الوقت- ما أشبه اليوم بالأمس حركة بوكو حرام تسير على خطى شقيقها "داعش" الإرهابي في إعلان الخلافة الإسلامية، ما أشبه اليوم بالأمس أمريكا تريد العودة الى المنطقة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، ولكن المفارقة هذه المرة جاءت في التكتيك وليس الإستراتيجية ، فبعد فشل الجيل الأول من المحافظين الجدد في تبرير تواجده العسكري في المنطقة لـ"الحرب على الإرهاب" كما حصل في أفغانستان والعراق، يسعى الجيل الثاني من ساسة أمريكا لتحقيق الغاية نفسها. الإستراتيجية الجديدة تقوم على جعل دول العالم تتسول طوعاً وبنفسها الغزو الأمريكي"لمكافحة الإرهاب"، باختصار تاريخ المنطقة "الأمريكي" يعيد نفسه بلون جديد ولباس جديد.
"داعش"،"بوكو حرام" تعدّدت الأسماء والوحشية واحدة، إن اختلفت الجغرافيا يجمعهم "التعطش إلى الدماء"، بعد أن ظهرت الأولى في سوريا والعراق وعاثت في الأرض فسادا، روجت لها أمريكا كـ"قوة عظمى" تتطلب مواجهتها تحالف دولي والهدف بطبيعة الحال أن نطلب ضربات جوية أمريكية، وإرسال خبراء أمريكيين وأوروبيين، وإقامة قواعد عسكرية ما يعني عودة "المنقذ" الأمريكي إلى المنطقة، أما الأخيرة فهي تنظيم إرهابي ولد في نيجيريا من نفس الرحم الامريكي، وقد أعلن على لسان زعيمه أبو بكر شيكاو، في الـ 24 من أغسطس الماضي إقامة “الخلافة الإسلامية” في ولاية بورنو، شمال شرقي البلاد. بوكو حرام أيضاً يروج لها في الإعلام الغربي كقوة عظيمة لم يخلق مثلها في البلاد وتعطي أمريكا فرصة أو دور البطل لإنقاذ نيجيريا من هذه الجماعات الإرهابية.
وجه التشابه
التشابه الكبير في الأفكار والأساليب الوحشية ووحدة الغاية والبحث الحثيث عن حلم “الخلافة”، سيّد الموقف بين داعش- بوكوحرام ، ففي الوقت الذي أعدم فيه تنظيم “داعش” الإرهابي المئات من الأقلية الإيزيدية في الموصل وخطف آخرين، لم تتورع “بوكو حرام” عن إحراق قرى مسيحية بأكملها، واختطاف أكثر من 200 فتاة ومعاملتهن كسبايا.
الذبح أيضاً قاسم مشترك آخربين الحركتين، وفي الوقت الذي قامت فيه عناصر “داعش” بذبح العشرات في سوريا والعراق، قام مسلحو بوكو حرام في 5 يونيو من العام الماضي بذبح 200 مدني على الأقل من سكان منطقة غوزا بولاية بورنو شمال شرقي البلاد، عندها قال زعيم “بوكو حرام”: “الله أمرنا أن نقتل المخالفين لنا بلا شفقة”.
ايدولوجياً، في حين تعد ”داعش”امتداداً لأيديولوجية تنظيم القاعدة، ترتبط جماعة “بوكو حرام” من الناحية الفكرية والأيديولوجية بجماعة “طالبان نيجيريا”، التي تأسست مطلع الألفية الثانية، على نهج طالبان في أفغانستان.
إن الفكرة الرئيسية الّتي تؤمن بها جماعة “بوكو حرام” شأنها في ذلك شأن تنظيم "داعش" الإرهابي، هي أن دولة الخلافة الإسلامية لابد أن تسود الكرة الأرضية، ويلزم تحقيق هذا الغرض قتل المسلمين المخالفين وغير المسلمين إذا ما باء إجبارهم على اعتناق الإسلام بالفشل.
تساؤلات..
أوجه التشابه بين الحركتين تطرح في أذهاننا العديد من التساؤلات، ألا ينطبق ظهور هذا النوع من الحركات الإسلامية المتطرفة مع مقولة رئيــس وكالــة المخابرات الأمريكية CIA السابـق "جيمــس وولسي" يعلــن فــي 2006 : "سنصنع لهــم إسلاماً يناسبنا، ثــم نجعلهــم يقومــون بالثــورات، ثــم يتــم انقسامهــم علــى بعــض لنعــرات تعصبيــة، ومــن بعدهــا قادمــون(أمريكا) للزحــف وســوف ننتصــر". ألا يتماشى ظهور هذا النوع من التيارات التكفيرية مع سياسة "الإسلام فوبيا" التي يروج لها الغرب بعد التقارير التي حذرت من الانتشار الكبير للإسلام هناك؟
لماذا يريدنا الإعلام الغربي أن نصدق بأن أمريكا هي البلد الوحيد القادرعلى هزيمة "داعش"، ولا يريدنا أن نسأل، كيف ظهرت داعش، وأصبحت "قوة عظمى" بين ليلة وضحاها في منطقة من العالم تراقبها الأقمار الاصطناعية الأمريكية والأوروبية، والإسرائيلية ليل نهار. لماذا انحرف تنظيم "داعش" الإرهابي من إسقاط النظام في سوريا إلى استهداف العالم كله؟ كيف إستطاعت الطائرات الأمريكية عام 1967 مسح غابات بوليفيا في أمريكا اللاتينية، وحددت مكان الثائر الكوبي تشي جيفارا ومجموعة من ستة أو سبعة مقاتلين معه في تلك الغابات الكثيفة، لا تستطيع هذه الطائرات بعد نصف قرن من التطور التكنولوجي في مجال الطيران والتجسس تحديد مكان 300 فتاة خطفتهن عصابات بوكو حرام في نيجيريا؟ ألا تقوم حركة بوكو حرام بمهمة الابن المطيع الذي يعطي أمريكا، الفرصة للدخول إلى نيجيريا بناء على طلب من حكومتها لإقامة قواعد للطائرات الأمريكية بدون طيارين، وإرسال الخبراء، والاختصاصيين العسكريين، لإزالة النفوذ الصيني وضرب المصالح الصينية هناك؟ ألا تقوم داعش بنفس الدور في خلق مبررات لاستدعاء غزو أمريكي إلى شمال العراق؟
لماذا لا تجفف أمريكا، التي قامت منذ 11 أيلول عام 2001 بما أسمته "تجفيف منابع تمويل الإرهاب"، أي حرمان منظمة القاعدة من أية فرصة للحصول على تمويل، مصادر تمويل داعش سواء من بعض دول المنطقة أو من مبيعات النفط السوري والعراقي؟ و كيف تصدر داعش وبقية المنظمات الإرهابية النفط إلى العالم،وعبر أية بنوك ؟
لماذا يُسمح لداعش وبوكو حرام باستخدام امكانات التواصل الاجتماعي لبث صور الجرائم التي ترتكبها لبث الرعب في قلوب الناس في كل العالم، ولكن اذا ما إستخدمنا بعض العبارات تجاه الكيان الإسرائيلي على هذه المواقع، تصلنا رسائل تحذير من إدارة الشركة لحذف "المحظور".
ألا يعطي هذا الترويج وخاصةً بعد اعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة الغرب صفة" قائد الفتح المبين"، وليس أمام دول العالم من خلاص إلا في التحالف مع الغربيين، وفتح أرضها، ومياهها، وسمائها أمام الجيش الأمريكي؟!
في الخلاصة، بعض السياسة الأمريكية اليوم متخفي وراء قناع داعش وبوكو حرام، وما لم يستطع الغرب نيله في الحرب، يسعى لتأمينه عبر داعش وأخواتها، فلعودة الأصيل لا بدّ من حضور الوكيل. تبين للناس الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ونحن نتفق مع "النفاق" الأمريكي بأنه لا بد من محاربة داعش والقضاء عليها عبر دعم الجيشين السوري والعراقي والمقاومة الشعبية هناك، وليس بالتحالف مع أمريكا لأن أمريكا هي داعش وداعش هي أمريكا.