الوقت- خرج موقع فروبس بفضيحةٍ جديدة تتعلق بالسياسة الخارجية لواشنطن. الأمر الذي طال دعم أمريكا لنظام السيسي، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة قمعه للحريات والمطالب الشعبية. وهو ما نقله الموقع، بالإستناد لتقريرٍ صادر عن مكتب المحاسبة الأمريكي. فيما يُعتبر ذلك دليلاً إضافياً على حجم التدخل الأمريكي في مصير دول المنطقة، وسعيها لتثبيت أنظمة موالية لها، ولو على حساب الشعوب. فماذا في تقرير مكتب المحاسبة الأمريكي؟ وما هي دلالات السياسة الأمريكية تجاه مصر؟
تقرير موقع فوربس
نقل موقع فوربس، تقريراً صدر في الثاني عشر من أيار الجاري، عن مكتب المحاسبة الأمريكي قوله، إن الحكومة الأمريكية تجاهلت بشكل تام انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة في مصر، وذلك بمنح مصر مساعدات تقدر بنحو ست مليارات ونصف المليار دولار في الفترة ما بين عامي 2011 و2015 بما يخالف القانون.
كما أثبت التقرير فشل نظام المساعدات الأمريكي في الإمتثال للقوانين التي تقضي بعدم منح مساعدات للبلدان التي تنتهك حقوق الإنسان. فتغاضى عن الإنتهاكات التي تقوم بها وزارة الداخلية المصرية في الفترة الأخيرة.
ويستكشف التقرير المكون من 77 صفحة كيف أن واشنطن، تقوم بغض الطرف عن انتهاكات نظام السيسي الحالية بحق المتظاهرين السلميين وجماعات حقوق الإنسان، وسعي أجهزة الأمن المصرية إلى التغطية على جريمة تعذيب وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني.
فقانون المساعدات الأمريكي، المعروف باسم "قانون ليهي"، يُحظِّر منح مساعدات لمن يثبت عليهم انتهاك حقوق الإنسان. وقد أظهرت قاعدة بيانات السفارة الأمريكية في القاهرة، والتي فحصها المكتب عن الأطراف ذات الصلة، اسم وزارة الداخلية وشرطة القاهرة من بين من تلقوا المساعدات.
ويقول التقرير إنه على الرغم من حجم الإنتهاكات، فقد اتبع النظام عدة طرق لإيصال المساعدات إلى الحكومة. قال التقرير "في استقصاء تلا تسليم أدوات مكافحة شغب إلى وزارة الداخلية المصرية، تحاشت الحكومة المصرية الرد على أسئلة وزارة الخارجية الأمريكية". ومن المعلوم أن نظام السيسي يستخدم أدوات مكافحة الشغب في قمع المظاهرات السلمية.
كما يشير الكاتب إلى أن الولايات المتحدة كانت أكثر صرامة مع حكومة مرسي. وقد أشار مكتب المحاسبة إلى أن نظام المساعدات رفض أقل من 1% من الحالات التي فحص فيها خلفيات الأطراف التي تتلقى تلك المساعدات. ولكنه لم يرفض أي حالة تخص الفترة التي تلت الإطاحة بمرسي. ويتعجب التقرير من تلك البيانات ويتساءل هل هي تخص نفس الدولة التي انتهكت حقوق الإنسان وقتلت ريجيني.
وهنا فقد استخلص مكتب المحاسبة نتيجة صادمة وهي أن "كلاً من وزارتي الدفاع والخارجية لم تمتثلا لسياساتهما فيما يخص انتهاكات حقوق الإنسان". وقال المكتب إن وزارة الخارجية تعمدت عرقلة عمله حول كشف مدى الإهمال في تطبيق القانون. كما تقاعست السفارة الأمريكية في القاهرة عن واجبها ببناء قاعدة بيانات بالأطراف التي تنتهك حقوق الإنسان في مصر. حيث أشار التقرير الى أنه لدى حكومة أمريكا ضعفًا في التوثيق. فلم توثق سفارة في القاهرة إلا القليل عن المسؤولين المصريين الذين انتهكوا حقوق الإنسان منذ 2011. ويبدو أن السفارة تتخلص من تلك البيانات الحساسة بحسب التقرير.
تحليلٌ ودلالات
لا شك أن عدداً من النتائج يمكن الخروج بها، بحيث أنها تعتبر دليلاً إضافياً على طبيعة السياسة الأمريكية البراغماتية. فيما يجب قول التالي:
- تعتبر واشنطن سياستها الخارجية أداةً لنسج العلاقات بحسب المصلحة الأمريكية. وهنا فإن السعي الأمريكي لتعزيز نظام السيسي ولو على حساب الشعب المصري، هو من الأمور التي لا مشكلة فيها بالنسبة لأمريكا، خصوصاً عندما يقع ذلك في مصلحتها. الأمر الذي يدل على حجم التناقض الأمريكي في السياسات، تجاه الشرق الأوسط. خصوصاً في ظل ما نشهده من سلوكٍ أمريكي تجاه الأزمة السورية الحالية.
- من جهةٍ أخرى، فإن السياسة الأمريكية، والتي تجد في دعمها لبعض الأنظمة ضرورة، فهي تقوم بالإستفادة من العمل الدبلوماسي، في سبيل غاياتٍ تتنوع بين السياسية والأمن. فيما أثبت تقرير مكتب المحاسبة الأمريكي، تورط وزارة الخارجية، بأعمالٍ لا تتناسب مع المعايير والقوانين الدولية، وهو ما يجب التساؤل حوله، أمام الشعوب والعالم.
- يُثبت التقرير أيضاً، وبلسانٍ أمريكي، زيف ادعاءات واشنطن، لا سيما لجهة المناداة بالديمقراطية وحقوق الشعوب. وهو الأمر الذي يجب أن تعيه الشعوب. خصوصاً أن الإدارة الأمريكية، تستخدم أدواتها التنفيذية، للترويج لنفسها وخداع الشعوب.
- بالإضافة الى ذلك، فإن السياسة الأمريكية تعتبر مُزدوجة المعايير تجاه دول وشعوب المنطقة. ففي وقتٍ نشهد فيه تغييراً في بعض الأنظمة، نجد واشنطن تدعم تعزيز أنظمةٍ موالية لها لا سيما النظام المصري وبعض الأنظمة الخليجية، فيما بدا واضحاً أن القاسم المشترك بينها هو تعزيز أمن الكيان الإسرائيلي والتآمر على القضايا العربية.
- وهنا فإن الداخل المصري، بحاجة لمساءلة نظامه، حول صحة هذه الإدعاءات، والتي تعتبر تدخلاً سافراً في الشأن المصري الخاص، ومشاركةً في قمع المصريين. وهو الأمر الذي يمس بالسيادة المصرية. كما أن التقرير أكد حدوث انتهاكاتٍ من قبل النظام تجاه الشعب المصري، وبمشاركةٍ أمريكية.
إذن تعيش واشنطن على وهم الحرص على الشعوب في الشرق الأوسط. فيما تُثبت سياساتها، أنها تمضي قدماً تجاه مصالحها. واليوم، يُدينها تقريرٌ أمريكي، يطرح العديد من التساؤلات، لا سيما حول الدور المنشود للنظام المصري الحالي. والذي خرج إلينا رئيسه، يطالب الكيان الإسرائيلي بعلاقاتٍ أكثر حميمية. فهل سنشهد تحولات، في المشهد العربي، يكون القمع فيها سلاح تطبيق بعض الأنظمة، للسياسة الأمريكية؟