الوقت- خيّب القضاء المصري ظنّ النظام السعودي. بادلوا "تسهيلاته" المالية لهم، بإلغاء قرار اتفاقية ترسيم الحدود بين رئيس الوزراء المصري، "شريف إسماعيل"، ووليّ وليّ العهد السعودي، "محمد بن سلمان"، مطلع نيسان الماضي والتي منحت جزيرتي "تيران" و"صنافير" للأخير، هكذا قرأ العديد من المتابعين قرار مجلس الدولة المصري.
القرار الجديد لمحكمة القضاء الإداري، التي تختص بالفصل في المنازعات التي تكون الدولة طرفًا فيها، أفرز حالة من الفرح الشديد لدى الشعب المصري حيث نزل الألاف إلى الشوارع مردّدين عبارات من قبيل "النهاردة يوم عيد "، بخلاف العبارات التي توجّهوا بها إلى السيسي خلال الـ75 يوماً الماضي، الفترة الممتدة بين توقيع المعاهدة وإلغائها من القضاء، من قبيل "عواد باع ارضه يا ولاد"، أو "ما تبعش أرضك يا عوّاد".
الفرحة المصرية التي ستتعزّز مع إخلاء الرئيس عبد الفتاح السيسي سبيل "متظاهري تيران وصنافير"، والمتهمين في القضية المعروفة باسم "جمعة الأرض"، يقابلها سخط مقابل سخط سعودي مفترض، لم تظهر معالمه حتى كتابة هذه السطور، إلا أنه قد يتيح بربيع العلاقة بين البلدين.
الحكومة المصرية سارعت إلى الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا (أعلى جهة قضائية)، إلا أنها " لن تتقدم بالاتفاقية إلى مجلس النواب، لحين حسم الإدارية العليا القضية، وذلك احتراما لأحكام القضاء"، كما أوضح المستشار "مجدي العجاتي"، وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب، ما يفتح باب التساؤل على كافّة الإتفاقيات الموقّعة مع الجانب السعودي في أبريل/نيسان الماضي والتي بلغت نحو 25.5 مليار دولار؟ ماذا عن المنحة السعودية بقيمة 2.5 مليار دولار والتي أقرها مجلس الوزراء المصري قبل أقل من شهر ولم يستلم منها سوى 500 مليون دولار؟
إن إبطال القضاء لترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية إستناداً إلى الفقرة الأخيرة من المادة (151) التي حظرت التوقيع على معاهدات "تخالف الدستور أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة"، يعكس الموقف السياسي، إلى حد كبير، والشعبي على نحو مضطرد، ويحمل تفسيرات عدّة يمكن ايجازها في النقاط التالية:
أولاً: تترك النتيجة النهائية للمحكمة العليا، إلى أن أي محاولة لنقلها إلى مجلس النواب لن تجد نفعاً من الناحية القانونيّة، فـ" الدستور منح البرلمان حق الموافقة على المعاهدات في الحالات التي يجوز له فيها ذلك وفقاً للدستور، وبما لا يتعارض مع نظر الدعوة أمام محاكم مجلس الدولة، لذلك فإن رئيس مجلس النواب لا صفة له في الدعوى".
ثانياً: مصر ستحاول إضفاء البعد القانوني على الحادث دون التطرّق إلى أي أبعاد آخرى، ولعل الجانب القانوني سيطغى على المراسلات بين القاهرة والرياض. لا نستغرب أن يقوم السيسي بالدفاع، إعلامياً، عن الإتفاقية ورميه الكرة في ملعب القضاء بغية إمتصاص الغضب السعودي. هنا يتساءل البعض، هل يقف السيسي خلف القرار الأخير بإعتبار أن الهيكيلية الإدارية، الواقعية لا القانوينة، لمصر تمنح الرئيس هامشاً واسعاً جدّاً؟ وهل يريد السيسي إستعجال ما تبقّى من المنحة السعودية عبر هذه الخطوة أم أن قرار القضاء كان "زلة" غابت عن السيسي؟
ثالثاً: يجد بعض الخبراء في هذا القرار خطوةً لإظهار استقلال القضاء المصري بإعتبار أنه خالف الرئيس السيسي الذي وقّع على الإتفاقية، ويضيف: يأتي هذا القرار بعد أيام على صدور قرار من محكمة جنايات القاهرة، بالسجن المؤبد على الرئيس المصري الأسبق "محمد مرسي"، وبإعدام 6 آخرين شنقا، في قضية التخابر مع قطر. مصر التي ردّت، بقسوة قبل يومين، على تشكيك قطر بالحكم الصادر عن محكمة جنايات القاهرة في القضية المعروفة بقضية "التخابر مع قطر"، تكون قد برّأت نفسها عملياً عبر قرار إستعادة الجزيرتين.
رابعاً: لا شكّ في أن قرار المحكمة لم يكن ليصدر لولا السخط الشعبي الواسع الذي أكّد حساسيّة الشعب المصري المفرطة تجاه التنازل او بيع الارض. ما يؤكد دعوى وقوف السيسي، بشكل غير مباشر، خلف هذا القرار هو السخط الواسع من أصدقاء الأمس الذين دعموه في وجه الرئيس السابق محمد مرسي. وقد "أدرك الرئيس المصري خطورة الاستمرار في هذا الإتفاق بسبب الاحتجاجات الشعبية الضخمة ضده، وتوصّل إلى قناعة تامّة بضرورة التملّص منه، لأن الإستمرار بقرار تسليم الجزيرتين للسعودية سيقضي على مستقبله السياسي في البلاد"، وفق أحد المتابعين للشأن المصري.
أثبت القضاء المصري من جديد مقولة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر "ما أخذ بالقوّة لا يسترّد إلى بالقوة، وبالفعل ما أخذته السعودية بقوّة المال، تمّ إسترداده بقوّة القضاء، والأمور تسير نحو إلغاء الإتفاق المصري السعودي، وإلغاء حزمة من المساعدات السعودية، والخليجية، لمصر، فكيف ستردّ السعودية على المرقف المصري؟ وهل تقتصر الأضرار على المادّيات أم أنها ستطال ما هو أبعد من ذلك؟