الوقت- يعتبر التوتر حالياً السمة الأبرز في العلاقات المصرية القطرية، فبعد تدهور العلاقات بين القاهرة والدوحة إثرعزل الرئيس السابق محمد مرسي المدعوم من قطر، عادت هذه العلاقات إلى التحسن نسبياً في خضم مصالحة خليجية بين قطروالدول الأخرى الأعضاء في المجلس، ولكن سرعان ما غابت هذه المصالحة مع غياب "عرّابها" الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز، وبالتالي عادت العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها المتأزمة.
الحديث اليوم عن مشروع تقارب مصري– قطري، تدعمه وتديره السعودية بات يطرح بزخم أكبر في وسائل الإعلام العربية والدولية، والسبب في ذلك يعود لنشر صحيفة الشرق الأوسط للإعتذار الذي تقدّم به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من الأمير القطري بسبب تطاول بعض أذرع الإعلام المصري على الشيخة موزة والدة أمير قطر الحالي تميم بن حمد، في المقابل يعزّز تأكيد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال زيارة إلي واشنطن رغبته في استقرار مصر، هذه التكهنات.
كلما تزايدت التوقعات المصحوبة ببعض"الغزليات" بالمصالحة بين مصر وقطر، والحديث عن وجود تسوية محتملة مع جماعة "الإخوان المسلمين"، ظهرت توقعات ووقائع أخرى تناقضها بالكامل، وهي توقعات لا ترى وجود أي احتمال للتسوية والتقارب إلا بتوقف قطر عن دعم الإخوان المسلمين، وهو ما ترفضه الأخيرة حالياً بسبب موقعها الجيوسياسي في مقاربة ملفات المنطقة، فما حقيقة التقارب المصري- القطري، وهل ستنجح السعودية في تدوير زوايا العلاقات بين البلدين؟
شهد الأسبوع الأخير بين الجانبين سخونة غير مسبوقة، فقداستدعت قطر الأسبوع الماضي سفيرها في مصر “للتشاور” إثر خلاف نشب بين البلدين خلال اجتماع للجامعة العربية بسبب الضربة الجوية المصرية التي استهدفت تنظيم “داعش” الإرهابي في ليبيا بعد ذبحه 21 قبطيا مصريا. التوتر الدبلوماسي جاء على خلفية تصريح أدلى به مندوب مصر لدى الجامعة العربية واتهم فيها الدوحة بـ“دعم الإرهاب” وذلك ردا لتحفظ قطر على بند في بيان أصدرته الجامعة يؤكد “حق مصر في الدفاع الشرعي عن نفسها وتوجيه ضربات للمنظمات الإرهابية ”.
المواجهة المصرية القطرية لم تغب عن إجتماع دول مجلس التعاون، الذي وقف في بادئ الأمر إلى جانب قطر، لكنه ما لبث ان غير موقفه بسبب التحرك السعودي-الإماراتي مؤكدا تأييده التحرك العسكري المصري ضد التنظيم الإرهابي في ليبيا .
يريد السيسي حالياً تثبيت كرسي الحكم في الداخل المصري جيداً، كمقدمة لتثبيت زعامته على مساحة الوطن العربي، لذلك يسعى الرئيس المصري جاهداً لتجنيب مصر أي خلاف شرط أن لا يمس هذا الأمر بكرسي الحكم ، فيشترط السيسي عدم التدخل في الشؤون الداخلية وأبرزها دعم الإخوان المسلمين، و"عدم اتخاذ طرق مناوئة للواقع ولا تتماشى مع إرادة الشعب المصري كأسس يمكن من خلالها بدء أي تقارب مع أي طرف خارجي(تركيا وقطر).
الصراع التركي المصري عندما يتم الحديث عن قطر، فيجب ان لايغيب عن اذهاننا دور تركيا حليف قطر الأبرز إقليمياً، فهل هناك أساساً توافق مصري-تركي, حتى يتم تعميم تجربة هذا التوافق على الحالة القطرية –المصرية، ومن هنا ننطلق للتساؤل عن المبادرة التي أطلقها الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز، لتعزيز نقاط التقارب بين مصر وقطر، ألا تشير الوقائع إلى أن المصالحة رحلت برحيل صاحبها؟ ألم تسحب"المصالحة" من التداول الإعلامي بعد سحبها سابقاً من المعترك السياسي في الفترة السابقة؟
شهدت العلاقات المصرية التركية توترا شديداً بلغ أشدّه بعد الكلمة التي ألقاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 69 وهاجم فيها الحكومة المصرية والرئيس عبد الفتاح السيسي، واستمر أردوغان في تصريحاته المضادة لحكم السيسي في كل محفل دولي بسبب فرض الأخير قبضة حديدية على جماعة "الإخوان المسلمين"، ما أثار حفيظة السلطات المصرية التي كانت في كل مرة تستنكر الأمر وتدعو الجانب التركي إلى عدم التدخل في شؤونها الداخلية .
خلافاً لما إعتقد البعض وروجت له بعض وسائل الإعلام، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في حديث مع تلفزيون العربية قبيل بدء الزيارة الرسمية الأولى له للسعودية في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، أكد إن تزامن تواجده في السعودية مع زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أرودغان، محض "صدفة"، وردا على سؤال حول وجود ممانعة مصرية لوجود أي وساطة للتقريب مع تركيا، أجاب السيسي، "من يرى مصر خلال الـ 18 شهرا الماضية، مصر كان لها خط ثابت لعدم التصعيد مع أحد، السؤال عندما يوجه لي أقول: اسألوا الآخرين ".
بناءً على تصريحات السيسي وماسبقها، يعتبر الحديث اليوم عن مشروع تقارب مصري – تركي، هو حديث أقرب إلى الهزلية منه الى الواقعية, فتشعب الخلافات بين النظامين المصري والتركي يشير إلى حقيقة واحدة ومفادها “أنه من المستحيل بهذه المرحلة تحديدآ حصول تقارب بين النظامين المصري والتركي “،لأسباب عدّة أبرزها:
أولاً:يمتلك كلا النظامين مشروع يتعارض مع نظيره, وكلاهما قوة أقليمية، وكل طرف فيهما له ثأر طويل مع الآخر.
ثانياً:هناك أكثر من ساحة أشتباك مصري –تركي, ليس أولها بليبيا ولا اخرها بقطاع غزة ,كما أنه لايمكن أنكار بأي حال من الاحوال حقيقة ان تركيا مازالت تدعم وبقوة جماعة الإخوان المسلمين التي يعتبرها السيسي إرهابيةً، في الجهة المقابلة ما زال ينظر المصري الرسمي الى النظام التركي بأنه نظام عدو لمصر بل تم وضعه بخانة ألد الاعداء للنظام المصري.
اذاً التوتر المصري التركي يلقي بظلاله على الحليف القطري، كما أن العديد من الوقائع تشير إلى وجود تقارب سعودي-تركي، وسعودي-قطري قد يلقي بظلاله على العلاقات بين مصر والسعودية.
السعودية ورأب الصدع
لا يمكن تجاهل الخلاف المصري السعودي على أرض الواقع رغم التقارب الإعلامي حالياً بين البلدين الذي سنعرج إليه لاحقاً، ففي اليمن، تغلق السعودية سفارتها في صنعاء في محاولة منها لفرض عزلة دولية على أنصار الله، فيما يلتقي سفير مصر الجديد وفدا من أنصار الله ويؤكد أنه آن الأوان لإقامة شراكة استراتيجية بين مصر واليمن .
سورياً، يختلف الموقف المصري عن نظيره السعودي في مقاربة الملف السوري حالياً، ففي حين تؤكد الرياض ضرورة رحيل الأسد كشرط مسبق لأي حل في دمشق، تبدي القاهرة استعدادها لرعاية حوار “غير مشروط” بين الحكومة والمعارضة .
يعتبر تقارب العلاقات المصرية الروسية، مقابل التوتر السعودي الروسي مع اتهام موسكو للرياض بالضلوع في مؤامرة ضدها تتعمد تدمير أسواق النفط سبباً آخر لإبتعاد الرياض عن القاهرة ولو إقتضى الأمر تشكيل تحالف سعودي-قطري-تركي.
التغير الملحوظ في سياسة السعودية بعد إستلام سلمان وخاصةً تجاه الإخوان الأمر الذي يعتبره السيسي "خطاً أحمر" من أهم نقاط الخلاف التي قد تحصل بين الجانبين، خاصةً أن الإمارات الحليف العربي الأبرز لمصر والعدو الأبرز لجماعة الإخوان المسلمين، تشهد علاقاتها مع المملكة فتوراً بعد إستلام سلمان ملكاً ومحمد بن نايف ولياً لولي العهد.
اذاً التباعد في مقاربة الملفات الإقليمية بين مصر والسعودية، في ظل ظهور بوادر تقارب سعودي قطري، تؤكد أن السعودية لن تنجح في رأب الصدع بين مصر وقطر، إلا اذا غيّرت مصر من موقفها إزاء الملفات الإقليمية، وتوقفت قطر عن دعم الإخوان ولو في الداخل المصري فقط، وهذا أمر مستبعد، ويبدو أيضاً أن ربيع العلاقة الدافئة بين مصر والسعودية الممتد منذ 30 يونيو حتى الآن، في طريقه للتحول إلى خريف، نتيجة التغييرات الإقليمية، ولكن ماهي إذاً أسباب التقارب المصري – قطري؟
لا يمكن فصل التقارب الإعلامي لمصر مع قطر وذلك عبر نشر الجزء الخاص بالاعتذار في التوقيت الحالي، عن رغبة السيسي في مشاركة أمير قطر بمؤتمر مصر الاقتصادي، بعد أيام من الكشف عن توجيهه دعوة للامير تميم لحضور المؤتمر، كما أن الزيارة المصرية للسعودية مؤخراً تندرج في هذا السياق، إضافة إلى سعي الرئيس المصري في الحصول على دعم الرياض لتشكيل قوة عربية مشتركة.
في الخلاصة، لا يبدو أن احتمالات التقارب بين مصر وقطر وتركيا قد زادت بأي درجة، وما التقارب "الإعلامي" إلا مرحلة ظرفية يريد السيسي الإستفادة منها لإنجاح مؤتمره الإقتصادي، لأن ما يلوح في الأفق هو تقارب سعودي-تركي-قطري، مقابل تباعد مصري سعودي بسبب الاختلاف في وجهات النظر حول أكثر من ملف شائك في المنطقة على الرغم من التقارب الظاهر بين البلدين.