تعتبر ظاهرة الاستيطان ظاهرة ديناميكية مستمرة يضاف إليها اليوم أبعادا جديدة، باعتبارها حالة لم يكتمل فيها الشكل الذي يسعى إليه المشروع الصهيوني. حیث يشكل الاستيطان حجر الزاوية في الفكر الصهيوني، وهو الأسـاس الـذي تعتمـده حكومات الکيان الإسرائيلي لإضفاء الأمر الواقع السكاني على توسعاتها العسكرية المتتالية، ليصبح الاستيطان جوهر الصراع اذ يعتبر الوسيلة والهدف للصهيونية وللکيان الإسرائيلي، حيث لم يقتصر على عملية البناء الصهيوني بل تلازم مع عملية هدم للمجتمع العربي الفلسطيني القائم، لذلك فان الأخطار ليست مرحلية فقط، بل إنها تظل كامنـة فـي المـستقبل.
منذ أن قامت الکيان الإسرائيلي باحتلال مدينة القدس عام 1967م، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي الذي يعتبر الاستيطان الإسرائيلي في كل الأراضي المحتلة غير شرعي وفقا للقانون الدولي بدأت اطماعه تتوسع امام صمت عربي مطبق مدروس. ولکن اسرائيل کعادتها تضرب القانون الدولي بعرض الحائط وترفض وقف الاستيطان في الاراضي المحتلة وعلى الاخص المدينة المقدسة. فهي تعمل جاهدة للسيطرة عليها وتغيير معالمها بهدف تهويدها وإنهاء الوجود العربي فيها، وقد استخدمت لأجل ذلك الكثير من الوسائل وقامت بالعديد من الإجراءات ضد المدينة وسكانها، حيث كان الاستيطان في المدينة وفي الأراضي التابعة لها أحد أهم الوسائل لتحقيق هدف إسرائيل الأساسي تجاه مدينة القدس.
احصائيات استيطانية:
وفق اخر احصاء اجرته وزارة الداخلية للکيان الإسرائيلي قبل حوالي عام، يعيش 350150 مستوطنا يهوديا في 121 مستوطنة في الضفة الغربية، ويعيش 300000 إسرائيلي في مستوطنات في القدس الشرقية وأكثر من 20000 يعيشون في مستوطنات في هضبة الجولان السوري المحتل. و تتراوح المستوطنات في طبيعتها بين المجتمعات الزراعية والقرى الحدودية إلى الضواحي والأحياء الحضرية. و تشکل موديعين عيليت، ومعاليه أدوميم، وبيتار عيليت وأريئيل (أكبر أربع مستوطنات في الضفة وهي مستعمرات وصلت لحجم مدينة ، فأريئيل يقطنها 18000 صهيوني في حين أن بقية المستوطنات تتراوح بين 37000 إلى 55500 مستوطن لكل منها.
لا شك أن عملية الإستيطان "الإسرائيلية" في الضفة الغربية المحتلة لها آثار كبيرة على السكان الفلسطينيين يمكن تلخيص هذه الآثار بالنقاط التالية:
- فصل شمال الضفة عن جنوبها وما يترتب على ذلك بالتالي من التحكم في حركة الفلسطينيين المتنقلين بين شطري الضفة وهذا ما يساهم بطبيعة الحال بقطع التواصل الجغرافي بين أنحائها وتقسيمها إلى بقع متناثرة، يسهل على الكيان الإسرائيلي فرض سيطرته وارهابه عليها وبالتالي الحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومتواصلة جغرافيا.
- عزل مدينة القدس وضواحيها عن محيطها الفلسطيني في الشمال والجنوب والشرق وبالتالي إبقاء الفلسطينيين من سکان هذه المدينة المقدسة وضواحيها في حالة خوف ورعب معزولين ومبعدين كرها عن اقربائهم و شعبهم بشكل دائم، من خلال الاعتداءات المتكررة عليهم من قبل المستوطنين المدججين بالسلاح والمحميين من قبل قوات الاحتلال.
- مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي التابعة للقرى التي أقيمت عليها المستوطنات وتهديد بعض القرى والتجمعات الفلسطسنية بالإزالة، وخاصة تلك التي تعترض تنفيذ المشروع التوسعي الصهيوني الهادف إلى دمج العديد من المستوطنات المحيطة بالقدس المحتلة.
- تطويق التجمعات السكنية الفلسطينية والحد من توسعها الأفقي والعمودي لاستيعاب التزايد الطبيعي للشعب الفلسطيني الذي يعتبر من أكثر شعوب المنطقة في معدل النمو السكاني مما يشكل عامل ضغط أضافي على المجتمع الذي يعاني اصلا من الدخل المحدود وارتفاع مستوى المعيشة ويدفعه بالتالي الى الهجرة عن ارضه.
- عملت إسرائيل على استيطان الأراضي الزراعية وإبعاد المزارعين عنها، وإقامة المستوطنات والبؤر الاستيطانية عليها، وشق الطرق الالتفافية بغرض تضييق العيش على العرب والمسلمين من اجل اجبارهم على ترك اراضيهم والهجرة الى خارج فلسطين مما يمهد لسلبها لاحقا.
- خلقت اسرائيل في الاراضي المحتلة نظام الفصل المبني على التحفيز فقامت الحكومات الصهيونية المتعاقبة، باتباع سياسة ممنهجة ومشجعة لهجرة المستوطنين الى الضفة الغربية. من اجل ذلك، قامت هذه الحكومات بمنح مكافآت مادية وحوافز اقتصادية لهم، من اجل رفع مستوى حياة هؤلاء بغرض تشجيع الهجرة للمستوطنات.
- أضف الى كل ماسبق هناك عامل مهم جدا الا وهو الهدف الأمني حيث يسعى الاحتلال من انشاء مستوطناته في الضفة الغربية الى جعلها خطوط دفاع أمامية في مواجهة حركات المقاومة من خلال تزويد هذه المجتمعات بكافة أنواع السلاح وجعلها نقاط متقدمة لأي هجوم.
الاسرائيليون اليوم وعلى اختلاف مشاربهم يجمعون من اقصى يمينهم الى اقصى يسارهم على شعار"الاستيطان اولا"، وعلى ان الاستيطان اليهودي هو ما أمر بهم تلمودهم وحاخاماتهم، حيث ان المستوطنين هم طلائع الدولة الصهيونية و"نواة اسرائيل من النيل الى الفرات"، لذلك لا نرى احد في كيان العدو من كبار قادته السياسيين والعسكريين حتى أصغر مستوطن ينتقد الاستيطان او يطالب بوقفه مثلا. فالاستطيان مغروس في هذا المجتمع من رأسه حتى أخمص قديمه و يجمعون على مواصلته وعلى انهم في سباق مع الزمن من اجل زرع المستعمرات في كل فلسطين المحتلة من الحدود مع لبنان حتى صحراء النقب. والتی یعتبرونها حقائق يثبتها الزمن وسيضطر الفلسطينيون عاجلا أم اجلا للتعامل معها على أنها أمر واقع لا مجال لاقتلاعه مهما كثر الحديث عن تسويات او مفاوضات. فتلجأ سلطات الاحتلال يوميا لمصادرة الاراضي بذرائع مختلفة وتقوم بتكريس مخطاطتها الاستيطانيه بمزيد من البؤر هنا وهناك. والحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تعمل منذ فترة على نحت خريطة الضفة الغربية بما يناسب تهويدها وتجعل الراي العام الدولي يتعامل مع هذا الامر كأنه بلاحول ولاقوة على مجابهتة. رغم الدعوات الاعلامية الخجولة لوقف الاستيطان والتهديد الفارغ لحكومات الكيان .
كل هذه الممارسات الاستطيانية الصهيونية لتبيدل المعالم الأثرية العربية والإسلامية، في كل الاراضي الفلسطينية وتحديدا في المدينة المقدسة حيث يقوم باوسع واخطرعملية تزييف في التاريخ، تشير بما لايدعو للشك بعدم جدية العدو الصهيوني في عملية التسوية، وهويسعى لكسب الوقت لتعزيز استيطانه على كل الاراضي المحتلة بالقوة. وفق الفلسفة الصهيونية التي تقوم على مفهوم وسياسة فرض الأمر الواقع فليس في الأفق ما يؤشر إلى إحتمال إتخاذ الامم المتحدة أية إجراءات عقابية ضد سياسة كيان الإحتلال وسط سكوت مطبق وعدم مبالاة في العالم العربي لذلك على الفلسطينيين، ان يخرجوا عن الاسلوب المتبع حتى الآن، المتمثل باصدار بيانات الاستنكار والاكتفاء بالمظاهرات البسيطة الاسبوعية هنا وهناك في المدن والقرى الفلسطينية، فهذا العدو لايفهم الا بلغة القوة ولنا في التاريخ القريب عبرة.