الوقت- في 31 يناير 2016 أعلنت فرنسا مبادرتها التسيوية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي على غرار محادثات جنيف السورية، و قالت أنها ستعمل على عقد مؤتمر دولي لاستئناف مفاوضات السلام بين الطرفين. هذه المبادرة لاقت رفضاً اسرائيلياً و استحساناً من السلطة الفلسطينية و رأت بعض الفصائل الفلسطينية أنها مضيعة للوقت. يعود وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" و يكرر المطلب على مسامع العالم، فما الهدف من اصرار الفرنسيين من تكرار المطلب لبدء المفاوضات الفلسطينية-الاسرائيلية؟
لوعدنا بالتاريخ الى الوراء، الى الانتفاضة الأولى، أو انتفاضة الحجارة سنة 1987، و التي أضاع فيها الفلسطينيون دماء الشهداء الذين سقطوا فيها، و أيضا أضاعوا للمرة الأولى فرصة انشاء دولة فلسطينية واحدة من شمالها الى جنوبها، و ذلك بعد جلوسهم على طاولة المفاوضات الى جانب الكيان الاسرائیلي في أوسلو عام 1993. و کذلك لو عدنا بالزمن الى الوراء، الى انتفاضة الأقصى عام 2000 و التى أعدت الأمل و الروح الى الفلسطينين بانشاء حلم دام طويلاً، لكن هذا الحلم سرعان ما دمر، و ذلك بجلوس السلطة الفلسطينية الى طاولة المفاوضات الاسرائيلية في قمة شرم الشيخ والتي جمعت الرئيس "محمود عباس" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "أرئيل شارون".
و على ما يبدو أن التاريخ سيعيد نفسه، ها هي السلطة الفلسطينية تعيد الكرة من جديد، باعلانها الموافقة على المبادرة الفرنسية، و التي أصحابها أنفسهم لا يؤمنون بها أو بجدواها، و بهذه الموافقة تكون السلطة الفلسطينية قد أعلنت وفاة الانتفاضة الثالثة. أما عن مضمون هذه المبادرة، اعتقد البعض أنها شبيهة للمبادرة العربية عام 2002 الا أنها تفرق بشكل كبير عنها، فخذ ما يدهشك: دولة منزوعة السلاح على حدود عام 67، تأخذ بعين الاعتبار الحاجة الأمنية لإسرائيل، ويجري تبادل الأراضي باتفاق الطرفين. أما اللاجئون، فلهم حل لائق مع التأكيد على مبدأ التعويض دون ذكر حق العودة. وإذا لم تنجح المفاوضات، فإن مكافأة القيادة الفلسطينية تكون باعتراف فرنسي بالدولة الفلسطينية، التي لا وجود عملياً لها" و مع ذلك، فإن القيادة السياسية الفلسطينية ترحب وتشيد وحتى تشكر الاهتمام الفرنسي.
ليس فقط السلطة الفلسطينية رحبت بالمبادرة الفرنسية، بل كان لدول عربية منها السعودية موقف مشابه، حيث أعلن "أنور عشقي"، الجنرال المتقاعد في الجيش السعودي، إن الرياض ستُقدم على إنشاء سفارة لها في إسرائيل إذا قبلت تل أبيب مبادرة السلام العربية المطروحة عام 2002 تحت الصيغة الفرنسية. وأوضح تقرير نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" ، أن عشقي سُئل خلال مقابلة مع قناة "الجزيرة" متى ستفتح السعودية سفارة لها في إسرائيل؟ فأجاب: "عليك أن تسأل نتنياهو". كذلك فعل ملك الأردن و دول الخليجیة الذين رحبوا بالمبادرة و ذلك تحت عنوان انهاء الصراع العربي الاسرائيلي.
فصائل المقاومة
أما الفصائل الفلسطينية المعارضة لنهج التسوية، فرأت أنّ المبادرة الفرنسية محاولة جديدة لتضييع الوقت، و"تجريب المجرب"، في إشارة إلى تجربة 25 سنة من المفاوضات بين السلطة والاحتلال، لم تحقق خلالها السلطة أية نتائج حقيقية على أرض الواقع.
حيث يرى "يحيى موسى" النائب عن حركة "حماس" في المجلس التشريعي، أنّ" المبادرة الفرنسية وغيرها من الأفكار المقترحة للعودة إلى المفاوضات، تأتي في إطار المحاولات المستمرة للسيطرة على انتفاضة القدس المشتعلة منذ أكثر من أربعة أشهر"، و أضاف موسى أنّ "استمرار السلطة الفلسطينية في مسار المفاوضات في ظل الجرائم الإسرائيلية المتصاعدة بحق الشعب الفلسطيني، يأتي في إطار التنسيق المشترك مع الاحتلال الإسرائيلي من أجل وقف الانتفاضة"، لافتاً إلى أنّ "حالة انسداد أفق الحل السياسي وفشل جهود السلطة في المفاوضات طيلة السنوات الماضية، كان الدافع الأبرز لاشتعال الأحداث في القدس"
بدورها، أعلنت حركة "الجهاد الإسلامي" على لسان مسؤول المكتب الإعلامي "داود شهاب"، أنّ "الطرح الفرنسي مسلسل جديد، الهدف منه إضاعة المزيد من الوقت، مؤكّداً أنّ "المطروح مسائل جُرّبت ومفروغ منها، ولم تحقق لشعبنا وقضيتنا أية نتيجة". و أضاف شهاب أنّ " الحديث عن تعاطف دولي مع الفلسطينيين لم يترجم مطلقاً، خصوصاً من قبل الحكومات والدول الغربية، على أرض الواقع، محذّراً من أنّ كل ما سيكون هو محاولة للعودة إلى المفاوضات، التي يتشبت بها "أبو مازن"، ولا جدوى منها". و أكد "شهاب" أن "الخيار الوحيد لتحرير الشعب الفلسطيني يكمن في مقاومة الاحتلال، ودعم انتفاضته".
بدوره، يؤكد عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، "ذوالفقار سويرجو"، " أنّ الطرح الفرنسي التفاف على المطلب الفلسطيني الواضح بطلب عقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات، يعمل على إحقاق الحقوق الفلسطينية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية الداعية إلى إنهاء الاحتلال، وليس التفاوض على حقوق الشعب الفلسطيني". ويشير "سويرجو" إلى أنّ ذلك "التفاف على إنجازات الانتفاضة الفلسطينية وإنجازات الشعب الفلسطيني، الذي بدأ ينجح في فضح سياسات إسرائيل في العالم والدول الأوروبية، ونتج عنها كثير من المتغيرات، خصوصاً في ظل المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية والخسائر الفادحة التي تدفعها إسرائيل جراء الانتفاضة الثالثة في القدس المحتلة".
بناء على ما تقدم يبدو المسعى و الهدف الفرنسي، و التنازل العربي عن القضية الفلسطينية أصبح واضخاً، و هو " إسقاط الانتفاضة الثالثة " من أجل انعام الكيان الاسرائيلي بالرخاء و الراحة، فهل ينجح الفرنسيون في مسعاهم؟ أم أن للميادين الفلسطينية كلام آخر؟