الوقت- على مر الايام ومنذ بعثت النبي الاعظم (ص) كان "الافتاء" وسيلة لتبيان مسالة شرعية تتحكم بحياة الانسان و تحدد مساره لايصاله الى "الصراط المستقيم"، و لطالما كان الافتاء بيد اعرف الناس بالدين الاسلامي لكي لا يتجرأ احد على اصدار فتوى هدامة او بعيدة عن اصل الديانة و الفقه الاسلامي. ولا شك ان الوصول الى زمن تتكاثر فيه الاغراءات التي تبعد الانسان عن دينه او تجعله يغوص بالمحرمات الدنيوية يحتاج الى اناس اكثر خبرة و دراية و علم لاخراجه من بحر الظلمات الحالي. ولا يخفى على احد ان دار الافتاء السعودي يعتبر من اهم دور الافتاء عند المسلمين السنة، ولكن هذا الدار ابتعد في احكامه و فتاويه عن "الصراط" بعض الشيء، ليظهر بفتاو ما انزل الله بها من سلطان و يترك الاساءة لنبيه (ص) بعيدة عن بحر الفتاوى الدينية العظمى. فكيف حصل ذلك؟
الافتاء يبتعد عن العقل
صدرت في الاونة الاخيرة سيول من الفتاوى التي تبعد كل البعد عن العقل البشري، هذا العقل الذي وهبه الله للانسان وقال "بك اثيب و بك اعاقب"، والملفت في الامر ان الافتاء الجديد لم يخرج عن مستوى العقل فحسب بل ابتعد في كثير من الامور عن الدين المحمدي الاصيل. نذكر بعضها:
الافتاء بحرمة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف و اعتبار الاحتفال من البدع التي ادخلت على الاسلام. و تقول الفتوى حرفيا "تعظيم النبي واحترامه إنما هو: بالإيمان بكل ما جاء به من عند الله، واتباع شريعته عقيدة وقولا وعملا وخلقا، وترك الابتداع في الدين، ومن الابتداع في الدين الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم."
لن نختلف في القسم الاول من الفتوى فتعظيم النبي واحترامه يكون بالايمان و اتباع الشريعة فعلا. و لكن الشق الثاني منها يعتبر الاحتفال "بدعة"، فاذا كان الاحتفال بدعة كيف نفسر "الاحتفال بدخول النبي (ص) الى يثرب" وهل يخفى على احد احتفال اهالي يثرب بقدوم الرسول اليها؟ وكيف نبرر نشيد "طلع البدر علينا" الذي نحفظه ابا عن جد؟ وهل كان النبي ليقبل ببدعة لمجرد دخوله الى المدينة المقدسة؟
الفتوى الثانية التي لم نشهد لها مثيلا على مر العصور، فتوى تحرم صنع "رجل الثلج" و يقول مصدر الفتوى الشيخ محمد صالح المنجد: "لا يجوز بناء تماثيل من الثلج ولو كان ذلك بقصد اللعب والتسلية" مضيفا إن بناء رجل ثلجي هو فعل شبيه بخلق صورة عن كائن بشري وهذا عمل حرام. التعليق على هذه الفتوى ليس بحاجة الى الكثير من التحليل والتدقيق. فاذا كان صنع المجسمات حراما فكيف تفسر المملكة التجارة بالدمى التي يلهو به الاطفال؟ بل كيف تفسر مجسمات الانسان المستخدمة في محلات الالبسة؟
افتاء اخر صنع في السعودية ايضا، أفتاه مفتي السعودية ورئيس هيئة كبار رجال الدين عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ يقضي بضرورة هدم كل الكنائس في الجزيرة العربية، مبررا فتواه بأن شبه الجزيرة تخضع لدين الإسلام ووجود الكنائس لبعض الدول فيها هو اعتراف بصحة هذه الأديان، الأمر الذي أثار موجة استياء بين الأقليات المسيحية التي تعيش في السعودية. لكن الشيخ نسي قول الله تعالى في كتابه الكريم "لا اكراه في الدين"، وهل نسي ايضا قوله تعالى "ولتجدن اقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بان منهم قسيسين و رهبانا و انهم لا يستكبرون".
الاساءة الى الاسلام بعيدة عن الافتاء
لا شك ان سيل الافتاء هذا يعتبر اكبر عاصفة افتاء مر بها الاسلام الحديث. و طالت في صفحاتها تحليلات و تحريمات لا يسع ذكرها، و لكن يمكن الحكم على اغلبها بالهزلية الفكرية او الاستخفاف باحكام الشريعة الاسلامية.
لكن حملة الافتاء هذه لم تدون اية كلمة في واقعة كانت اكبر من صناعة رجل ثلج او احتفال نبوي او بناء كنيسة. حادثة اصغر ما يمكن القول، انها جريمة بحق النبي محمد(ص). و لن تخفي على كل ذي لب فطن، جراة الصحيفة الفرنسية "شارلي ابدو" على نشر صور مسيئة طالت رمز الاسلام الاول(ص)، وذلك بعد اقل من شهر على عملية الهجوم عليها من قبل "الاسلاميين" و قتل 12 من محرريها.
دار الافتاء السعودي بعد الحادثة لم يتحرك، ولم يقم باصغر تهديد ممكن او يصدر فتوى على اقل، تحرم تداول الصور المسيئة. ولم تكتف السعودية التي تحمل شعار الاسلام بالصمت الغير متوقع، بل شاركت، مثل غالبية الدول العربية، بحملة التكاتف مع الصحيفة بالشعار المعروف "انا شارلي".
جلد الناشط رائف البدوي
التناقض السعودي، طال الحريات الانسانية ايضا فلم يكتف بالابتعاد عن شعار الاسلام الذي يتغنى به، عن طريق الافتاء ولا من باب الصمت على الاعتداء على رمز الاسلام. بل قام باصدار حكم على الناشط "رائف بدوي"، يقضي بالسجن 10 سنوات اضافة الى 1000 جلدة علنية وغرامة مادية، ويتهم الناشط رائف البدوي بانشاء منتدى على الإنترنت لتشجيع النقاش بشأن القضايا الدينية والسياسية في السعودية منذ 2008.
الاسلام السعودي اذن، اصبح بعيدا عن الاسلام المحمدي الاصيل، فاصبح اسلام التسامح و الحريات لعبة سهلة يلهو بها كل عاطل عن العمل برتبة "شيخ" و عمامة مزيفة. فاين نسير باسلامنا؟ و هل الاهانة لنبينا بصورة كاريكاتورية اكبر من اهانته بتحريف دينه ؟ فيا ايها الذين امنوا، الاسلام يستصرخكم فهل من مجيب؟!!!!