الوقت - قبل خمسة أشهر، وتحديداً في 20 حزيران/يوليو الماضي، ضج العالم على مشهد في غاية الوحشية، ظهر فيه أفراد وقادة من مسلحي حركة نور الدين الزنكي الارهابية، وهم يذبحون طفل فلسطيني جريح ومصاب بالتلاسيميا في حلب، بدعوى أنه يقاتل في صفوف قوات النظام السوري.
لاقت الجريمة إدانات واسعة حول العالم، خاصة أن الطفل "عبدالله عيسى" الذي لم يتجاوز 12 عاماً، قد ظهر في شريط الفيديو يتوسل قاتليه بعدم قتله ذبحاً، وقد اختار طوعاً الموت بالرصاص، إلا أن وحوش حركة نور الدين الزنكي، رفضوا تحقيق أمنيته وأوغلوا في السخرية منه وتحطيمه نفسياً وأخذ صور "السيلفي" معه، قبل أن يذبحوه بسكين صغير على ظهر شاحنة وهم يكبرون.
توالت بيانات الاستنكار وردود الفعل المنددة بالجريمة الوحشية التي فضحت الوجه الاجرامي لجماعة الزنكي المدعومة من تركيا والمصنفة أمريكياً على أنها جماعة معتدلة تقاتل من أجل الحرية والديمقراطية، ما دفع حركة نور الدين الزنكي، إلى المسارعة بإصدار بيان استنكار للجريمة، اعترفت فيه ضمنياً بسؤولية مسلحيها عن الجريمة، ووصفت الجريمة بالعمل الفردي، وأكدت على احترامها للمعاهدات الدولية وحقوق الإنسان، وتوعدت بمحاكمة ومعاقبة مرتكبي الجريمة، كما خرج الناطق باسم الحركة النقيب "عبدالسلام عبدالرزاق"، عبر العديد من المحطات العربية، محاولاً تبرير الجريمة ومتوعداً بمحاسبة الذبّاحين.
واليوم بعد مضي 5 أشهر على الجريمة، هل حققت "نور الدين الزنكي" وعودها بمحاسبة المجرمين؟
أم أن ما حصل هو أمر اعتيادي في الحركة الارهابية، ويكشف عن جزء بسيط من فكر الجماعة الارهابي وطريقة معاملتها للأطفال والجرحى؟
في الحقيقة منذ البداية، لم ينطلي بيان الحركة على الكثيرين، إذ أن المسؤولين عن الجريمة هم من قادة الحركة، وليسوا من الأفراد العاديين، حيث يظهر من الفيديو أن الذي أعطى الأمر لتنفيذ هذه الجريمة البشعة هو مسؤول "قطاع حلب" في الحركة المدعو "عمر سلخو"، والذي طلب في الفيديو من مسلحي الحركة التقاط صورة "سيلفي" له مع الطفل المصاب قبيل ذبحه، وخاطب الطفل عندما طلب قتله بالرصاص بدل الذبح: "قواص مافي..نحن ابشع من الدواعش". كما وظهر إلى جانب "سلخو" ايضاً مسؤول "قطاع حندرات" في الحركة المدعو محمد معيوف "أبو بحر".
ومنذ تاريخ ارتكاب الجريمة ظل هؤلاء الارهابييون يظهرون في بيانات الحركة المصورة بشكل اعتيادي، ويتحدثون إلى وسائل الاعلام وكأن شيئاً لم يكن، ويحاضرون في النضال من أجل الحرية والكرامة، لاسيما المسؤول الأول عن الجريمة، المدعو "عمر سلخو".
فقبل شهر من الآن ظهر سلخو في الشريط المصور لبيان اندماج ما يسمى لواء التوحيد مع حركة نور الدين الزنكي، كما ظهر سلخو بالأمس في الأحياء الشرقية لحلب ضمن الاعلان عن ما يسمى "مجلس قيادة حلب"، والظاهر من هذه الأشرطة أن "سلخو" مازال على رأس عمله ضمن قيادات الحركة الارهابية، كما أنه لم يُعدم أو يُسجن أو يُعزل أو حتى يفقد رتبته، هذا إن لم يكن قد نال ثناء على فعلته!
بل إن "سلخو" ظهر بعد الجريمة باسبوعين مع رفيقه في الجريمة "محمد معيوف" في صورة نشرها صديقهم المصور "محمود رسلان" على صفحته على الفيسبوك وهم ينالون التمجيد من الأخير بعبارة "عندما تشاهد القادة في الصف الأول فاعلم أن النصر آت"، أما "محمود رسلان" صديق ذباحي الأطفال، فقد ظهر بعد شهرين من ذلك التاريخ على قناة الجزيرة القطرية ليتحدث عن الانسانية والصدمة التي هالته أمام مشهد الطفولة المقهورة التي تجلت في الطفل "عمران"، الذي قيل أنه أخرج من بين الأنقاض، بعد تعرض المبنى الذي كان فيه للقصف!
الجدير بالذكر أن قائد ومؤسس حركة نور الدين الزنكي "توفيق شهاب الدين"، الذي أدين في العام 1999 بجريمة قتل أخته الأرملة والمعيلة لأسرتها بدافع الشرف، يعتبر من الشخصيات التي تجمعها علاقة طيبة مع قطر وقد اهتمت به قناة الجزيرة القطرية، وأسهمت في تعويمه، وأجرت لقاءات معه، لتظهيره على أنه رجل معتدل معارض لداعش، كما يعتبر من أبرز الشخصيات المقربة من واشنطن، حيث كان من بين قادة المجموعات الذين التقاهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري في تركيا، بوصفهم "قادة للمعارضة المعتدلة".
وقد ظهر "توفيق" في اسطنبول في أواخر 2014 خلال مؤتمر للفصائل المسلحة، مرتدياً بدلة رسمية (على خلاف لباسه التقليدي) وتحدث في مؤتمره الصحفي عن الحرية والانسانية، ومحاربة الارهاب.