کوبا الجزيرة الصغيرة الجمیلة , الجريئة , حيث يحلو القمر ليلا والتجول في الأسواق نهارا وسط انغام الموسيقى الاسبانية الثورية. هناك حيث بنى الفقر أجمل البيوت البسيطة , وحاك الناس ابتسامات على وجناتهم السمراء التي تحكي قصة جور اميريكي خبيث وبقيت تبتسم .. كوبا الجزيرة الثائرة العزيز أهلها - أكثر من بعض دول شبه جزر في هذا العالم – تحكي قصة دولة متواضعة محبة رسمت بالصور على الطريق بين هفانا وسنتا كلارا قصة ثورة رجال أتت من خلف البحر بزورق , حطت على شواطئ البحر الكاريبي , فلونته زرقته بالأحمر . ومضى الثائرون ذكريات وصور واثار لتعيش كوبا بشعبها المحب المتواضع الأصيل قصة نضال تدين له , حين رفضت كوبا فيها دكتاتورية امريكية مموهة بحديقة جميلة , وقررت أن تستمر رغم الصعوبات الاقتصادية تزرع الورود بنفسها وتلف السيجار الكوبي وتبيعه لتعتاش في رغد عيش سعيدة , وهي ترقص فرحا بعزتها وتختال بعنفوانها وتناهض رغم صغرها وموقهعا الجغرافي الحساس البلد الذي كان يدعى اعظم دولة في العالم , وتقهره لتكون شوكة في قلب التنين .
کوبا .. الثورة التی لم تبیع نفسها.. القابعة وفق الخارطة الجغرافية فيما يشبه فک الکماشة مقابل السواحل الامريکية التي تحيط بالجزيرة المشاغبة وفق الرؤية الأمريکية . وبالرغم من الجغرافيا المتقاربة والدقيقة ، تعد الجمهورية الکوبية من الدول المعادية والمناهضة للولايات المتحدة الاميرکية ، حيث تسود القطيعة العلاقات بين البلدين منذ حوالي نصف قرن من الزمن .
محطات مصيرية موجزة في تاريخ الجمهورية الکوبية:
2 ديسمبر/ كانون الأول 1956، تاريخ التحول وبداية فصل جديد من فصول السياسة ونظام الحکم في الجزيرة الکاريبية. حيث وصل الی الشواطئ الكوبية قارب صغير يعرف باسم غرانما ، يحمل علی متنه شخصا اسمه فيدل كاسترو مع مجموعة من 82 شخصاً. لم تکن الرحلة للاستجمام کعادة القوارب التي ترسو علی الشاطئ الجميل ، انما کانت حركة مقاومة مسلحة قصدت کوبا عبر سواحلها وأقامت في سلسلة جبال سييرا مايسترا ، لتخط تاريخ ثورة رسمت للجزيرة معالم سياسية جديدة انهت فيها اعتقادا امريكيا كان سائدا يستبيح فيها حرمة الجزيرة معتبرا أنها الحديقة الجميلة لأثرياء أمريكا , متناسية أن دكتاتورية حكم باتيستا الرئيس البار لأمريكا حينها تدمي قلوب الكوبيين التائقون الى رغد عيش لكن بكرامة وسعادة.
بحلول أواخر عام 1958، انتشر المتمردون خارج سلسلة جبال سييرا مايسترا، ودعوا إلى تمرد شعبي عام. بعد أن استولوا على سانتا كلارا، ففر رئيس کوبا حينها فولجنسيو باتيستا بشكل درامي من هافانا في 1 يناير/ كانون الثاني 1959 إلى المنفى في البرتغال لتنقطع بفراره اوتار اليد الامريكية المهيمنة على الجزيرة.
عرفت کوبا وشعبها منذ ذاک الحين ما سمي بقادة الثورة هم كاميلو سيينفيغوس وتشي غيفارا وراؤول كاسترو وشقيقه فيدل كاسترو الذين أسقطوا الديكتاتورية العسكرية انذاک ، وعلى الرغم من تسليح حكومة الولايات المتحدة وتمويلها لباتيستا وتغلغل عملاء الـ CIA داخل جيش عصابات كاسترو لافشال الثورة.
دخلت قوات كاسترو العاصمة يوم 8 كانون الثاني/ يناير 1959. بعد ذلك بوقت قصير، أصبح المحامي الليبرالي الدكتور "مانويل أوروتيا ليو" رئيساً، بدعم من حركة 26 يوليو، لأنهم ظنوا أن تعيينه سينال ترحيب الولايات المتحدة. أدت الخلافات داخل الحكومة إلى استقالة أوروتيا في يوليو / تموز
1959. وحل محله "أوزفالدو دورتيكوس" الذي شغل منصب الرئيس حتى عام 1976. بعدها أصبح كاسترو رئيسا للوزراء في شباط / فبراير 1959، خلفًا لخوسيه ميرو في هذا المنصب فکانت ولادة کوبا الجديدة التي أنتجت معها توجهات سياسية شکلت صدمة للولايات المتحدة الامريکية.
بداية الازمة بين کوبا الثورية والولايات المتحدة الامريکية :
طور ولادة الجمهورية الکوبية الثورية وما نتج عنها من تغيرات في مسار العلاقات الدولية لهذا البلد الثائر، التي لم تصب ثورته في مصلحة الولايات المتحدة الاميرکية ، بادرت الاخيرة الي فرض حظر اقتصادي على كوبا.
في ربيع عام 1960، قال وزير الخارجية الاميركي كريستيان هيرتا: " ينبغي استخدام أية وسائل ممكنة وعلى نحو سريع بغية إضعاف الحياة الاقتصادية في كوبا والتسبب بالجوع واليأس والإطاحة بالحكومة ."
عام 1962 , جرى تعليق عضوية كوبا من منظمة الدول الأمريكية مجاراة للرغبة الامريکية ، مما أسس لأزمة کبری بين البلدين ، وأحدث قطيعة في العلاقات علی کافة المستويات ما زالت حتی تاريخنا هذا.
بحلول عام 1963، كانت كوبا تتجه نحو نظام شيوعي كامل على غرار الاتحاد السوفياتي . مما دفع الولايات المتحدة لفرض حظر دبلوماسي وتجاري شامل على كوبا، وبدأت عملية " النمس الشهيرة " - إحدى برامج الاستخبارات الأمريكية السرية – التي استهدفت النظام الکوبي الجديد التي لم تؤدي لنتائج فعالة بالنسبة للولايات المتحدة وزادت من حدة التوتر في العلاقات.
بعدها حاولت أمريكا إسقاط الحكومة الكوبية من خلال الزج بقوة من المنفيين الكوبيين التي دربتها على اراضيها مع دعم عسكري وأمني عبر وكالة الاستخبارات الامريكية قدمتها لهم في عملية سميت " غزو خليج الخنازير " ، التي بدأت في نيسان / أبريل عام 1961، أي بعد أقل من ثلاثة أشهر من تنصيب جون كينيدي رئيسًا للولايات المتحدة.
هزمت القوات الثورية المسلحة المدربة من قبل دول الكتلة الشرقية، قوات المنفيين في ثلاثة أيام وفشلت العملية . كما ازداد تدهور العلاقات الأمريكية الكوبية في العام التالي مع ما عرف بأزمة الصواريخ الكوبية، عندما طالبت إدارة كينيدي بالسحب الفوري للصواريخ السوفياتية التي نشرت سرا في كوبا، والتي جاءت رداً على نشر الصواريخ النووية الاميركية في تركيا والشرق الأوسط . اتفق السوفييت والأميركيون حينها على إزالة الصواريخ السوفييتية من كوبا والصواريخ الأمريكية من تركيا والشرق الأوسط في غضون بضعة أشهر. كما وافق كنيدي أيضًا على تقديم وعود بعدم غزو كوبا مستقبلاً .
ومع هذه الصراعات الماضية التي حصلت , والحظر الامريکي علي کوبا بقيت حتي يومنا هذا العلاقات بين البلدين تتسم بالتوتر والقطيعة ، مع المحاولات الخجولة التي تمت بمبادرات من قبل دول امريکا الجنوبية لفک الجمود والقطيعة .
ففي تاريخ 22 ـ 8 ـ 1975 أطلقت الولايات المتحدة سراح سفينة صيد كوبية ضبطت فى المياه الإقليمية الأمريكية، وبعدها تقرير وزارة التجارة الأمريكية فى 13 ـ 10 ـ 1975 الذى يهيب بالحكومة الأمريكية أن تعيد علاقاتها التجارية مع كوبا، وفى 23 ـ 11 ـ 1975 وافقت الولايات المتحدة أن تبيع الدول الغربية سلعا إلى كوبا تحوى أكثر من 20 فى المائة من عتاد من أصل أمريكي، ولكن هذه المؤشرات أفسدها حينها تدخل كوبا فى أنغولا فى 1 ـ 11 ـ 1975، ومناداتها باستقلال بورتوريكو
في تناغم مع توجهات الاتحاد السوفياتي حينها.
بعدها في 3 يونيو / حزيران 2009، اعتمدت منظمة الدول الأمريكية قرارًا يضع حداً لاستبعاد دام 47 عاماً لكوبا. كانت الاجتماعات مثيرة للجدل حيث انسحبت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في إحدى المراحل، ولكن في النهاية وافق الوفد الأمريكي مع الأعضاء الآخرين على القرار ، بالرغم من اعلان الزعماء الكوبيين مرارًا عن عدم رغبتهم في العودة للانضمام لمنظمة الدول الأمريكية.
کل هذه المحاولات لم تکن الا صدی واهيا ولم تجد لها من ترجمة عملية علی أرض الواقع ، في ظل تفاقم العجز الاقتصادي الکوبي نتيجة العقوبات الامريکية ، ما دفع بکوبا أن تجعل من اولی مطالبها رفع العقوبات الاقتصادية عنها قبل أي محادثة بينها وبين اميرکا. وهذا ما لم يحصل رغم المؤشرات الايجابية التي بدأت مع بداية ولاية باراك اوباما ولكن دون أن تتخذ لها سبلا عملية للتقدم وبقيت كلاما دون اي اجراءات فعلية تظهر حسن جدية الادارة الامريكية , فبقيت العلاقات متوترة بين الدولتين وكل المحاولات ذهبت ادراج الرياح .
التطور الحالي على مستوى العلاقات – اخر المستجدات
الیوم , في ظل الوضع العالمي الجديد الطور الولادة , العالم الذي يشهد أفول التغطرس الامريكي وهيمنته على العالم , وغرقه في أزمات اقتصادية وسياسية وامنية نتاج ما جنت يداه وسياساته . تعود الى الواجهة اشارات تقارب جديد قد يحمل للجزيرة المتمردة الفقيرة بشائر انتصار كبير جدا سيزيد صور تشي غيفارا ابتسامة وقلبا راؤول وفيديل كاسترو طمأنينة. فقد انتج الصبر الكوبي العنيد اعتذارا واعترافا امريكيا عما مضى تجاه هذا البلد الجار الفقير الذي عاش ينظر الى المقلب الاخر من الساحل حيث الترف والمجون الامريكي يعيش غير آبه بما تفعله سياسة الحصار والعقوبات لشعب اراد ان يحيا الحياة كما يحب بحرية, وكأن الأطفال السمراء في كوبا لا تملك حق ما تملكه الاطفال الشقراء في الولايات المصطنعة الامريكية.. كوبا وصنيع الديموقراطية الامريكية والحريات المفخخة تثبت مجددا أن القوة والمواجهة السبيل الوحيد لانتزاع الحقوق من قلب التنين الامريكي الحاقد المنافق.. كوبا تسطر نصرا بعد صمود اعوام قاسية تلهى فيها الشعب الكوبي بموسيقى السالسا الاسبانية والرقص فوق رمال الشواطئ الكوبية الذهبية , ليسكن الألم من معاناته طيلة الأيام الماضية..سكن الألم بابتسامة شعب السالسا وأتى النصر على قارب غرانما مجدداً ..
هذا سنعالجه في المقال التحليلي ( الجزء الثاني ) حول اخر مستجدات العلاقة الامريكية – الكوبية.