الوقت- عند الحديث عن العلاقة بين التنظيمات الارهابية وأمريكا وحلفائها الغربيين تبرز أمامنا عدة اسئلة حول طبيعة وحقيقة هذه العلاقة ومدى تأثيرها في التطورات الخطيرة التي تشهدها المنطقة لاسيما في العراق وسوريا. ويمكن تلخيص هذه الاسئلة بما يلي:
1- اذا كانت امريكا تدعي محاربة الجماعات الارهابية خصوصا تنظيم
"داعش"، فلماذا تدعمها بالاموال والمعلومات والسلاح وهو ما اشارت اليه
وثائق دامغة تؤكد تورطها بهذا الدعم؟ خصوصاً اذا اخذنا بنظر الاعتبار اعتراف
العديد من المسؤولين الامريكيين بأن بلادهم هي التي أسست "داعش" بينهم
وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون .
2- ما
الذي تسعى امريكا لتحقيقه من وراء دعمها لـ "داعش" رغم ادعائها محاربته
في وسائل الاعلام.ولماذا لا تغلق قنوات دعم هذا التنظيم الارهابي إن كانت صادقة في
هذا الادعاء؟
3- ما هو
دور أمريكا وحلفائها في الجرائم البشعة التي ترتكبها "داعش" وباقي
التنظيمات الإرهابية والتكفيرية والمتطرفة في عموم المنطقة؟
4 -
لماذا غضّت أمريكا وحلفاؤها الطرف عن تنامي ظاهرة الارهاب خلال السنوات الماضية،
ولماذا لم تستمع إلى تحذيرات الآخرين بهذا الشأن مع علمها بطبيعة الجرائم التي
تقوم بها سيما وأن عدداً غير قليل من وسائل الإعلام الغربية قد كشف عن هذه
الجرائم؟
هذه
الاسئلة وغيرها سنتناولها بالبحث في هذه السطور ونسلط عليها الضوء من خلال الحقائق
والادلة القاطعة التي تبين زيف المزاعم الامريكية والغربية في محاربة الارهاب .
من
المعروف ان المشروع الغربي في المنطقة يواجه تحديات حقيقية، تتمثل بالدرجة الاولى
في مشروع المقاومة في العديد من الدول، ويعتقد الكثير من المراقبين ان الدول
الغربية وفي مقدمتها امريكا لجأت الى الاستعانة بالجماعات الارهابية لخلق حالة من
الفوضى في المجتمعات التي تستهدفها هذه الجماعات التي لا تفكر الا بالقتل وتحويل
الشرق الاوسط الى انهار من الدماء وكومة من الخراب لفرض أجندة خارجية لاستنزاف
دولها والسعي لتعميق الهوة بين شعوبها عبر اثارة النعرات الطائفية والقومية لبسط
هيمنتها على مقدراتها ونهب ثرواتها وربط مصيرها بعجلة هذا المشروع الذي تعمل
الدوائر الغربية على تكريسه وتنفيذه في هذه المنطقة.
وبعد
الانتصارات الساحقة التي حققها الجيش العراقي والحشد الشعبي على تنظيم داعش والتي أذهلت
جميع المراقبين، سعت امريكا الى منع استمرار هذه الانتصارات من خلال القاء الاسلحة
والذخائر والاغذية لهذا التنظيم . فهذا يشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى وجود
ارتباط غير معلن بين داعش وامريكا رغم سعي الاخيرة لإخفاء هذا الارتباط وإظهار
"داعش" بمظهر العدو لكنها في الحقيقة تدعمه بالسلاح والمعلومات
الاستخبارية لتقوية تحركاته الاجرامية في إطار مخطط رهيب تشارك به - وللأسف الشديد
- بعض دول المنطقة كتركيا والسعودية .
ولايمكن
التغاضي ابداً عمّا قامت به امريكا بقصف القطعات العراقية وقوات الحشد الشعبي بحجة
الخطأ ومحاولة خلط الاوراق باعتباره مؤشراً واضحاً على نوايا واشنطن الحقيقية في
دعم "داعش" وباقي العصابات الارهابية المتعاونة معه وبقايا فلول حزب
البعث المنحل.
وهناك
عدة تقارير من كتاب ومحللين سياسيين غربيين، وكذلك المعلومات الخطيرة التي كشفها
الموظف السابق في الاستخبارات الأمريكية إدوارد سنودون، تؤكد هذه الحقيقة، اضافة
الى إصرار أمريكا على عدم دعم العراق في حربه على داعش بحجج واهية رغم الاتفاقية الامنية
الموقعة بين البلدين والتي تتجاهلها واشنطن بشكل متعمد ومستمر .
وما
التصريحات الاخيرة التي أدلى بها عدد من المسؤولين ومنهم رئيس هيئة الأركان
الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي خلال زيارته المفاجئة الى بغداد التي
اشار فيها الى احتمال تفكك "التحالف الدولي"والتخلي عن دعم العراق
زاعماً ان القوات العراقية لاتمتلك استراتيجية موحدة لمواجهة "داعش" في
مسعى لتبرير فشل التحالف في هذا المجال إلاّ دليلاً واضحا على عدم جدية
"التحالف"الذي تتزعمه امريكا في محاربة الارهاب. من هنا يتبين ان
تصريحات المسؤولين الغربيين لاسيما الامريكيين بشأن محاربة الارهاب لا قيمة لها ان
لم تقترن بأفعال ومواقف واضحة وهو ما يستدعي البحث عن أجوبة واقعية للتعامل مع هذا
الحقيقة .
وهنا
يبرز سؤال هو: إن كانت امريكا تدعي محاربة الارهاب فعلاً، فلماذا لا تقتل قادة
"داعش" ومن بينهم زعيمهم المدعو "ابو بكر البغدادي" عندما
حددت مكانه بدقة في العراق خلال فترة سابقة؟ ألا يشير هذا الى وجود ارتباط وتعاون
بين الطرفين، ويظهر ان داعش يعمل لمصلحة أمريكا. والسؤال الآخر هو لماذا اطلقت
واشنطن سراح البغدادي عندما كان معتقلاً لديها خلال احتلالها للعراق وهي تعلم انه
إرهابي خطير ثم تعلن بعد ذلك عن مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه؟
وهنا
لابد من الاشارة الى محاولات تنظيم"داعش" والجماعات الارهابية الاخرى
التي تتخذ من تزييف الدين غطاء لها بهدف التوسع في عدد من الدول الافريقية لاسيما
في مصر وليبيا من خلال تنفيذ جرائم مروعة بحق الابرياء من مواطني هذه الدول، فهذه
المحاولات لا يمكن عزلها بأي شكل من الاشكال عن مساعي الدول الغربية وعلى رأسها
امريكا التي تدعم هذه الجماعات للاستحواذ على مقدرات القارة الافريقية ضمن مشروعها
الاستعماري الرامي الى الهيمنة على كافة اقطار العالم.
وفي
الختام لابد من التأكيد على أن الهدف غير المعلن من الضجة الاعلامية التي تفتعلها
امريكا ضد "داعش"، يتمحور في الحقيقة حول التمهيد لبسط هيمنتها على
المنطقة وإنقاذ العصابات الارهابية لتستمر في مجازرها في هذه المنطقة أو مناطق
اخرى من العالم أو السيطرة عليها كي لا تلحق اضراراً بمصالحها ولا تخرج عن المخطط
المرسوم لها من قبلها، وإلاّ فإن تضييق الخناق على هذا العصابات وتقييد حركتها من
قبل الدول الغربية وبالذات امريكا أمر ممكن وفق المعطيات المتوفرة لكنها لا تفعل
لأنها ليست جادة في ذلك على الاطلاق، وهذا الأمر بات واضحاً ومعروفاً للجميع.