الوقت- بعد الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع المجموعة 5+1 بدأ الحديث يدور حول جدية الدول الغربية في التعامل مع طهران ورفع العقوبات عنها، وخاصة أن الاتفاق لم ينل رضى الكيان الإسرائيلي الحليف الاستراتيجي لأمريكا، إحدى الدول التي قبلت بالاتفاق، وهذا ما أثار شكوكًا حول جدية الغرب وخاصة واشنطن في تنفيذ هذا الاتفاق في ظل معارضة الكيان الإسرائيلي.
لم يمضِ الكثير من الزمن حتى بدأت ملامح تملص واشنطن من الاتفاق النووي تظهر للعلن، فقد طالب السيناتور الديمقراطي بن كاردن، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، بتمديد قانون "داماتو" الذي سينتهي في كانون الأول/ ديسمبر هذا العام، وذلك لفرض عقوبات ضد إيران لمدة عشر سنوات إضافية، وأكد بن كاردن أنه يعمل مع زملائه لتمديد هذا القانون، وقانون "داماتو" هو مجموعة من العقوبات ضد طهران صدر عام 1996، وصلاحيته 10 سنوات قابلة للتمديد.
مطالبات السيناتور هذه لا تمثل رأي فردي، فـ"بن كاردن" أكد في تصريحات صحفية أن "هناك اتفاقاً عاماً داخل مجلس الشيوخ لتشديد العقوبات ضد إيران"، وهذا يؤكد أن واشنطن غير جدية بالعمل بما تم الاتفاق عليه وغير مستعدة لتنفيذ التزاماتها تجاه طهران، كما أن الاحتفاظ بأي قانون يفرض عقوبات على إيران هو بمثابة الاحتفاظ بهيكلية العقوبات، وهذا سيجعل الاتفاق النووي ليس إلا حبرًا على الورق.
أما بالنسبة للرئيس الأمريكي باراك أوباما فهو الآخر يلوح بشكل مستمر بالعقوبات ويشير إلى أن واشنطن مستعدة لفرض عقوبات جديدة على طهران، وحول قانون "داماتو" فقد ذكر مصدر مقرب من الرئاسة الأمريكية، أن أوباما أكد أنه "لا يرى ضرورة لتجديد قانون العقوبات ضد إيران في هذه المرحلة، وأن واشنطن يمكنها إعادة العقوبات وفرض عقوبات جديدة بأي وقت ضد أنشطة إيرانية غير مرتبطة بالاتفاق النووي".
تعبير الرئيس أوباما بأنه "لا يرى ضرورة لفرض العقوبات في هذه المرحلة" يعني أن أوباما يسعى إلى حفظ العقوبات كوسيلة للضغط على طهران عندما يرغب بذلك، وهذا انتهاك للاتفاق النووي، ناهيك عن أن فرض أي عقوبات جديدة تحت أي ذريعة كانت هي بمثابة الالتفاف على الاتفاق النووي، وطعن بالتعهدات التي وقعت عليها أمريكا وقبلت بها، وهذا خرق واضح من الجانب الأمريكي.
لو أن أمريكا تعترف بالاتفاق النووي وتؤمن به لسارعت فور التوقيع عليه إلى إلغاء كافة القوانين التي تنص على فرض عقوبات على إيران كقانون "داماتو"، أما أن تترك هذا القانون ساريًا بعد الإتفاق وأن تهدد بتمديده وبفرض عقوبات جديدة تحت ذرائع أخرى فهذا دليل واضح على أن أمريكا ترى نفسها غير معنية بالاتفاق ولا تعيره أي اهتمام وهي مستمرة في سعيها لفرض عقوبات جديدة على طهران، وأكبر دليل على ذلك تصريحات الرئيس الأمريكي ومحاولات واشنطن فرض عقوبات ضد إيران في مجلس الأمن بذريعة "صناعة الصواريخ"!.
انتهاكات واشنطن للاتفاق النووي وإبرازها عدم التزامها بالقرارات الدولية سينعكس سلبًا على مجلس الأمن الدولي بأكمله، وسيعزز شواهد عجزه عن إلزام الدول بقراراته وبالمعاهدات الدولية، وهذا سيساهم بشكلٍ أو بآخر بإضعاف محورية المنظمات الدولية التي ستقف عاجزة عن رسم قوانين لدول العالم طالما أن أمريكا الداعية الأولى للقوانين الدولية وحقوق الإنسان لا تلتزم بها.
ليس جديدًا على أمريكا انتهاكها للاتفاق النووي، فأمريكا قائمة على هذا الأمر ولا يمكنها أن تستمر في استغلال الشعوب وتخريب الدول إذا لم تنتهك القوانين والاتفاقيات الدولية، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد شرّعت أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لنفسها وبمخالفة صريحة لقرارات الأمم المتحدة احتلال دول مستقلة كالعراق وأفغانستان، كما انتهكت الاتفاقية الأمنية الموقعة مع العراق، بالإضافة إلى أنها شرعت عدوان الكيان الإسرائيل على لبنان 2006 وعدوانه على قطاع غزة في 2008 وفي 2012.
انتهاك القوانين سياسة ثابتة لدى واشنطن، وقد تنبأ بنيامين باربر (وهو شخصية أمريكية معروفة ترأس البنك الدولي وتولى عدة مناصب، وكان عضوًا في الكونغرس وعضوًا في مجلس الشيوخ) في كتابه (إمبراطورية الخوف) بمصير أمريكا، حيث اعترف بأن أمريكا لا تلتزم بالقانون ولا تعترف بحقوق جميع الدول والشعوب، وتؤمن بالهيمنة وليس بالتعاون، ورأى "باربر" أن هذه المعطيات تشير إلى أن أمريكا لن تعيش طويلا.