الوقت- تنطلق اليوم الاثنين جولة جديدة من مفاوضات السلام السورية في العاصمة السويسرية جنيف، وسط تراجع للآمال في إحراز تقدم في ظل المواقف المعلنة.
وأوضح المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا "ستيفان دي ميستورا" إن المفاوضات ستتركز على ثلاث مسائل، هي: تشكيل حكومة جامعة، وضع دستور جديد، وإجراء إنتخابات رئاسية وبرلمانية برعاية الأمم المتحدة بعد 18 شهراً تبدأ مع إنطلاق المفاوضات.
وتمثل النقطتان الأولى والثالثة جوهر الخلاف بين الطرفين، في ظل غياب صيغة واضحة ومحددة، سواء في قرارات الأمم المتحدة، أو في نصوص التفاهمات الأمريكية-الروسية.
ويبدو الخلاف كبيراً بين الجانبين؛ حيث تطالب المعارضة بإنشاء هيئة حكم إنتقالية، ذات صلاحيات تنفيذية كاملة؛ في حين تصر دمشق على تشكيل حكومة وحدة وطنية. والفرق بين الحالتين هو أن المنظومة الحكومية الجديدة في الحالة الأولى تكون مطلقة الصلاحيات؛ أمّا في الحالة الثانية فتخضع صلاحياتها لسلطة الرئاسة، ولا تكون مطلقة الصلاحية.
والمشكلة الجوهرية في أن وثائق "فيينا-1" و"فيينا-2" وميونخ، والقرارين الدوليين 2254 و 2268 لم تتحدث عن صيغة حكم واضحة، بل تحدثت عن صيغ عامة؛ فالفقرة الرابعة من القرار 2254 تقول "يعرب مجلس الأمن عن دعمه لعملية سياسية بقيادة سورية تيسّرها الأمم المتحدة وتقيم في غضون ستة أشهر حكماً ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية". و هذه الصيغة مقصودة من قبل واشنطن وموسكو، لترك تحديد شكل الحكم إلى مفاوضات التسوية.
وما زاد في تعقيد المسألة أن القرار 2254 تبنى مخرجات "جنيف-1" وفيينا1و2"، وبيان ميونخ، ما جعل كل طرف يتمسك بما يراه لمصلحته. فالمعارضة تتمسك بجنيف الأول، في حين تتمسك دمشق بمخرجات فيينا، حيث تقول الفقرة السابعة من بيان فيينا الأول؛ "في إطار العمل ببيان جنيف الأول وقرار مجلس الأمن 2118، وجّه المشاركون في المحادثات الدعوة إلى الأمم المتحدة لجمع ممثلي الحكومة السورية والمعارضة في عملية سياسية تفضي إلى تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية، على أن يعقب تشكيلها وضع دستور جديد وإجراء إنتخابات".
ووجدت دمشق في هذه الفقرة ما جعلها تتمسك بعبارة الحكومة لا بصيغة الحكم الإنتقالية، علماً أن بيان "فيينا2" قد أزال هذه العبارة في وثيقته، ويبدو أن هذا الغموض في الوثائق الدولية سيؤثر على مسار المفاوضات في جنيف 3.
في هذه الأثناء أكد وزير الخارجية السوري "وليد المعلم" أن الكلام عن مصير الرئيس "بشار الأسد" خط أحمر، وأن دمشق لن تحاور أحداً يتحدث عن مقام الرئاسة، فهذا الأمر يخص الشعب السوري وحده.
ووجّه "المعلم" نقداً للمبعوث الأممي "دي ميستورا" بالقول: لا يحق له ولا لغيره أن يتحدث عن إنتخابات رئاسية، فهي حق حصري للشعب السوري. وأضاف:" ليس هناك شيء في وثائق الأمم المتحدة يتحدث عن مرحلة إنتقالية في مقام الرئاسة، ولابد من التوافق على تعريف هذه المرحلة، وفي مفهومنا هي الإنتقال من دستور قائم إلى دستور جديد، ومن حكومة قائمة إلى حكومة فيها مشاركة مع الطرف الآخر".
أمّا كبير المفاوضين في وفد المعارضة المنبثقة عن مؤتمر الرياض "محمد علوش" فيقول: "إن المباحثات ستكون لتحقيق إنتقال سياسي في سوريا، وفق قرارات جنيف 1 والقرار الأممي 2254 القاضي بإنشاء هيئة حكم إنتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية".
وعشيّة بدء المفاوضات رفض "بشار الجعفري" سفير سوريا لدى الأمم المتحدة ورئيس الوفد الحكومي مطالب المعارضة السورية بشأن الإنتقال السياسي، بينما رفضت المعارضة التنازل عن تشكيل هيئة حكم إنتقالي، وطالبت واشنطن بالضغط على موسكو كي تضغط بدورها على الحكومة السورية لهذا الغرض.
وقال "الجعفري" في مؤتمر صحفي إنه لا يوجد ما تسمى فترة إنتقالية، مشدداً على أن تناول هذا الأمر يجب أن يكون بحذر، مشيراً في الوقت ذاته الى أن المفاوضات يجب أن تركز أولاً على القضايا التحضيرية.
من جانبه أكد المندوب الروسي لدى الامم المتحدة في جنيف "اليكسي بورودافكين" ضرورة أن تتخلى المعارضة السورية عن مطلبها بتنحي "الأسد" عن السلطة لأنه مطلب غير واقعي ولا يمكن أن يتحقق. وإنتقد "بورودافكين" موقف تركيا التي توعدت بنسف المفاوضات في حال حضور وفد عن الأكراد السوريين إلى جنيف.
وتبدأ جولة مفاوضات جنيف 3 بالتزامن مع دخول الأزمة السورية عامها السادس، وتختلف هذه الجولة من المفاوضات غير المباشرة بين الحكومة والمعارضة عن الجولتين السابقتين، في أنها تترافق مع إستمرار سريان إتفاق وقف إطلاق النار الذي لا يزال صامداً رغم تسجيل إنتهاكات.
يذكر أن الإتفاق الروسي - الأمريكي بشأن وقف إطلاق النار في سوريا دخل حيز التنفيذ في 27 فبراير/شباط الماضي، لكنه لا يشمل "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما من التنظيمات الإرهابية.
وكان المبعوث الأممي إلى سوريا "دي ميستورا" قد أكد في وقت سابق إن وقف إطلاق النار غير مرتبط بمدة زمنية محددة، معرباً في الوقت ذاته عن إعتقاده بأنه لا بديل لحل الأزمة السورية في حال فشل "جنيف 3".