الوقت- في سابقة هي الأولى من نوعها، سمحت المخابرات العسكرية الاسرائيلية بإجراء لقاء مع أخطر أسير اسرائيلي وقع بأيدي الجيش السوري وهو الضابط الرفيع عاموس لفينبيرغ، الذي كان يخدم في الوحدة 8200، وهي أهّم وحدة تنصّت في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وخلال مقابلة مع القناة الثانية الاسرائيلي افشى عاموس لفينبيرغ خلال التحقيق معه، الذي أثار عاصفةً في الكيان الاسرائيلي، بجميع الأسرار العسكريّة الأكثر قدسيّةً في جيش الاحتلال، بعد أنْ تمكّن المُحققون السوريون، كما قال للقناة الثانية، من إقناعه بأنّ "إسرائيل" أُزيلت عن الخارطة، وأنّه بدأ يشعر بأنّ ما يبوح به من أسرار مهمّة لن تؤثّر بعد على مجريات الأمور.
في بداية التقرير التلفزيونيّ، الذي نقتلة صحيفة "راي اليوم"، أكّد العديد من الضباط الذي خدموا مع لفينبيرغ، بأنّه كان خارق الذكاء، وكان كافيًا أنْ تًعطيه رقم لوحة السيارة، ليقول لك مباشرةً مَنْ هو صاحبها. ضابطُ أخر أكّد للتلفزيون الإسرائيليّ أنّ نظراء لفينبيرغ في الوحدة السريّة، حاولوا قدر الإمكان إخفاء الأمور عنه، لمعرفتهم بذكائه الخارق، ولكنّه كان دائمًا يعرف ويعلم المزيد والمزيد، على حدّ تعبيره.
قائده السابق، الذي علم بأنّه اختفى في الحرب، قال لمُراسل التلفزيون تمنّى أنْ يكون قد قُتل في المعركة، لأنّ وقوعه في الأسر، معناه أنّ أسرار "إسرائيل" الأكثر حساسيّة ستتعرّض للخطر، لافتًا إلى أنّ السوريين، وبعد أنْ اكتشفوا أنّ بأيديهم “الصيد الثمين” قاموا على الفور باستدعاء محققين من الاتحاد السوفييتي سابقًا إلى دمشق، للحصول على معلومات سريّةٍ جدًا عن الكيان الاسرائيلي، حسب الادعاء الاسرائيلي.
أربعة أشهر بالتمام والكمال كان لفينبيرغ، “ضيفًا” على المخابرات السوريّة والروسيّة، وأفشى بكلّ الأسرار التي يمتلكها.. من يتنصت على من؟ من أين "إسرائيل" تقوم بالتنصت؟ مواقع حساسّة للجيش الإسرائيليّ؟ مواقع مهمّة جدًا للأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة؟ الجنرالات في الجيش؟ وأسرار أخرى، لم يتّم الكشف عنها في اللقاء، على ما يبدو بسبب مقّص الرقيب العسكريّ.
علاوة على ذلك، شدّدّ التلفزيون في سياق المُقابلة، على أنّ المُحققين من دمشق وموسكو، منحوا الضابط الإسرائيليّ، أوراقًا وأقلامًا وطلبوا منه كتابة جميع المعلومات التي يعرفها، وهو قام بفعل ذلك، وكتب مئات الأوراق، التي كشفت أهّم أسرار "إسرائيل" التي لم يعرفها إلّا قلّة قليلة من جنرالات الجيش وعدد من القادة السياسيين.
الأضرار التي ألحقها الضابط لفينبيرغ للكيان الاسرائيلي لم تحدث لا قبله ولا بعده، قال ضابط رفيع المُستوى كان يخدم مع “بائع الأسرار”، وتابع قائلاً: رجلُ من هذا القبيل، والذي سبب أضرارًا لا تُعّد ولا تُحصى للأمن القوميّ الإسرائيليّ، يجب أنْ يوضع في غرفةٍ لوحده، ومن ثمّ تزويده بمسدسٍ محشوٍ بالرصاص، لكي يُنهي المهمة، أيْ ينتحر، على حدّ تعبير الضابط، الذي شدّدّ على أنّ الاستخبارات العسكريّة، وعلى الرغم من مرور 43 عامًا على القضيّة، يجب ألّا تُسامح لفينبيرغ على فعلته السوداء. لفينبيرغ قال في معرض ردّه على سؤالٍ إنّه كان أبنًا وحيدًا لأمّه، وعاش بدون والدٍ، والمُجرم الحقيقيّ، على حدّ تعبيره، ليس هو ولا الأفعال التي قام بها، بل المُجرم الحقيقيّ، شدّدّ، هو الضابط أوْ الضباط الذين قرروا إرساله إلى جبل الشيخ حيث وقع هناك في أسر الجيش العربيّ السوريّ، على حدّ تعبيره.
وكشف لفينبيرغ النقاب خلال اللقاء مع التلفزيون، كشف النقاب عن أنّه فكّر عدّة مرّات بالإقدام على الانتحار، كما أنّه حاول الانتحار، ولكنّه رفض الإدلاء بمعلومات أخرى عن محاولات الانتحار دون أنْ يُفصح عن السبب. وتبينّ أنّ الأسرار التي باح بها الضابط الإسرائيليّ للجيش السوريّ تمّ استغلالها على الفور من قبل سلاح الجوّ السوريّ خلال حرب أكتوبر 1973. أحد الجنرالات المُتقاعدين في جيش الاحتلال قال للتلفزيون الإسرائيليّ خلال بثّ المُقابلة إنّه فجأةً اختفى الجنرالات السوريين عن خطوط التنصت، كما أنّ الضباط من الدرجة الأولى والثانية اختفوا أيضًا هم، الأمر الذي سبب لنا أضرارًا فادحةً في مواجهة الطيران السوريّ خلال الحرب، إذْ أنّه أبلى بلاءً ممتازًا، وقام بمفاجئتنا مرّة تلو الأخرى، وفقط بعد صفقة التبادل وعودة الضابط لفينبيرغ، عرفنا السبب، على حدّ تعبيره.
جنرال آخر في التقاعد وصف القضية بأنّها أخطر قضية تجسس وقعت "إسرائيل" فيها “ضحية” منذ إقامتها في العام 1948، لأنّ كمية المعلومات وجودتها التي قام الضابط الأسير بتزويدها للسوريين لا يُمكن حتى اليوم تقدير الأضرار التي نجمت، وربمّا ما زالت، على الأمن القوميّ للكيان، على حدّ تعبيره.
بعد أنْ وضعت الحرب أوزارها في العام 1973 تمّت صفقة تبادل الأسرى بين سوريّة والكيان إلاسرائيلي من جهة، وبين مصر والكيان إلاسرائيلي من الجهة الأخرى. في تل أبيب كانوا ينتظرون يعرفوا فيما إذا كان لفينبيرغ قد مات أمْ أنّه ما زال على قيد الحياة، وعندما رأوه ينزل من الطائرة، شدّدّ المُراسل، الذي أعّد التقرير، علموا أنّ الاستخبارات الإسرائيليّة في ورطةٍ. بعد عدّة أيّام، قال الضابط الذي كان مسؤولاً عن التحقيق مع لفينبيرغ، تمّ نقله إلى بيتٍ سريٍّ في تل أبيب، وهناك على مدار أربعة أشهر تمّ التحقيق معه. قال المُحقق وهو برتبة ميجر-جنرال: علمتُ فورًا أنّه أفشى بكلّ ما يعرف من أسرار مهمة للسوريين.
وتابع قائلاً: رئيسة الوزراء آنذاك غولدا مائير، طلبت أنْ تجتمع إليه، وفعلاً قدمت إلى البيت السريّ وتحدثت إليه، قال الميجر-جنرال الإسرائيليّ، الذي شدّدّ في نهاية المقابلة على أنّ لفينبيرغ كان يجب أنْ ينتحر ليمسح العار عنه وعن الاستخبارات العسكريّة وعن "اسرائيل"، على حدّ تعبيره.
جديرٌ بالذكر، أنّ التقرير الذي كما ذكرنا أثار عاصفة في صفوف الاستخبارات العسكريّة، تعمّد عدم نشر أيّة تفاصيل شخصيّة عن أسير الحرب الذي “باع″ أسرار "إسرائيل" لسوريّة، بما في ذلك سنّه، هل هو متزوج؟ هل لديه أولاد أوْ أين يسكن؟ وهل ما زال نادمًا؟
ليفنبيرغ خرج إلى الضوء لعشرين دقيقة، ربمّا أكثر ربمّا أقّل، بعد 43 عامًا بعيدًا جدًا عن النور، وعاد إلى العتمة الحالكة التي عاش ويعيش وسيستمر بالعيش فيها. والسؤال الذي بقي مفتوحًا وبدون إجابةٍ: هل المعلومات التي باح بها لفينبيرغ غيّرت مجرى حرب 1973؟.