الوقت- في خطوة عربية هي الثالث من نوعها ضد "حزب الله"، أصدر البرلمان العربي قراراً جديداً في الشكل وقديماً في المضمون إعتبر فيه الحزب "جماعة إرهابية".
القرار الأخير الذي صدر عن البرلمان العربي بالأمس في ختام جلسة له في مقر الجامعة العربية في القاهرة، تضمّن عبارات مستهلكه وقديمة الطراز من قبيل تأكيد البرلمان "رفضه التدخل الخارجي الإيراني المباشر، وغير المباشر، عن طريق "حزب الله" في شؤون الدول العربية"، إلا أن المتغيّر الأبرز تمثّل في كلام رئيس البرلمان العربي أحمد الجروان الذي قال: "نأمل أن يوجه "حزب الله" سلاحه ضد إسرائيل بالأساس، وأن يكون هناك تنسيق في حماية الأمن القومي العربي".
كلام الجروان الذي يعدّ قفزة نوعية في الإفلاس السعودي وأسلوب التعاطي مع "حزب الله" يفتح باب التساؤل حول الاهداف المرجوّة من هذا الكلام، بإعتبار أن التفسيرات لهذه الخطوة العربية- السعودية عديدة، وتعكس الموقف السياسي والعقائدي لاصحابها.
إن هذا الكلام يسعى لإظهار الحزب على أنه مهادن للكيان الإسرائيلي في خطوة جديدة تهدف لتشويه سمعة الحزب عربياً عبر وضعه في خانة "اللامقاومة"، فبعد التهم السابقة التي إتخذت تارةً الطابع المذهبي والطائفي عبر إتهامه بتأجيج الفتن المذهبية والدينية، وآخرى الطابع الأخلاقي عبر إتهامه بالإتجار بالمخدّرات، تحمل هذه الكلمة في أبعادها رسائل تستهدف الحزب في مقاومته، يمكن إيجازها في النقاط التالية:
أولاً: إن السعودية عرّابة هذه القرارات التي بدأت عبر مجلس التعاون ومرّت في أروقة الجامعة العربية لتصل مؤخراً إلى البرلمان، والتي تدعوا الحزب بتصويب سهامه نحو الكيان الإسرائيلي، هي نفسها من إتهمت أبناء حزب الله بالمغامرين في حرب تموز عام 2006، فلماذا التناقض؟
ثانياً: يستفيض الإعلام الإسرائيلي في استعراض التقارير المتعلّقة بقدرات حزب الله الصاروخية كان آخرها التهديدات التي أطلقها السيّد نصرالله في المقابلة التي أجراها مع قناة الميادين الامر الذي دفع بسلاح الجوّ الإسرائيلي لترتيب الاحتیاطات اللازمة لـ"الیوم الذی یطلق فیه حزب الله صاروخاً یسقط طائرة حربیة إسرائیلیة"، وفق مصادر أمنيّة رفيعة. هذه التقارير، تأتي بعد فترة من طفرة تقارير الأمونيا" في حيفا، وتزامناً مع الكشف عن بناء قاعدة أمريكية عسكرية في وسط الكيان الإسرائيلي لحمايتها من الصواريخ، فأي صواريخ تخشى "إسرائيل"؟
ثالثاً: لم نعلم بحروب إسرائيلية مع الدول العربية بعد 1973، مقابل عدّة حروب خاضتها المقاوميتن اللبنانية والفلسطينية ضد الكيان الإسرائيلي، فمن الذي أخرج الكيان الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية (عدا مزارع شبعا وتلال كفرشوبا) في العام 2000؟ من الذي كسر شوكة الكيان الإسرائيلي في عدوان تموز عام 2006 ورفع رأس العرب والمسلمين؟ ما الذي قدّمه هذا البرلمان للأمن القومي العربي وعلى رأسه القضيّة الفلسطينية؟ ربّما خانتنا الذاكرة، فليجيبنا الجروان ومن خلفه.
رابعاً: أقدمت الطائرات الإسرائيلية منذ إندلاع الأزمة السورية على إستهداف عدّة شاحنات صواريخ "كاسرة للتوازن" مرسلة من إيران إلى حزب الله، فإذا كانت الوجهة النهائية لهذه الصواريخ مغايرة للأراضي المحتلّة، فلماذ تغامر الطائرات الإسرائيلية بإستهدافها؟
قد لا يختلف إثنان على أن السبب الرئيسي لإتهام الحزب بالإرهاب يمكن في تدخّله في سوريا، وهو ما وصفه البرلمان بالتدخّل الخارجي، رغم أن التدخّل جاء بعد فترة من التهديدات التي أطلقتها الجماعات المسلحّة وإثر وصولها للحدود اللبنانية، الأمر(التدخل) الذي جنّب الساحة اللبنانية ويلات سيناريو الموصل الذي لا زال الشعب العراقي يدفع أثمانه وتبعاته حتّى يومنا هذا. لعل مجزرة سبايكر لوحدها والتي إرتكبها تنظيم داعش الإرهابي في القاعدة العسكرية موديةً بحياة 1566 جندي عراقي، فاقت كل ما قدّمه الحزب في سوريا إضافةً إلى شهداء التفجيرات الأخيرة في لبنان، وبالتالي يحق لنا طرح السؤال التالي: اذا كانت السعودية تعتقد أنه من حقّها مهاجمة اليمن بسبب حركة أنصار الله التي لم تهدّدها في يوم من الأيام، فلماذا لا يحق للحزب حماية أرضه من معتد يريد إعادة التجربة الإسرائيلية بحّلة تكفيرية؟ أسئلة عدّة تطرح نفسه في هذا الإطار تؤكد أن ذهاب حزب الله إلى سوريا جاء في سياق المواجهة نفسها التي يخوضها مع الكيان الإسرائيلي، أي أن طريق القدس بات يمرّ من دمشق.فأين سقط إبن الشهيد القائد الحاج عماد مغينة، جهاد مغنية؟ ومن الذي قتله ولماذا؟ أين سقط عاشق فلسطين سمير القنطار وماذا كان يفعل؟ لقد قال سمير القنطار في أول كلمة له بعد الأسر الطويل أن لم يخرج من فلسطين، إلا لكي يعود إلا فلسطين، وبالفعل عاد إليها شهيداً عبر البوابة السورية.
أسئلة تكثر وتكثر، إلا أنها ستبقى دون إجابة من قبل الجروان ومن خلفه، والسبب لأن الإجابة ستكون "من فمك أدينك".