الوقت- خرجت أمس سوريا الأسد برسالةٍ جديدة الى من يهمه الأمر. فالدولة السورية باتت أقوى مما كانت عليه قبل الحرب الدولية على سوريا. واليوم، لم تعد دمشق قادرة على السكوت على أي تمادٍ إسرائيلي. بل إن المحرمات التي كانت تُديرها قواعد اللعبة السياسية والعسكرية في المنطقة سقطت. وها هو الجيش السوري يُبرز ورقة عسكرية جديدة من الجولان، أسقطت بحسب مصادره طائرتين. فماذا في العملية العسكرية السورية والنفي الإسرائيلي لإسقاط الطائرتين؟ وكيف كانت ردة فعل تل أبيب خصوصاً لجهة فشلها في إدارة القلق؟ وما هي دلالات العملية؟
الجيش السوري يتصدى وتل أبيب تنفي السقوط
أطلق الجيش السوري صاروخين من نوع "أرض جو" ضد طائرتين إسرائيليتين فوق منطقة القنيطرة. وبحسب الجيش السوري فقد تم إسقاط إسقاط طائرة حربية وطائرة أخرى من دون طيار. الأمر الذي نفاه الجيش الإسرائيلي مؤكداً أن الطائرات كانت بعيدة عن مصدر الخطر من الصواريخ.
كيف كانت ردة الفعل الإسرائيلية الأولية
بحسب القناة العاشرة الإسرائيلية، فإن العملية تُعتبر بالمفهوم العسكري والسياسي، رسالة من الرئيس السوري بشار الأسد الى القيادة الإسرائيلية، مضمونها أن معادلات الميدان قد تغيَّرت اليوم، وعلى تل أبيب أن تعرف ذلك. وهو الأمر الذي أعادته التعليقات الإسرائيلية الى محاولة النظام الإستفادة من الإتفاق الروسي الأميركي والذي أعطى الرئيس الأسد بحسب رأيها مزيداً من الثقة. فيما أكدت التحليلات أن النجاحات الميدانية التي يُحققها الجيش السوري ومحور المقاومة بالإضافة الى روسيا، ساهمت في رفع الثقة لدى النظام بشكلٍ كبير. ولم يغب عن الصهاينة التأكيد على أن هذه المسألة تُعتبر تطوُّر خطير ومُقلق وغير معتاد.
تل أبيب تفشل في إدارة القلق الإسرائيلي
عدة رسائل تناقلتنها وسائل الإعلام الإسرائيلية، يضعها المحللون في خانة الرد الإسرائيلي على الصدمة من العملية. هذه الرسائل، لديها العديد من الدلالات والتي جاء في مقدمتها الفشل الإسرائيلي في إدارة الأزمة العسكرية. وهو ما سنُشير له ضمناً في التالي:
أولاً: باتت تل أبيب في حالة من التوتر والإرتباك. وهو ما أظهره رد الفعل الإسرائيلي والذي فضحه الإعلام العبري. حيث أعلنت تل أبيب أن صاروخين أُطلقا باتجاه الطائرات الحربية الخاصة بها بعد مهمةٍ لها في سوريا، لكن الجيش الإسرائيلي لا يعرف الجهة التي أطلقت الصاروخين أو حتى نوع الصواريخ. في حين وضعت القيادة الإسرائيلية عدة احتمالات تبدأ بالجيش السوري وتمر بحزب الله وصولاً الى الطرف الروسي. وهو الأمر الذي يعني من الناحية العسكرية، إما أن تل أبيب تعلم من أطلق الصواريخ لكنها لا تريد أعطاء الجيش السوري فرصة النصر، أو أن أجهزة الرصد الإسرائيلية لم تستطتع فعلاً رصد الصواريخ وجهة إطلاقها لأسباب قد تكون تقنية أو متماشية مع واقع التمادي الإسرائيلي في الإعتداء دون حسيب.
ثانياً: كشفت تل أبيب بشكلٍ مُباشر، عن مناورة وصفتها بـ "الأركانية الواسعة"، وهي تعني مناورة جيش بكافة أركانه. وتحاكي المناورة مواجهة مع الجيش السوري وحلفائه أي على الجبهتين السورية واللبنانية. وتتضمَّن استدعاء 200 ألف جندي من الإحتياط. وهو الأمر الذي يُعتبر من الناحية العسكرية دليلاً على القلق الإسرائيلي، ونجاحاً للجيش السوري في رسالته التي أراد إيصالها. ولتعزيز تل أبيب من إظهار قدرتها على الردع، سارعت لإعلانها عن مناورة مماثلة ستجري أيضاً ولكن موجَّهة ضد حزب الله وتخص الجبهة الشمالية مع لبنان. الأمر الذي يمكن تفسيره على أنه محاولة من قبل القيادة الإسرائيلية لطمأنة الداخل الإسرائيلي خصوصاً مستوطني الشمال.
ثالثاً: حاولت تل أبيب وعبر قنواتها التلفزيونية نشر رسالة الى المسلحين تتضمَّن التأكيد على أن القيادة الإسرائيلية تسعى قريباً لتعزيز علاج جرحى المسلحين الارهابیین في سوريا عبر نقلهم الى المستشفيات الإسرائيلية وتحديداً مستشفى زيف في صفد. وهو ما يعني أن الرسالة الإسرائيلية من خلال الغارة على مواقع للجيش السوري هدفت لتعزيز معنويات المسلحين، وهو الأمر الذي ردعته ردة الفعل السورية. لذا حاولت تل أبيب التخفيف مع آثاره.
العملية ودلالاتها بين الجيش السوري والإسرائيلي
لا شك أن العملية التي قام بها الجيش السوري أظهرت الأطراف بموقع مُختلف عن ما هو قبل. في حين أوضحت العملية عدداً من الحقائق لا سيما لدى الطرفين السوري والإسرائيلي. وهو ما سنُشير له بالتالي:
أولاً: يدل العدوان الإسرائيلي في الوقت الحالي، على مدى انزعاج تل أبيب من تطورات الملف السوري، وتراجع قدرة المسلحين الارهابیین في إستنزاف النظام وفرض معادلاتٍ ميدانية فعَّالة. وهو الأمر الذي حاولت تل أبيب التعبير عنه من خلال ترويجها لحقائق مُفبركة تَعتبر أن التنظيمات الإرهابية في سوريا ولو أنها في مرحلة صعبة لكنها لن تُهزم. فيما بدأ القلق الإسرائيلي يزداد مع تقدم الجيش السوري في الميدان وخصوصاً بعد مُنعطف الإنتصار في حلب. مما يعني بالنتيجة أن الخطوة الإسرائيلية والتي فاجأها الرد السوري، باءت بالفشل بل ستنعكس سلباً على المسلحين والجماعات الإرهابية، بعد شعورهم بأن النظام بات مستعداً لتوجيه الرسائل العسكرية حتى الى الطرف الإسرائيلي الذي كان يجده المسلحون ظهراً لهم.
ثانياً: ظهر النظام السوري بموقع القوة، والقادر على التحكم بقواعد اللعبة في الميدان السوري وعلى كافة الصعد. وهو الأمر الذي برز بشكلٍ كبير في الآونة الأخيرة ضد المجموعات المسلحة الارهابیة. في حين يبدو أن القيادة العسكرية السورية، قرَّرت إفهام الجميع، خصوصاً من يعنيهم الأمر في الإقليم والعالم، بأنها صاحبة القرار الفصل في الجغرافيا السورية على الصعيدين السياسي والعسكري.
ثالثاً: أنهى الجيش السوري بفعلته مسار المحاولات الإقليمية والدولية الهادفة لكسر الهيبة السورية. وبالتالي أعاد الإعتبار للدولة السورية ليس فقط على الصعيد السياسي بل العسكري. ومن خلال رسالةٍ ليس الى الجماعات المُسلحة الارهابیة بل الى من يقف خلفها في تل أبيب. حيث جرت ومنذ بداية الحرب في سوريا، محاولاتٌ جديِّة لإقصاء النظام عبر ضرب هيبته وجعله رهن خيارات الأطراف الإقليمية والدولية. وهو ما حاول البعض ترسيخه عبر جعل الساحة السورية مكاناً للنزال الإقليمي والدولي وتصفية الحسابات. اليوم، أعاد الجيش السوري إعتبار السيادة.
رابعاً: جاءت العملية في وقتٍ يتم الحديث فيه عن هدنةٍ توصَّل اليها الطرفين الروسي والأمريكي. وهو الأمر الذي انشغلت وسائل الإعلام به أمس، خصوصاً فيما يتعلق بالتقارير الروسية الموثِّقة للخروقات التي تقوم بها الجماعات المسلحة الارهابیة. والدعاوى الروسية لدمشق من أجل عدم الإنجرار وراء أفعال المسلحين. في ظل هذا المشهد، خرج العدو الإسرائيلي محاولاً رفع معنويات المسلحين الارهابیین، ومؤكداً للعالم أنه يقف خلفهم. فجاء الرد السوري واضحاً، وفي توقيتٍ ذكيٍ جداً.
يمكن القول بأنه لا بد من انتظار الأيام أو الساعات المُقبلة لمعرفة توجه الطرف الإسرائيلي بعد أن أصبحت الكرة في ملعبه. في وقتٍ أخرجت فيه سوريا الأسد ورقة جديدة على الصعيد العسكري، عنوانها أن زمن التمادي الإسرائيلي إنتهى.