الوقت - إنها قصة الديمقراطية الأمريكية واحترام حقوق الانسان وما إلى ذلك من شعارات رنانة جعلت منها أمريكا هالة تحيط بها. هالة من الزيف وادعاءات الزور التي لا تمت إلى الواقع بصلة. فمجددا تعود لتتكشف تفاصيل جديدة عن زيف الصورة التي رسمتها الأخيرة لنفسها حول أنها حامية الحريات وناشرة الديمقراطيات وأكبرها في العالم.
ففي تصريح أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان أكد المقرر الخاص في الأمم المتحدة خوان منديز أنه ممنوع من زيارة أمريكا من أجل دخول كل أماكن الاحتجاز. وطلبه معلق منذ 5 سنوات.
وحث الأخير أمريكا على التعاون والسماح له بزيارة السجون وكل أماكن الاحتجاز وإصلاح الاستخدام الواسع النطاق للحبس الانفرادي الذي يشمل عشرات الالاف. كما دعا إلى إجراء تحقيقات حول الانتهاكات الجسدية والاساءة التي يتعرض لها الموقوفون وخاصة الأمنيين منهم الذين يعانون من أسوأ ظروف الاعتقال خاصة في معتقل غوانتانامو، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات لحقوق الانسان. مؤكدا ضرورة الاسراع في اتخاذ الاجراءات الكفيلة بإغلاق المعتقل الذي لا يطابق المعايير الدولية.
كما دعا منديز الذي كان ضحية للتعذيب في الارجنتين قبل تسلمه منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة لشؤون التعذيب منذ 6 سنوات، دعا أوباما إلى أن ينفذ تعهداته باصلاح نظام العدالة الجنائية فيما يتعلق بالحبس الانفرادي. حيث أن الأخير كان قد صرح أن أكثر من 100 ألف شخص يقبعون في سجون انفرادية داخل أمريكا بما في ذلك القُصر ومن يعانون من أمراض عقلية. يُذكر أن أوباما كان قد وعد في وقت متأخر من فترة حكمه بحظر السجن الانفرادي على القصر وباصلاح نظام العدالة الجنائية، دون القيام باجراءات حقيقية إلى الآن.
وللإشراف على واقع السجون الأمريكية فهذه بعض الحقائق التي تشير إلى زيف ادعاءات أمريكا. فأمريكا تحوي في سجونها ما يقارب ربع سجناء العالم، أي حوالي 2.5 مليون شخص. كما يقضي حوالي 13 مليون أمريكي سنويا جانبا من حياتهم في نظام الاحتجاز الأمريكي الذي يشمل سجون الولايات، السجون المحلية، سجون الأمريكيين الأصليين، سجون الأحداث، السجون العسكرية، مراكز الاعتقال الأمريكية في الخارج ومراكز الاحتجاز التي تديرها سلطات الهجرة والجمارك. وهذه الأرقام تُعد مرعبة ويعزو البعض السبب في ارتفاع هذه الأرقام إلى المؤسسات والشركات الأمنية الخاصة التي تدير جزءاً كبيراً من السجون الأمريكية والتي من مصلحتها رفع أعداد المعتقلين.
ومن جهة ثانية فأمريكا باتت تُعرف بمنسوب العنف الفائض من قبل الشرطة اتجاه بعض الجماعات بالخصوص كالسود والأمريكيين الأصليين من الهنود الحمر. وهذه السياسة العنصرية تزيد من أعداد المعتقلين تعسفيا ولأسباب عنصرية ناهيك عن القتلى ممن تقتلهم الشرطة لنفس الأسباب.
أما ما يخيف أكثر فيما يتعلق بالسجون الأمريكية فهو المافيات المتواجدة داخل هذه السجون والتي تكبر شيئا فشيئا تحت مرأى ومسمع السلطات الأمريكية. فهناك آلاف المافيات تقبع وراء جدران السجون وتدير عملياتها من داخله عبر إمكانات مالية وتكنولوجية ضخمة متوفرة في حوزتهم داخل جدران السجن أيضا. ومن المعروف أن السجناء الجدد لا خيار أمامهم سوى الانضمام إلى واحدة من هذه المافيات لتحميهم. وبذلك يمكن القول إن السجون لم تعد تلعب دورها الحقيقي في إصلاح المسجونين بل أصبحت تلعب دورا معاكسا تماما في نشر الجريمة المنظمة وتوسيع نطاق الاتجار بالمخدرات والسلاح بما في ذلك من آثار مدمرة على المجتمع الأمريكي الذي يعاني أصلا من مشاكل اجتماعية كثيرة. فلا يمر يوم دون أن تحصل عملية إطلاق نار وقتل أبرياء إن في المدارس أو الجامعات. كما أن ظاهرة تعاطي المخدرات هي الأعلى عالميا. وبالتدقيق في بعض القوانين الأمريكية يقتنع المرء أن الأمر ممنهج، فموضوع حمل السلاح مثلا، لم يتمكن إلى اليوم المشرع الأمريكي من اصدار قانون يمنعه. مما يؤكد الترابط الوثيق بين تجار السلاح والمخدرات إضافة إلى الشركات الخاصة التي تدير السجون واللوبيات الاقتصادية الضاغطة على قرار المشرع الأمريكي.
ختاما من الجيد الاشارة إلى أن بعضا من حديث منديز أتى في جوابه على سؤال حول ما صرح به مرشح الجمهوريين الأكثر حظا للانتخابات الرئاسية الأمريكية "دونالد ترامب" والذي قال إنه يرغب في تعديل القوانين التي تمنع التعذيب في أمريكا. لأن بعض الارهابيين لا يحترمون أي قواعد أو قوانين وأمريكا لديها قوانين صارمة جدا. مما ينذر بالأسوأ في المستقبل، فعلى رغم وجود قوانين تمنع التعذيب فان أمريكا من أكثر البلدان انتهاكا لحقوق الانسان والمعتقلين خصوصا بعد أحداث 11 أيلول، بحجة مكافحة الارهاب والحفاظ على الأمن القومي كان بامكان وكالة الاستخبارات الأمريكية انتهاك أبسط الحقوق الانسانية وهتك الحرمات وتنفيذ أبشع الجرائم تحت مسميات أمريكية سامية.