الوقت- أعادت المفاوضات المباشرة بين وفد القوى الوطنية اليمنية ووفد الرياض في الكويت فتحتة أمل طالما بحث عنها الشعب اليمني خلال أكثر من عام على العدوان، ليتعزّز هذا الأمل مع حديث ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع، الأمير "محمد بن سلمان"، عن إقتراب العملية العسكرية في اليمن من نهايتها.
الإعلام العربي المحسوب على الرياض أعدّ العدّة لمفاوضات الكويت، وبعد وابل من التقارير التي تتحدث عن إنهاء العملية العسكرية في اليمن ودخول الهدنة حيّز التنفيذ، تبدّلت عناوين الصحف العالمية من سخونة الميدان والمشاهد المروّعة هناك، إلى برودة مستديرة المفاوضات في الكويت وزيارات الوفود الدولية للقاء كلا الطرفين في قصر بيان الأميري.
وعلى وقع الخروقات إنطلقت المفاوضات اليمنية ظنا من وفد القوى الوطنية أن حضورهم، المتأخر بسبب وقف إطلاق النار، سيجبر الطرف الآخر على الإلتزام بالتهدئة خشية الإدانة الدولية، إلا أن حساب الميدان لم يكن كحساب المفاوضات حيث ماطل وفد الرياض لأسابيع عدة قبل رضوخه لقرار ولد الشيخ بتشكيل لجنة مراقبة للخروقات وتراجعه عن التمسك السابق بتحليق وقصف الطيران السعودي.
لم يكن رضا وفد الرياض بعد تعليقه للمفاوضات لأكثر من مرّة أمراً عبثياً حيث هدف لإمتصاص الضغط الأممي على الوفد بسبب تمسكه بإستمرار العملية العسكرية بعيداً عما يجري في المفاوضات في مسعى لعزل الطاولة عن الميدان، الأمر الذي رفضه وفد القوى الوطنية، إلا أن السعودية لازالت ورغم مرور 48 يوماً على وقف إطلاق النار تنتهك القرار غير آبهة بكافّة الإلتزامات.
رغم مرور أكثر من شهر على إجتماع الوفود في الكويت، لم نشاهد أثرا دبلوماسياً ملموساً يمكن التعويل عليه بإعتباره يخفّف من ألاف الشعب اليمني المحاصر، الأمر الذي يعكس جانباً مخفيّاً من الخريطة السعودية العامّة تجاه اليمن، ويمكن إيجازه في النقاط التالية:
أولاً: إن عدم إلتزام وفد الرياض بقرار وقف إطلاق النار لا يخلو من أمرين، إما أنه لا يملك القرار والإرادة لذلك وهذا ما شاهدنا أبرز معالمه من خلال كلام المغرّد السعودي مجتهد عن المفاوضات المباشرة بين وفد صنعاء والسفير السعودي، أم أنه يخاع الطرف المقابل والمبعوث الأممي، وفي كلتا الحالتين يجب إظهار هذا الجانب للرأي العام اليمني والعالمي.
ثانياً: أظهر الإعلام الخليجي لهجة غير مسبوقة تجاه الملف اليمني، مروّجاً لعبارات من قبيل " تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى إنجاح مفاوضات السلام الجارية في الكويت بين فرقاء الأزمة اليمنية"، أو "إن دول مجلس التعاون تمارس ضغطا هادئا على وفد الحكومة الشرعية في اليمن من أجل العودة إلى المفاوضات"، عبارات تهدف أولاً وآخراً لإظهار دول مجلس التعاون، وخاصةً السعودية، في مظهر الحريص على مستقبل اليمنيين، وهذا ما يرجح فرضية أن تكون هذه المفاوضات أحد أبرز مصاديق الحرب الناعمة رغم أن مستقبل اليمن سيرسم على طاولتها بعد أن وضعت خطوطه العريضة في الميدان.
ثالثاً: إن طاولة المفاوضات التي أظهرت وجها دبلوماسياً للجانب السعودي أمام الرأي العالمي، وهي في الحقيقة تسعى لطمس الوجه الحقيقي الذي شاهدناه خلال سنة ونيّف من العدوان. من ناحية آخرى تسمح بتمرير الوقت على حساب اليمني المستهدف والمحاصر، وتحاول الخلط بين عدوانها ضد اليمنيين ومواجهة القاعدة التي إستقام عودها في مناطق لطالما إدّعت السعودية وقوات هادي سيطرتها عليها خلال الأشهر الماضية.
رابعاً: قد يطرح البعض تساؤلات من قبيل: "لماذا لا يترك وفد القوى الوطنية الكويت بإعتبارها تدخل في سياق الحرب الناعمة؟". لا بد من التأكيد على أن إنسحاب وفد القوى الوطنية من المفاوضات يعد أبرز أهداف السعودية اليوم، وذلك بغية إظهار الجانب اليمني على هيئة المقاتل الذي لا يفقه سوى لغة الرصاص ويرفض الحل السياسي. لذلك، لا بد للوفد أن يؤدي دوره المطلوب بإعتباره المؤتمن على دماء اليمنيين، ليس لوحده فقط، بل يشاركه، وبشكل رئيسي في هذه الأمانة الإعلام الذي يتحمّل مسؤولية كشف خفايا المفاوضات للجميع ووضعها في السياق الصحيح.
يبدو أن الترويج الإعلامي لمفاوضات الكويت يصب في صالح السعودية ووفد الرياض عبر إظهار الجانب الدبلوماسي وتغييب الجانب العسكري الذي كلّف الشعب اليمني آلاف الشهداء بدءاً من فج عطان في العاصمة صنعاء وسوق كتاف في صعدة، مروراً بالمخا الأولى والثانية في تعز وصولاً إلى سوق الخميس في حجّة. إن خير سبيل لمواكبة هذه المفاوضات والحديث عنها يكمن في وضعها في المكان المناسب، وعدم الترويج لها رغم أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة في اليمن، ولكن عندما تتحوّل هذه الطاولة إلى عدوان جديد يهدف لتمرير الوقت وتغييب معانات الشعب اليمني تدخل في سياق الحرب الناعمة التي تتطلب وعياً وبصيرةً سياسية لا تقل أهمية عن بصيرة المقاتلين في الميدان. بإختصار تتلخص مفاوضات الكويت بعبارة واحدة: يبطل الباطل ببطلان ذكره.