الوقت- شهدت مناطق شمال لبنان في السنوات الاخيرة اشتباكات متعددة لاسيما في مدينة طرابلس والتي أدت الى مقتل وجرح الكثير من الاشخاص وزعزعة الاوضاع الاجتماعية في هذه المناطق بشكل أثر بصورة كبيرة على الامن والاستقرار في عموم لبنان.
وتقف وراء هذه الأزمة المتعددة الجوانب عدة اسباب يمكن الاشارة الى ابرزها على النحو التالي:
- وجود الجماعات المتطرفة التي تمارس الإرهاب تحت ستار الدين والتي جاء الكثير من عناصرها من سوريا والعراق ومن ابرز هذه الجماعات " تنظيم داعش" و" جبهة النصرة " التي نفذت عمليات ارهابية متعددة العام الماضي في مختلف المدن اللبنانية ومن ضمنها العاصمة بيروت ومنطقة البقاع والتي تصاعدت وتيرتها خصوصاً في شهر حزيران / يونيو من نفس العام. وكان أغلب هذه العمليات يستهدف قوات الجيش والاجزة الأمنية اللبنانية وقوات حزب الله.
- تمكن الجماعات الارهابية لاسيما "جبهة النصرة" من جذب عناصرموالية الى جانبها في طرابلس والمناطق القريبة منها خصوصاً في اوساط السنّة، وقامت بعد ذلك بأرسال هذه العناصر الى العراق وسوريا لمحاربة قوات الجيش والقوات الشعبية في هذين البلدين.
- رغم اعتقاد اغلب المراقبين بأن نمو التطرف في الوسط السني في الشمال اللبناني تعود اسبابه الى عوامل خارجية مرتبطة بالتطورات التي تشهدها المنطقة وبالخصوص تطورات الازمة السورية الا انهم يعتقدون أيضاً بوجود عوامل داخلية ساهمت هي الاخرى في تصاعد وتيرة التطرف في البلد الى درجة حالت دون تمكن القوات الامنية والعسكرية اللبنانية من السيطرة على الموقف ووضع حد لهذه الازمة الخطيرة .
ومن أهم هذه الاسباب يمكن الاشارة الى ما يلي:
- الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي والمتأزم في شمال لبنان لاسيما في طرابلس.
- عدم وجود قيادة دينية مؤثرة وقادرة على مسك زمام الامور في هذه المنطقة رغم الدور الذي يقوم به دار الفتوى الذي يمثل المؤسسة السنية الرسمية في هذه المنطقة، لأن هذا الدور شابه الكثير من الضعف في السنوات الاخيرة، ما ادى الى تفاقم السخط في الوسط السني ودفع بالتالي الكثير منهم للالتحاق بالتيارات التكفيرية والسلفية والذي تسبب بدوره فيما بعد بظهور الجماعات المتطرفة التي تشن هجمات مسلحة بين الحين والآخر ضد التيارات المعارضة لها وقوات الجيش والاجهزة الامنية. وتجدر الاشارة الى ان طرابلس كانت في الماضي تعد من المناطق المزدهرة والمقتدرة اقتصاديا وسياسياً قياساً الى باقي مناطق البلاد ولكنها تعاني اليوم من الفقر والعنف والتطرف الذي تمثله بعض الجماعات المحسوبة على الوسط السني.
- من الاسباب الداخلية الاخرى التى ادت الى ظهور التطرف في الشمال اللبناني يرتبط في الواقع بالسياسات غير المناسبة التي اتخذتها الحكومة اللبنانية حيال موضوع النازحين من سوريا على خلفية الصراع الدائر فيها منذ اكثر من ثلاث سنوات والذين يتجاوز عددهم المليون نسمة ويشكل السنّة النسبة الاكبر منهم.
فبعض المسؤولين اللبنانيين إعتبر وجود هؤلاء النازحين بأنه يشكل تهديداً لأمن واستقرار البلاد ولذلك تعامل مع هذا الموضوع بإرتجالية وشيءٍ من الحديّة، ما ادى الى دفع الكثير من هؤلاء النازحين للإلتحاق بالجماعات المتطرفة كجبهة النصرة وتنظيم داعش.
- ومن الاسباب الاخرى التي ادت الى ظهور الجماعات المتطرفة في لبنان وخصوصاً في شماله هي الحملة الاعلامية الشرسة التي تشنها هذه الجماعات والاطراف الاقليمية والدولية الداعمة لها ضد حزب الله واتهامه بالوقوف وراء بعض الاغتيالات التي طالت عدداً من القادة السنّة خلال السنوات العشر الماضية ومن ابرزها اغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري.
ومع الاخذ بنظر الاعتبار هذه العوامل يبدو أن طريق الحل للتخلص من هذه الازمة – التطرف الديني والارهاب – في لبنان لاسيما في طرابلس والمناطق المحيطة بها وجزء من البقاع يكمن في معالجة نفس الاسباب - الآنفة الذكر - التي أدت الى ظهور الازمة . ويمكن اجمال هذه الحلول بما يلي:
- تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي في عموم هذه المناطق.
- تنظيم شؤون النازحين وعدم التعامل مع قضيتهم على انها تشكل تهديداً أمنياً دون النظر الى بقية الجوانب الانسانية والاجتماعية والظروف الصعبة التي تحيط بهم على جميع المستويات.
- تقوية الجيش اللبناني والاجهزة الامنية كي تتمكن من السيطرة على الاوضاع المتأزمة في المناطق المشار اليها آنفاً من خلال تعزيز الجهد اللوجستي وزيادة فاعلية المنظومة الاستخبارية القادرة على فرز الجماعات الارهابية واعتقال عناصرها دون المساس ببقية النازحين الذين لا يطالبون سوى بتوفير ما يلزمهم من مؤن معيشية ومساعدات انسانية لمواجهة الظروف القاسية التي يعانون منها جراء نزوحهم من مناطقهم سواء من سوريا أو من لبنان.
ويجب هنا أن لا نغفل اهمية الاسراع بحسم الخلافات السياسية في البلد لاسيما ما يتعلق بموضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهنا لابد أيضاً من الاشارة الى الاتفاق الضمني الذي تم التوصل اليه مؤخراً بين حزب الله وتيار المستقبل بضرورة دعم تنفيذ الخطة الامنية في جميع المناطق بغية ايجاد حلول للاحتقانات الطائفية التي يعاني منها البلد والذي سينعكس حتماً على مجمل الاوضاع السياسية والامنية والاجتماعية، ونجاح هذا الأمر وتحققه يرتبط الى حد كبير وبشكل مباشر بالتطورات الأخرى التي تشهدها المنطقة لاسيما في سوريا.