الوقت - بعد تعطيل جلسات البرلمان العراقي إثر إقتحام مبناه من قبل أنصار التيار الصدري في 30/4/2016، تغيرت الأوضاع السياسية في العراق بدرجة كبيرة إلى حد باتت معه الصورة غير واضحة عن المستقبل السياسي لهذا البلد.
ومما زاد في تعقيد المشهد هو الإعتراضات الواسعة التي صدرت عن التحالف الكردستاني وتحالف القوى السنيّة بسبب تعرض عدد من ممثليهم في البرلمان لإعتداءات من قبل المتظاهرين الذين إقتحموا مبنى مجلس النوّاب.
واتهم النوّاب الكرد والسنّة بعض القيادات الأمنية المكلفة بحماية المنطقة الخضراء التي يقع فيها مبنى البرلمان بمساعدة المتظاهرين في إقتحام المبنى وفتح أبوابه الداخلية وعدم القيام بمسؤولياتها في الدفاع عن ممثلي الشعب.
وصاحب هذه التطورات تدهور أمني واسع راح ضحيته المئات من المواطنين العراقيين، ما أدى إلى تأزيم الأوضاع السياسية في البلد، خصوصاً بعد رفض النوّاب الكرد والعرب السنّة إستئناف جلسات البرلمان إلاّ بعد موافقة الكيانات الأخرى على تنفيذ شروطهم وفي مقدمتها التعهد بعدم تعرضهم مرة أخرى إلى الإعتداء من قبل المتظاهرين.
وطالب رئيس الجمهورية "فؤاد معصوم" النوّاب بتجاوز هذه الأزمة والإسراع بعقد جلسات البرلمان والإحتكام إلى الدستور لإعادة الأمن والإستقرار إلى البلاد التي تخوض مواجهة شرسة مع العصابات الإرهابية في الوقت الحاضر ومن بينها تنظيم "داعش" الذي يحتل أجزاء من الأراضي العراقية لاسيّما في محافظتي الموصل والأنبار، فيما حذر رئيس الوزراء العراقي السابق وزعيم إئتلاف دولة القانون "نوري المالكي" من مخاطر الأزمة السياسية الحالية في ظل التغييرات الوزارية التي تشهدها حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، خصوصاً بعد مطالبة المتظاهرين والمرجعية الدينية بتشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن المحاصصة السياسية والطائفية والقومية والبدء بإصلاحات شاملة في كافة المجالات.
وعقب إقتحام البرلمان عقدت الرئاسات الثلاث (الجمهورية والبرلمان والحكومة) إجتماعاً طارئاً لبحث الأزمة السياسية، فيما غادر النوّاب الكرد العاصمة بغداد وعادوا إلى مدنهم في إقليم كردستان العراق، منتظرين قرار قيادة الإقليم بشأن عودتهم إلى الحياة السياسية من جديد.
كما قام رئيس الوزراء بإستبدال عدد من القيادات الأمنية وفي مقدمتهم قائد فوج حماية البرلمان وقائد فرقة القوات الخاصة المكلفة بحماية المنطقة الخضراء التي تضم أهم المقار الحكومية وعدداً من السفارات الأجنبية.
ويعتقد الكثير من المراقبين بأن الأزمة السياسية التي يشهدها العراق في الوقت الحاضر هي الأخطر منذ تغيير نظام الدكتاتور المعدوم صدام في عام 2003، محذرين من خطورة إستمرار هذه الأزمة على الوحدة الوطنية والأوضاع الأمنية والإقتصادية والإجتماعية في البلد.
وأثار إقتحام البرلمان جملة من التساؤلات وردود الأفعال لدى مختلف الكيانات السياسية العراقية التي سعى عدد منها إلى إقناع الأطراف الأخرى بضرورة بدء صفحة جديدة من التوافق السياسي لإنقاذ البلد من تداعيات الأزمة الراهنة، وذلك من خلال الدعوة إلى إستئناف جلسات البرلمان الذي قرر نحو ثلث أعضائه تشكيل جبهة جديدة أطلقت على نفسها إسم "جبهة الإصلاح" وذلك بعد إقالتهم لرئيس البرلمان "سليم الجبوري" في 14 نيسان/أبريل الماضي، فيما يُنتظر أن تبت المحكمة الإتحادية العراقية في وقت لاحق بشأن قانونية هذا الإجراء من عدمه.
وتطالب المرجعية الدينية والمتظاهرون والكثير من القيادات السياسية والمدنية رئيس الوزراء حيدر العبادي والتحالف الوطني الذي ينتمي اليه العبادي والذي يمثل الكتلة الأكبر في البرلمان بإتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة لإنهاء الأزمة السياسية في العراق، فيما أعلن "حزب الدعوة" الذي يرأسه نوري المالكي بأن التحالف الوطني بصدد تقديم خارطة طريق لوضع حد لهذه الأزمة من خلال التشاور مع زعماء الكتل الأخرى في البرلمان، فيما شدد النائب عن الإتحاد الوطني الكردستاني "شوان داوودي" على ضرورة عقد إجتماع موحد للبرلمان وإتاحة الفرصة لطرح كل القضايا للتصويت بشكل علني وشفاف، مؤكداً في الوقت نفسه على أهمية إعادة الهيبة لمؤسسات الدولة لاسيّما الرئاسات الثلاث وخصوصاً البرلمان التي تزعزت كثيراً بعد إقتحام مبنى مجلس النوّاب قبل نحو ثلاثة أسابيع.
والحقيقة أن جميع الفصائل السياسية العراقية تؤكد على ضرورة الإسراع بتهيئة الأرضية لإستئناف جلسات البرلمان، لكن يبدو في الوقت نفسه أن معظم هذه الفصائل ليست مستعدة لحسم هذا الموضوع دون شروط مسبقة ودون الدخول في مفاوضات موسعة مع الأطراف الأخرى.
فعلى سبيل المثال تشترط الفصائل السنيّة بقاء سليم الجبوري في منصب رئيس البرلمان الأمر الذي ترفضه جبهة الإصلاح المشكّلة من نحو مئة نائب في البرلمان العراقي، فيما يؤكد الأكراد على ضرورة توفير الأمن لنوّابهم من قبل الحكومة المركزية كشرط لعودتهم إلى البرلمان والإبقاء على حصتهم من الحقائب الوزارية في أي حكومة قادمة يشكلها رئيس الوزراء حيدر العبادي.
ورغم المساعي المبذولة لحل هذه الأزمة لا يبدو في الأفق أن هناك إمكانية للتوصل إلى حل توافقي يرضي جميع الأطراف المشاركة في العملية السياسية، ويلبي في الوقت نفسه مطالب المرجعية الدينية والمتظاهرين الداعية إلى الإصلاح الشامل في جميع مرافق الدولة التي تعاني من أزمات متعددة بسبب وجود الجماعات الإرهابية التي لازالت تحتل مناطق من البلاد، بالاضافة إلى العناصر الفاسدة وغير الكفوءة التي نخرت إقتصاد البلد الذي تراجع كثيراً بسبب إنخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية.