الوقت - لا شك بأن مقابلة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله مع قناة الميادين، كانت تهدف لإيصال رسالةٍ لتل أبيب مفادها بأن حزب الله يعرف بماذا تفكر القيادة الإسرائيلية، وهو يقظٌ لذلك، وجاهزٌ للرد. وهو الأمر الذي يعني في الإستراتيجيا، بدء الحرب النفسية الإستباقية من قبل حزب الله، والتي يُعتبر كلام السيد نصر الله سلاحها المركزي. وهنا فإن الدخول في تفاصيل المسألة، يُدخلنا في العديد من المسائل، والتي تبدأ بالحديث عن كيفية استفادة حزب الله من مكامن القوة التي يمتلكها، ونقاط الضعف التي تنتاب الكيان الإسرائيلي، وتصل للحديث عن حقائق جيوسياسية، لا يمكن تخطيها، لا سيما بعد أن أصبحت واقعاً لا مفرَّ منه. فكيف يمكن تحليل مكامن القوة في معادلات حزب الله لا سيما في مجال الحرب النفسية؟
تُشكِّل الحرب النفسية سلاحاً تتمثَّل كلفته في تأمين عددٍ من الأمور لا سيما التوجيه الإعلامي. فيما تُعتبر الشخصيات القيادية، أداةً مهمة في الحرب الإعلامية. ولعل قيادة السيد حسن نصر الله، تتمتع بتاريخٍ من النجاحات في مثل هذه الحرب. حتى شكل كلام سماحة السيد، سلاح حزب الله القادر على إيصال الرسائل، دون الحاجة للخوض في كلفة التجربة لتأكيد التهديد، بل أصبح خطابه بحد ذاته، نقطة قوةٍ لحزب الله، في تحديد المعادلات وفرض التوازنات. ولعل ذلك يعود لأسبابٍ عديدة، لسنا هنا في وارد النقاش فيها، لكن أهمها يكمن في حجم المصداقية التي استطاع السيد نصر الله ترسيخها على مدى سنواتٍ من الصراع مع الكيان الإسرائيلي. فما يمتلكه حزب الله اليوم عبر قائده، يُعتبر نتيجةً لتجربةٍ كان فيها كلام السيد مقروناً بإمكانية الفعل. ليصبح مجرد الكلام كافياً للردع.
وهنا تجدر الإشارة الى أن هذه القدرة على الحرب النفسية، تأتي نتيجةً لعددٍ من الأمور والتي تُكمل في آثارها القدرة الشخصية للأمين العام لحزب الله. لذلك يمكن الخلاص لعددٍ من النتائج والتي تُعبِّر عن قوةٍ يمتلكها حزب الله، لم يتم التطرق لها من قبل، والتي يمكن سردها بالتالي:
- أثبت السيد نصر الله أن حزب الله يعرف جيداً كيف يُفكر الطرف الإسرائيلي لا سيما صُنَّاع قرار الحرب. وهو الأمر الذي لا يُعتبر جديداً للحزب. لكن حزب الله يعرف بأنه في وقتٍ معين، يجب المبادرة لردع الكيان الإسرائيلي، ولو عن التفكير بأي حرب. وهو الأمر الذي يحتاج لقراءة نسبة نشوب الحرب، والتي تعتمد على نظرية الفرص مقابل المخاطر، بحيث أن صناع القرار العسكري، يقومون بقياس فرص شن الحرب والمخاطر التي قد تنتج عنها. لكن الأزمة التي تعيشها تل أبيب اليوم، تكمن بأن القيادة العسكرية الإسرائيلية، أصبحت تُدرك جيداً بأن التأخر في الحرب على حزب الله يعني استحواذه على قوةٍ عسكريةٍ أكبر، فيما تُدرك أيضاً، بأن شن الحرب عليه عبر ضربةٍ خاطفة هو أمرٌ لا ينفع، في ظل امتلاكه أكثر من 100 ألف صاروخ، بحسب ما أشار إليه وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعلون أمس.
- وهنا فقد نقل عددٌ من المحللين، بأن تل أبيب قد ترى اليوم، بأن الفرص أكبر من المخاطر اعتماداً على عددٍ من الأمور. والتي يمكن اختصارها، بإيمان البعض بأن القوة العسكرية لحزب الله مُشتتة بين سوريا ولبنان والعراق واليمن، الى جانب أن الحزب يعاني من حصارٍ يحاول تجريده من العروبة أو الإنتماء للبنان. كما أن البعض يأخذ بعين الإعتبار بأن حزب الله اليوم، يفتقد لظهيره الجيوسياسي أي الدولة السورية الغارقة في أزماتها الداخلية. كما يقول البعض بأن الرهان على الردع الأمريكي قد لا ينفع، خصوصاً لأن الأهداف الإنتخابية اليوم في واشنطن، تتماشى مع ضرورة إرضاء الكيان الإسرائيلي، وبالتالي فإن الرهان على عقيدة أوباما بمنع الحرب قد يكون خاسراً. فيما يجد آخرون في الواقع اللبناني، بأنه الأفضل للكيان الإسرائيلي من حيث افتقاده لكل مقومات الأمن، السياسي والقومي والإجتماعي والإقتصادي. هكذا قرأ البعض، احتمالات الفرص، بأنها أكبر من المخاطر.
- لكن ذلك وإن كان مُجرد تفكير، دفع حزب الله الى المبادرة لإعادة التأكيد على أن الأمور ليست كما يظنها البعض. فحزب الله لم يكن يوماً يحظى بالإجماع العربي ليفتقد إليه اليوم. بل إن الدول العربية وتحديداً السعودية كانت في مقدمة المتآمرين عليه، والفارق اليوم بأن ذلك خرج للعلن. أما بالنسبة للوضع الداخلي اللبناني، فلم تكن قوة حزب الله يوماً رهن التغيرات الداخلية. بل إن الواقع الحالي، كما يُدرك الكثيرون وتحديداً الطرف الأمريكي، يمكن أن يتحول لصالح حزب الله، في حال حاول أي طرف إقليمي أو محلي لبناني إسقاط معادلة الإستقرار والإستقواء بالداخل.
- وهنا فإن إطلالة الأمين العام لحزب الله جاءت لتؤكد بأن ميزان الردع أو معادلة الرعب التي كانت تسود بين الطرفين حزب الله والكيان الإسرائيلي، ما تزال قائمة، ولم تتغير. بل إن السيد نصر الله، خرج ليُضيف على تلك المعادلات، ما هو أخطر، أي إمكانية ضرب حاويات الأمونيوم أو أي هدف نووي على مساحة الأراضي المحتلة كافة. أضف الى ذلك، كل القدرات العسكرية والتي استحوذ عليها حزب الله من خلال تجربته في سوريا، حيث استطاع الإنتقال الى خلق تكتيكٍ عسكريٍ جديدٍ يتناغم بين الحرب النظامية وحرب العصابات، الأمر الذي أكسبه القدرة على التحكم بالهجوم كما الدفاع.
إذن نجح حزب الله في استباق الحرب الثالثة. بل بدأ حزب الله بحربٍ نفسية، ليست فقط تهديداتٍ تحتاج الى أدلة، بل كلامٌ صادرٌ عن أمينه العام، والذي أصبح خطابه مرجعية الكيان الإسرائيلي للمعلومات التي يجب أن يأخذها الکيان الإسرائيلي بالحسبان. لكن القرار الإسرائيلي والذي سيتأثر حتماً بتصريحات السيد نصر الله، يمتلكه اليوم الثلاثي نتنياهو ووزير دفاعه موشيه يعالون ورئيس الأركان غادي إيزنكوت. فيما يمكن القول بأن قراءات هؤلاء، هي التي تحدد مسار الأمور على الصعيد الإسرائيلي. بينما بات يعرف الجميع، أنه بموازين الربح والخسارة، تُعتبر أي حربٍ على حزب الله ضرب غباءٍ مُكلف. فالحروب قد تبدأ لمجرد أن أحد الأطراف يمتلك حساباتٍ خاطئة، فيما قد يكون التعقُّل سبباً في الرضوخ لواقعٍ أصبح فيه الطرفان يفهمان لغة الآخر، وقواعد اللعبة بينهما.