الوقت- مع اقتراب العاشر من محرم حيث يحيي محبوا "آل البيت" علیهم السلام، في مختلف أقطار العالم ذكرى عاشوراء، وجّهت وزارة الأوقاف المصرية تحذيراً "بعدم السماح بأية ممارسات، لا في ذكرى عاشوراء ولا في غيرها".
وقد أوضحت الوزارة في بيانها أن " أي خروج على حرمة المساجد أو قدسيتها، سيواجه من الوزارة بكل حسم، من خلال محاضر رسمية بموجب الضبطية القضائية الممنوحة لمفتشيها".
لا نختلف على حرمة المساجد وقدسيتها، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلّق بأسباب هذا القرار الذي يتماهى مع الهجمة الوهابية على الشيعة، رغم أن الشعب المصري يعد من أكثر الشعوب محبّةً لـ"آل البيت" عليهم السلام"، فهل ارتكب الشيعة في مصر أيّاً من الممارسات التي تحدّث عنها بيان الوزارة؟ هل انتهكوا حرمة المساجد وقدسيتها؟ أليسوا هم الذين تعرّضوا خلال السنوات الماضية إلى هجمات من قبل متشددين، أبرزها في يونيو / حزيران 2013، حيث استشهد 4 أشخاص بعد أن هاجمت مجموعة سلفية منزلا بإحدى قرى محافظة الجيزة، جنوبي القاهرة كان يقام فيه احتفال بمناسبة ذكرى ميلاد الامام المهدي، وقد استشهد خلال هذه الهجوم الشيخ حسن شحاته؟
لم يكن قرار الوزارة الأخير هو الأول من نوعه، ففي العام الماضي قررت مديرية أوقاف القاهرة إغلاق "ضريح" الإمام الحسين علیه السلام بالقاهرة في التاسع والعاشر من محرّم، وقد جاء في بيان نشرته الوزارة في موقعها الإلكتروني أن هذا القرار جاء "منعًا للأباطيل الشيعية التي تحدث يوم عاشوراء وما يمكن أن يحدث من طقوس شيعية لا أصل لها في الإسلام، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من مشكلات" على حد قول بيان الوزارة.
للوهلة الأولى يبدو أن هذا البيان صادر عن هيئة الأمر بالمعروف السعودية، فماذا فعل الشيعة في مصر حتّى يتمّ التعاطي معهم بهذا الأسلوب؟ هل لأنهم يشكلون أقلية صغيرة من الشعب المصري رغم أن الدستور المصري يحمي حقوقهم الدينية؟ أم أن الوزارة المصرية تخشى من ردّ الفعل السلفي الذي توعّد الشيعة هذا العام، كما في كل عام!
الغريب في بيان الوزارة أنه يأتي بعد أعوام دامية في مصر من قبل التيارات التكفيرية الوهابية، "ويجّدد تحذيره بعدم السماح بأية ممارسات طائفية، لا في ذكرى عاشوراء ولا في غيرها"، ألم يلتزم شيعة مصر بقرار الوزارة العام الماضي رغم اعتراضهم عليه؟ ما الضير في إحياء مراسم عاشوراء الذي قتل فيه الحسين بن علي "علیه السلام" حفيد النبي محمد في معركة كربلاء تماماً كما يحصل في كافّة الأقطار الإسلامية ؟ وما المانع في إحياء هذه المراسم في مسجد الإمام الحسين "عليه السلام"حيث سمي المسجد بهذا الاسم نظراً لرواية تقول بان الرأس الشريف دفن في مصر بعد عودة سبايا أهل البيت "عليهم السلام" من الشام مقر حكومة يزيد بعد أخذهم الى هناك (اشهر الروايات تقول بالحاق الرؤوس الشريفة بالأبدان في كربلاء)؟
إن القرارات العشوائية والغير منطقية لا تخدم الداخل المصري، فحريّ بوزارة الأوقاف أن تمنع الهجوم والسب الذي يتعرّض له الشيعة في كل عام من التيار السلفي، وتمسح لهم بإقامة الشعائر الدينية التي يتمّ إحيائها في كافّة الدول العربية، وفي مقدّمتها السعودية.
ولكن، لا يمكن إلقاء اللوم على الوزارة فحسب، بل حريٌّ بالأزهر الشريف أن يبقى مؤسسة جامعة لكل أطياف المسلمين دون التخندق لصالح فريق على حساب الأخر. وفي ظل غياب دور الأزهر، لا بل اختراقه من قبل الفكر الوهابي، لا نستغرب الخطاب الداعشي عن أي جهة يصدر.
لا يحق لوزارة الأوقاف وأي جهة أخرى منع إقامة هذه المراسم التي يكفلها القانون والدستور المصري. نعم، يحق لها أن تستخدم القانون وبشكل حاسم حينما يتمّ انتهاكه من أي جهة كانت، لا أن تسمح للتيار السلفي بالتجمهر أمام مسجد "الإمام الحسين" يوم عاشوراء وتدّعي أن المراسم تثير الاضطرابات، فهل يسمح الدستور المصري للتيار السلفي بالتجمهر أمام الكنائس خلال إحياء المسيحيين لطقوسهم الدينية ومضايقتهم؟ وإذا كان الجواب لا، كما هو بالفعل، لماذا لا يحصل الأمر ذاته مع الشيعة المسلمين، أليس الأقربون أولى بالمعروف ؟ أم أن القاعدة لدى وزارة الاوقاف هي أولوية قتال الأقرب، كما يعتبر ابن تيمية؟
إن أحد أبرز أسباب الواقع العربي والإسلامي المزري يكمن في غياب الدور المصري الديني والسياسي لصالح كل من السعودية وتركيا. ولكن، يبدو أن هناك قرار يهدف لتغييب دور مصر الديني والسياسي على حدّ سواء، وكل القرائن تشير إلى أصابع سعودية خلف هذه الأفعال، لاسيّما أن أغلب الأصوات التي تشنّ الحملات الإعلامية والدعاية على الشيعة في مصر ووزارة الأوقاف والأزهر معروفة التمويل والدعم.