الوقت- يزداد المشهد اليمني ضبابيّةً بعد فشل المفاوضات في الكويت وعدم التوصّل إلى حل سياسي ينهي العدوان القائم من أكثر من 505 يوما. التصعيد يقابله تصعيد، عبارة تلخّص واقع الحقبة القائمة بعدما كثّفت الطائرات التالبعة للتحالف غاراتها على مختلف المحافظات اليمنية، إلا أن الردّ اليمني لم يقتصر على الميدان، بل للسياسة حصّتها الإستراتيجية في المعادلات الجديدة.
بعد فشل المفاوضات، وتشكيل المجلس السياسي من قبل "أنصار الله" و"المؤتمر الشعبي العام"، رفّع العدوان السعودي من وتيرة إستهدافه لمختلف المحافظات اليمنية، لتردّ عليه قوات الجيش واللجان الشعبية في الميدان، ولكن هذه المرّة في جبهة ما وراء الحدود بعد أن بات الوضع في محيط صنعاء تحت السيطرّة شبه التامّة، الأمر الذي غيّب المعركة التي طبّل لها الإعلام السعودي وزمّر كثيرا.
معركة صنعاء أم نجران الكبرى؟
ويبدو أن رفع السقف السعودي لم يجد نفعاً، كحال الأشهر السبعة عشر الماضية، فقد وصلت قوات الجيش واللجان الشعبية إلى مدينة نجران التي أغرقتها الصواريخ اليمنية في الظلام بعد إستهداف محطّة الكهرباء التي تغذّي المدينة.
المواقع العسكرية السعودية المطلة على مدينة نجران سقطت بالأمس الواحدة تلو الاخرى، لتسقط معها مشاريع موازية كان هدفها قلب العاصمة صنعاء بغية إيجاد واقع ميداني جديد يفرض على الجيش اليمني واللجان الشعبية الرضوخ للشروط السعودية التي حاولت الرياض فرضها عبر وفدها على طاولة قصر البيان الأميري التي سقطت بالتقادم.
تهاوي الخطوط الدفاعيّة السعودية، زاد من رجحان كفّة الجانب اليمني الذي وضع السعودية في عنق الزجاجه، وأدخلها في نفق الصراع مع القبائل التي تعيش في منطقة جازان، جنوب غرب المملكة. الداخلية السعودية التي أصدرت قراراً سابقاً بتنفيذ عملية إخلاء لمناطق واسعة وجه بالرفض من قبائل آل زيدان وقبائل آل مالك التي تقطن أقصى شرق جبال جيزان، باتت اليوم أمام خيار مماثل لمدينة نجران التي يقطنها أكثر من 320 ألف نسمة.
البرلمان وما بعده
لم تقتصر عملية الردّ بالمثل على الشقّ العسكري، بل رفع الجانب اليمني السقف السياسي أمام طائرات العدوان حيث إنعقدت جلسة برلمانية اليوم السبت، برئاسة رئيس المجلس الشيخ يحيى علي الراعي، وبمشاركة نواباً من مختلف الكتل البرلمانية. مجلس النواب اليمني وبعد اكتمال نصاب الجلسة (حضر 144 من أصل 274 بإعتبار أن هناك 27 نائباً متوفّيا)، أي ألاكثرية المطلقة، صوّت لصالح اتفاق تشكيل المجلس السياسي الأعلى، ليسقط كافّة المراهنات على عدم انعقاد الجلسة. إكتفى مجلس الشعب اليمني بالمصادقة على قرار تشكيل المجلس السياسي الأعلى، ولم يبت بمنصب الرئاسة رغم إقتراح أحد أعضاء البرلمان إعلان شغور منصب رئيس الجمهورية، وبعث رسالة للبرلمانات العربية والدولية لإدانة العدوان على اليمن والدعوة إلى رفع الحصار.
التصعيد التدريجي أبقى في جعبة اليمنيين الكثير من الأوراق التي يمكن إستخدامها في المرحلة اللاحقة، والتي يمكن أن تنقل ساحة المواجهة السياسيّة، كما الميدانية، إلى ما وراء الحدود سواء الأمم المتحدة أو الجامعة العربية.
التصعيد اليمني ردّاً على التصعيد السعودي، أثار حفيظة الرئيس المستقيل والمتواجد في السعودية عبد ربه منصور هادي الذي وجّه رسالة إلى رئيس وهيئة مجلس النواب، إعتبر فيها أن اجتماع البرلمان يعد "انتهاكا للدستور وجريمة توجب العقاب"، مشيرا إلى أن "من يشارك فيها يعرض نفسه للمسؤولية".
هادي الذي أيّد العدوان على شعبه، والذي راح ضحيّته عشرات الألاف من الشهداء والجرحى، زعم أن النصوص الواردة في المبادرة الخليجية الغت أو عطلت كليا نصوص الدستور اليمني النافذ ذات الصلة بآليات الحكم وانتخاب واقالة رئيس الجمهورية وذلك خشية إقالته في الجلسة البرلمانية.
في الخلاصة، يبدو أن المشهد اليمني يسير نحو الحلحلة شيئاً فشيئ، خاصّة أن جعبة القوى الوطنية باتت ممتلئة عسكرياً وسياسياً. عسكرياً، مدينة نجران تحت مرمى نيران قوات الجيش واللجان الشعبية، وربّما نكون أمام مشهد مماثل في عسير وجازان، لاسيّما أن القبائل الحدودية تربطها علاقات متوتّرة مع الجانب السعودي الذي يسعى لتجويعها اليوم بغية ترك تلك المناطق. سياسيّاً، بإمكان مجلس النواب إعلان فراغ منصب رئاسة الجمهورية وسلب "الشرعية" الممنوحة لهادي من قبل السعودية، فضلاً عن إلغاء المبادرة الخليجية.
قد لا تقتصر الأمور على ذلك، فورقة الحكومة الوطنية التي تكلّف من قبل المجلس السياسي وتحصل على ثقة البرلمان، مرحلة جديدة في التصعيد اليمني ضمن استراتيجية "الصبر الإستراتيجي".