الوقت- تتوالى العلاقات المصرية السعودية فصولاً. فبعد تصويت مصر لمصلحة مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن في شأن الأزمة السورية، توقّفت شركة "أرامكو" السعودية للبترول عن تزويد مصر باحتياجاتها من المواد البترولية، وفق ما نقلت وكالة "رويترز" أمس عن مسؤول حكومي مصري.
الخلافات الجديدة كشفت حجم التباين بين الموقفين المصري والسعودي، حيث يتماهي موقف القاهرة مع الرياض في موقف الرخاء، دون أن تحضر الأولى إلى جانب الأخيرة الشدائد بدءاً من سوريا ؛ سواءً في قرار مجلس الأمن الأخير أو لناحية رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وانتهاءً باليمن حيث رفضت الحكومة المصرية المشاركة عسكرياً، مروراً بالجزر الثلاث في البحر الأحمر بعد قرار المحكمة المصرية بعدم تسليم الجزر للسعودية.
ولكن، قبل الدخول في تفاصيل التباين الذي لا يبدو عابراً هذه المرّة، لا بدّ من الإشارة إلى أن السعودية التي قدّمت نفسها كأهم صديق للشعب المصري في أعقاب 30 حزيران 2013، عبر الحزمات الاقتصادية التي بلغت في بعض التقديرات 25 مليار دولار ( من السعودية، الإمارات و الكويت)، حصلت على ثمن هذا الدعم مسبقاً، ولكن بنكهة سياسيّة، حيث حاولت تجيير الموقف السياسي المصري لصالحها، سواءً عبر دعم عسكري في اليمن، أو سياسي في سوريا، أو جيوسياسي في جزيرتَي تيران وصنافير المصريتين في مدخل خليج العقبة.
خلافات جوهرية
وأما حول تفاصيل التباين المصري السعودي وتفاصيله، لا بدّ من الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: ينطوي القرار المصري على عدّة أسباب، بعضها تاريخي، فلو نجحت السعودية في تفتيت سوريا، كما فعل مع العراق، ستبقى القاهرة وحيدة أمام النفوذ السعودي، الذي سيهزّ لها العصا السورية لو خرجت عن طوعه. إن إسقاط سوريا يعزّز من قدرات السعودية، ويكرّس زعامتها على جزء كبير من العالم العربي، الأمر الذي لا ترفضه مصر فحسب، بل تجده تهديداً لأمنها القومي "التاريخي". ولكن، لا يمكن حصر القرار المصري بالسعودية، بل يرى النظام الحالي أن مصلحته تكمن في الحفاظ على وحدّة الدولة السوري.
ثانياً: سبب آخر يفسّر الموقف المصري يرتبط بالعلاقات مع روسيا، حيث شهدت العلاقات بين البلدين طفرة نوعية خلال الفترة الأخيرة أبرمت مع موسكو صفقة أسلحة كبيرة جدا شملت50 طائرة من طراز "ميج 29"، ومنظومة دفاع جوي من الطراز "SA-23" و"SA-17"، فضلا عن 46 طائرة من طراز "ka-52".
ثالثاً: تراعي مصر السعودية في العديد من الاستحقاقات "التكتيكية"، بغية الحفاظ على الدعم الاقتصادي. إلّا أن موقف القاهرة في الاستحقاقات "الاستراتيجية" يبدو على العكس تماماً كما شاهدنا في سوريا واليمن، الأمر الذي دفع بالأبواق السعودية لاتهام السيسي باتخاذ المواقف الرمادية.
رابعاً: تمتلك السعودية بالفعل الكثير من أدوات الضغط على أصحاب القرار المصري، أهمها شحنات المواد البترولية، وأكثر من مليون عامل مصري في المملكة الأمر الذي يفرض على القاهرة التأني والحذر، لاسيّما أنها تعاني ارتفاعاً في نسبة البطالة، ونقصاً في العملة الصعبة التي يؤمنها العمّال المصريين في السعودية، إضافةً إلى ورقة الودائع السعودية في المصرف المركزي، التي قد تستخدمها الرياض في يوم من الأيام.
خامساً: أدرك النظام المصري أن التقشّف السعودي سيطاله، لذلك يرى بعض الخبراء في الشأن المصري أن الرئيس السيسي انتهز فرصة "القرار الروسي" لهزّ العصا سياسيّاً لإيصال رسالة للنظام السعودي أن القاهرة قادرة أن تقلب الموازين على السعودية فس سوريا واليمن، إلا أن السعودية أيضاً انتهزت فرصة "التقشّف الاقتصادي" لإيصال رسالة مماثلة.
جوهر الخلاف
وأما بالنسبة للخلاف الأخير، فلم يرق الموقف المصري الأخير في مجلس الأمن إلى السعودية التي وصف مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة عبد الله المُعلمي تصويت مندوب مصر لصالح مشروع القرار الروسي، بالمؤلم، إلا أن جوهر الموقف السعودي عكسه الكاتب السعودي "سعود الريس" في مقاله الأخير في صحيفة "الحياة تحت عنوان "لعين الثالثة (التناقض المصري... بين الغاية والوسيلة)"، "إشكال مصر اليوم أنها مازالت تعيش أوهام قيادة العالم العربي". لم تكن هذه المرّة الأولى التي يذكر فيها الكاتب السعودي هذه العبارة، بل جاء في مقال سابق نشر في الصحيفة نفسها في منتصف «آذار (مارس) 2016 تحت عنوان "مصر.. مقاومة الأزمات أم ممانعتها"، العبارة نفسها.
إذاً، مشكلة السعودية مع مصر هي مشكلة زعامة، وليس موقفاً هنا أو آخر هناك، وما الدعم الاقتصادي السعودي، إلا لكسب الموقف السياسي المصري وتجييره لصالحه في إطار " أوهام قيادة العالم العربي" التي تعيشها السعودية منذ زمن.
يبدو اضحاً اقتراب الخلاف المصري السعودي من سقف الخطوط الحمراء، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم يتعلّق "بالكباش" القادم بين البلدين فإذا ما حاولت السعودية الضغط اقتصادياً على النظام المصري، ستفتح على نفسها أبواب جديدة هي بالغنى عنها، كما أن مصر تحتاج حالياً إلى الدعم الاقتصادي السعودي، الأمر الذي يصعّب من الفرضية القائلة بذهاب أحد الطرفين إلى النهاية ، ولكن لم نعتد أن تتخذ السعودية مواقف مدروسّة جيداً، تماماً كما فعلت في اليمن، فهل ستقلب السعودية الطاولة على نفسها ومصر؟