الوقت- تشهد الساحة المصرية مستجدات و تطورات مختلفة، آخرها كانت الإحتجاجات الشعبیة و التظاهرات التي جرت على أثر منح الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" السعودية جزيرتين كانتا تحت السلطة المصرية ما أحدث بلبلة كبيرة، كما شهدت مصر زيارات دبلوماسية أهمها زيارة العاهل السعودي الملك "سلمان"، هذه الأمور و غيرها ناقشناها في حوارنا مع الكاتب الصحفي و المحلل السياسي المصري "إلهامي المليجي".
الوقت- في أول أسئلتنا أردنا أن نعرف المزاج البرلماني من مسألة الجزر وإذا ما كان البرلمان المصري سیصوت علی تسلیم الجزر للسعودية اذا ما عرضت عليه المسألة؟
المليجي: "المسألة ستعرض و ذلك طبقا للدستور، فرئيس الجمهورية ملزم بذلك و الرئيس الجمهورية نفسه اعلن انها هتعرض، اما الموافقة عليها فاغلب الاحتمالات او الترجيحات حتى الآن تتنبأ او تشير الى نسبة معقولة من البرلمان من الممكن ان توافق، لكن الامر ما زال طبعا كما ذكر الرئيس امس و قبل أمس و كما ذكر اكثر من عضو من اعضاء البرلمان بأنه سيتم تشكيل لجان نوعية و لجان فنية لمناقشة الأمر من كافة جوانبه التاريخية و الجغرافية و الاستراتيجية، و بناءاً عليه عندما تصل اللجنة الى تقرير عام، عندها يعرض هذا التقرير على البرلمان و من بعده سيتم التصويت بـ لا او نعم، و بالتالي الامر سيبقى مرهون بشكل او بآخر بهذا التقرير و بالنتائج التي سيخلص اليها.
الوقت: هل برأيكم لو كان الرئيس "عبد الناصر" حاضراً بيننا اليوم كان سيقبل باعطاء هذه الجزر للسعودية خاصة انه دافع عنها كثيرا؟
المليجي: "اذا ما اردنا الحديث بشكل وجداني فلا يمكننا الحكم بهكذا قضايا، أما من ناحية "جمال عبد الناصر" فهو زعيم سياسي و كذلك وطني، و بالطبع ككل زعيم مصري ابن المؤسسة العسكرية لا يمكن ان يتخلى عن ذرة رمل من هذا الوطن، لكن كما يقال الظروف التاريخية احيانا و الظروف الاقتصادية و الظروف الاجتماعية، قد تجبر، و لا بد ان يكون هذا الأمر حاضراً في ذهن اي مصري او اي عربي او ايراني أو أيٌ كان يتابع هذا الامر، و لمعلوماتكم أغلب من تظاهروا ضد هذا القرار هم يمكن القول بأنهم بشكل او بآخر مؤيدين للسيسي او على الأقل هم من مؤيدي ثورة 30 يونيو، لكن عند الارض يختلف الامر عند التفريط في الارض تختلف الأمور، و لا يمكن أبداً بأي حال من الاحوال لاي شخص مهما كان مصري او حتى ايراني أو أيِ كان أن يتنازل عن ارضه، فالدماء تبذل دفاعاً عن الارض، حتى أن كل الشرائع السماوية اكدت هذا الحق و شرّعت بأنه يمكن أن تبذل الدماء لأجل ذرة من الأرض، فما بالك بأرض مثل هذه و هي أرض لها ميزة استراتيجية مهمة، و اذا ما كانت مصر تولت منذ عام 1950 و ذلك لعلم القرّاء الافاضل انه تم تفويض مصر لإدارتها طبقا لما يقال الان لأنه طبعا نحن لم نعاصر هذه الحقبة، اي في ظل النظام الملكي اي نظام حكم الملك "فاروق" و الذي بالتاكيد دافع عن هذه الارض، و هذه الارض ظهرت قيمتها و دورها في حرب 1948، و في تلك المرحلة لم يكن "عبد الناصر" موجوداً، و لكن "عبد الناصر" بالتاكيد دافع عنها، ففي 1956 دافعنا عنها أثناء العدوان الثلاثي، و في هذه الحرب وصلت المعارك الى هذه الممرات، أما في 1967 عندما اغلق "عبد الناصر" هذا الممر اندلعت الحرب كما هو معلوم، و بالتالي هي ارض مهمة لمصر من الناحية الاستراتيجية، اما مسألة مُلكية الارض او تفويضها فنترق التدقيق بذلك لرجال القانون و رجال التاريخ ورجال الجغرافيا."
الوقت: على ذكر الحروب التي نشبت في تلك المنطقة، و المعروف انها انتهت باتفاقية "كامب ديفيد" التي شملت بنودها هذه الجزر، فهل يعني اخذها من قبل السعودية اعترافها بـ "كامب دايفيد"؟ و هل يمكن أن تكون السعودية قد وجدت مسوغاً أو مبرراً لبدء علاقة علنية مع الكيان الصهيوني؟
المليجي: "انا أوافق هذا التعبير، بان السعودية وجدت مسوغاً لبدء علاقة واضحة و مباشرة مع الكيان، لأنها دولياً أصحبت ملزمة بإطار "كامب ديفيد"، و كثيرة هي الأخبار التي ظهرت أنه و حتى قبل ترسيم الحدود كان هناك اتصالاً بالجانب الصهيوني و أُعلم بهذا الامر و بالتالي فموضوع الجزر له علاقة بإيجاد مبرر كي يظهروا ما خلف الكواليس، و أنا اتفق مع هذه النظرية و ذلك لإيجاد علاقة علنية، لان كما هو معلوم هناك علاقه و تنسيق على اصعدة مختلفة و لكن ليست علنية."
الوقت: من المعلوم ان مصر تعاني من مشاكل اقتصادية و مالية هل يعمل السعوديون على اللعب على هذا الوتر و استغلال نقطة الضعف هذه لتحقيق سيساتهم في المنطقة مستفيدين من حجم مصر و دورها الإقليمي و العربي؟
المليجي: "نعم، فبالتأكيد لو لم تكن مصر في هذا الظرف الاقتصادي الصعب للغاية وضع خطوطاً تحت للغاية، فهناك انهيار للعملة المحلية و هناك حصار عربي و غربي و إقليمي أيضاً، فكل هذه الامور لو لم تكن موجودة لختلفت الأمور، و الدليل على ذلك ان هذا الامر طرح في مرحلة حكم "مبارك" و لأن الوضع الاقتصادي كان اكثر استقرارا لم يجرؤ على هكذا خطوة، و طبعا قد نشرت المراسلات حول هذا الموضوع (الجزر) و التي بدأت منذ 1982 وذلك بين وزير خارجية السعودية انذاك و"عصمت عبد المجيد" الذي كان له مندوب مصر في الامم المتحدة، و رغم ذلك لم يجرؤ "مبارك" على اعطائهم هذه الجزر، وذلك حتى لو اعتبرنا أنها هذه الجزر كانت مجرد أمانة، فهذه الأمانة قد استُلمَت من ثلاث رؤساء سابقين و هم لم يردوها، و على اساس ذلك هو لم يردها بافتراض انها أمانة. و أكمل ساخراً: "بمعنى بسيط فليرجعوا للملك "فاروق" و يستردوها منه حسب زعهم إعارته إياها."
الوقت: هل نحن اليوم امام مشهدية فقدت فيها مصر دورها الريادي الكبير بين الدور العربية لحساب السعودية علمأ أنها لطالما تميزت بهذا الدور القيادي؟
المليجي: "نعم، بدرجة كبيرة بالتأكيد، فهذا الدور الريادي يبقى مرهون بعدة عوامل أحدها أن تكون مستقراً اقتصاديا و سياسياً، فانت طالما تعاني من ازمات اقتصادية و تفتقد هذه العوامل فهذا سيؤثر على دورك، لكن بشكل او بأخر و الى حد ما مصر تحاول في ظل هذا الظروف الصعبة ان تحافظ على دورها المتميّز، و الدليل على ذلك موقفها من الازمة السورية الذي لم يتغير منذ البداية، و هو يشكل خلافا في الرؤية بينها و بين السعودية، و الامر نفسه بالنسبة للقضية اليمنية، و حتى العلاقة المصرية الروسية و التي تتمثل بعلاقة متينة و متقدمة عن تلك السعودية، و بالتالي فهناك تباين و هذا من خصائص الدول العريقة و الكبيرة فهي مهما ضعفت يبقى هناك مسائل اساسية و جوهرية و راسخة و ثابتة، وذلك بأن يبقى قرارها السياسي مستقلاً، و الاستقلال هنا يكون جزئيا، و انا اعتقد انه لو كانت مصر في ظروف اقتصادية افضل لكانت مسألة الجزر هذه غير قابلة للنقاش اصلا، و ثانيا ان الموقف من سوريا و التي تمثل امنا قومياً لمصر سيكون اكثر قوة و فاعلية، و بالطبع لازالت مصر محافظة على بعض المواقف، رغم الضغوط الهائلة التي تمارسها السعودية على مصر كي تغير موقفها اتجاه سوريا، و لكن موقف مصر ثابت منذ البداية خصوصا بالنسبة لوحدة سوريا و تماسك مؤسسات الدولة و الحل السياسي و السلمي للازمة."