوب غربي العاصمة بغداد محطة لتجمع الزوار، لينطلقوا منها نحو كربلاء المقدسة وعلى مدى طريق يبلغ طوله 80 كيلومترا لأداء زيارة الأربعين.
وأما عن الخدمات التي قدمّتها الدولة العراقية للزوار فهي وفيرة، ومنها إدخال طرق مراقبة إلكترونية جديدة تعتمد على الجهد الإستخباري والأمني، وانتشار مفارز التفتيش بأجهزة السونار المتطورة والتفتيش اليدوي للزائرين وتدقيق الأوراق الثبوتية للعجلات وتسهيل حركة المركبات. كما عملت الجهات العراقية الحكومية على تقديم الخدمات الطبية والنقل والوقود إلى الزائرين.
وعلاوة على الخدمات الذكورية لزوار الاربعين، قامت كوادر نسوية قرآنية بافتتاح محطات قرآنية، حتى أن طلاب الجامعات شاركوا بخدمة الزوار، حيث قام طلاب جامعة المستنصرية بتنظيف الشوارع غير آبهين لمراكزهم العلمية، مؤكدين أنهم فرحون بخدمتهم لزوار الامام الحسين عليه السلام، ومن أجل الحفاظ على نظافة هذه المدينة المقدسة.
844 ألف زائرٍ عربيٍ وأجنبيٍ دخلوا العراق
ودخل العراق 844 ألف زائرٍ عربيٍ وأجنبيٍ عبر منافذ الشيب وزرباطية وسفوان والشلامجة ومندلي الحدودية، بالإضافة لمطاري النجف والبصرة، لأداء زيارة أربعينية الإمام الحسين (ع).
وشهد هذا العام للمرة الأولى وافدين من جنوب أفريقا، بالإضافة الى وافدين من دول عربية قادمين من البحرين والسعودية وقطر والكويت.
10 آلاف مقاتل من الحشد الشعبي لحماية زوار الأربعين
ورغم انهماك عناصره الى جانب الجيش العراقي بتحرير الموصل من تنظيم داعش الارهابي، أعلن الحشد الشعبي، مشاركة عشرة آلاف من مقاتليه في الخطة الأمنية الخاصة بحماية زوار الأربعين.
وغدت زيارة ضريح الامام الحسين (ع) في مدينة كربلاء بعد سقوط نظام صدام في سنة 2003م والذي مارس أساليب شنيعة لوأد هذه المسيرة المباركة رسالة ناعمة مفادها التضحية في سبيل الحق وبوجه الظالمين وترسيخا للطاقات الايمانية لعموم المسلمين ودفاعاً عن الإسلام المحمدي، وكعبة لتلاحم البشرية جمعاء لتجدد عهدها أمام الله بأنه لايمكن للظالم أن ينتصر على المظلوم.
والأربعين هو اليوم العشرون من صفر والذي يوافق مرور 40 يوما على مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) في معركة كربلاء على يد جيش عبيد الله بن زياد. وقامت السيدة زينب (ع) بنت الامام علي والامام "علي بن الحسين السجاد" وبرفقة الأيتام وأطفال الامام الحسين بالتوجه إلى أرض كربلاء لزيارة قبر الامام الحسين(ع) في الأربعين.