الوقت ـ الاحداث التي شهدتها المنطقة خلال الاعوام الخمسة الماضية، يمكن أن تكون صورة واضحة بالنسبة الی الاكراد في سوريا والی حد ما لاكراد العراق ايضا. حيث يستطيع الاكراد من خلال دراسة الاحداث التي شهدتها مناطقهم خاصة في سوريا خلال هذه الفترة، معرفة الاطراف الصديقة والمعادية لهم. وفي هذا السياق يمكن الاشارة الی لاعبين أساسيين وهما أمريكا وروسيا، كلا منهم يحاول الوصول الی أهدافه الخاصة في المنطقة من خلال تعاونهم مع الاكراد. لكن السياسات التي رأيناها خلال الاعوام الخمسة الماضية من قبل واشنطن وموسكو في تعاملهم مع الكرد تختلف الی حد كبير. حيث أن إذا ما نظرنا الی الدعم الروسي للاكراد خاصة في سوريا في حربهم ضد داعش، نجد أن روسيا قدمت الكثير من الدعم العسكري للاكراد هناك لتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم أمام إرهابيي داعش، وهذا ما جعل الاكراد يحافظون علی مناطقهم ويلحقون الكثير من الخسائر بتنظيم داعش الارهابي. لكن علی عكس هذا الدعم الروسي للاكراد فنلاحظ أن أمريكا لم تقدم أي دعم لهم عندما اجتاحت عناصر داعش، المناطق التي يقطنها الاکراد في شمال العراق. وحتی بعد أن شكلت واشنطن ما يعرف بالائتلاف الدولي لمحاربة داعش، فان هذا الائتلاف بدل أن يستهدف عناصر داعش، فقد استهدف الوحدات الكردية التي كانت تقف بوجه تنظيم داعش وبررت واشنطن هذا الاستهداف بانه حصل عن الخطأ!.
علی الاكراد أن يسألوا أمريكا عن أسباب مماطلتها في القضاء علی داعش الذي تلطخت يده بدماء الآلاف من الاكراد في سوريا وكذلك العراق. هل أن أمريكا ضعيفة الی هذا الحد حيث أنها لم تستطيع القضاء علی داعش عبر ائتلافها الذي تشارك فيه أكثر من 60 دولة!. بالطبع فان الجواب واضح. حيث أن أمريكا تستطيع القضاء علی داعش خلال فترة قصيرة جدا، لكن علی العکس من ذلک، فقد تسعی أمريکا ان تجعل الاكراد يستجدون الدعم من واشنطن، وكذلك تحاول أن تجعل الاكراد يشعروا بالحاجة الماسة دائما الی الأمريکيين، لحماية أنفسهم. والهدف من کل ذلک هو أن يکون بوسع أمريکا فرض إملاءاتها علی الاكراد في سوريا وکذلک العراق. لكن علی العكس من ذلك فبالاضافة الی الدعم الروسي للاکراد، فقد عرضت إيران ايضا مساعدتها ودعمها الکامل للکرد، دون اي مقابل، لحماية أنفسهم في العراق وكذلك دعمت إيران الحكومة السورية لتتمكن من حماية مواطنيها الاكراد عندما أعلنت داعش علیهم حربا ضروس.
الدول الغربية وفي مقدمتها أمريکا باتت تسعی جميعها في الآونة الاخيرة الی استقطاب الاکراد والاقتراب منهم خاصة في سوريه، للوصول الی طموحاتهم في المنطقة. الكل يعرف أن للاكراد ايضا طموحات في هذه المنطقة، وفي هذه المرحلة يحاول الغرب دغدغة هذه الطموحات الكردية. كلنا نعرف جيدا أن الدول الغربية وخاصة أمريكا تحاول إضعاف الدول التي توجد فيها القومية الكردية، من خلال حثهم علی الانفصال من هذه الدول. هذه اللعبة إذا ما وقع الاكراد في شباكها فستكون خطيرة للغاية علی الاكراد انفسهم في الدرجة الاولی، ولها عواقب خطيرة جدا ايضا علی الاوطان التي يعيش فيها الاکراد.
نحن لا نشك في ولاء الاكراد بالنسبة الی اوطانهم علی الاطلاق، حيث ضحوا من أجل الدفاع عن هذه الاوطان طيلة القرون الماضية حتی اليوم، ولا نعتقد أن الاكراد سينخدعو بالاحلام الوردية التي تحاول ان ترسمها لهم أمريكا والدول الغربية، لانهم يعرفون جيدا أن هذه الدول تريد تفتيت الوحدة الترابية للدول التي يعيش فيها الاكراد خاصة سوريا والعراق، لكي تصبح جميع دول منطقتنا خاضعة الی الهيمنة الامريكية ولا حول ولاقوة لها أمام التفوق الإسرائيلي. ولهذا فان من ينظر بعيدا الی الموضوع الكردي في المنطقة، من المفترض أن يری المخطط الشرير الذي تسعی للوصول الیه أمريكا وهو إدخال الاكراد في دوامة عنف واشتباك مع أبناء جلدتهم والدول التي يعيشون فيها، ولهذا يجب ان يكون الوعي من قبل الاكراد تجاه ما يحاك لهم من مؤامراة غربية، وعيا عالیا.
ومن يلقي نظرة خاطفة علی أحداث تاريخ المنطقة خلال الـ 100 عام الماضية، سيری ان الغرب استفاد من الاكراد خلال هذه الفترة وخاصة بعد تشكيل الامبراطورية العثمانية، للضغط علی دول المنطقة مثل إيران وتركيا. وللاسف فقد تمكنت الدول الغربية فی الکثير من الاحيان تحقيق مصالحها غير الشرعية في المنطقة، عبر الورقة الكردية والعزف علی وتر القومية والطائفية.
إذن نظرا لامتناع أمريكا عن دعم الاكراد خلال الاعوام الماضية ضد داعش ومماطلاتها في عدم القضاء علی هذا التنظيم الذي يهدد الاكراد في سوريا والعراق، لا يمكن للاكراد أن يثقوا بواشنطن في المستقبل، ولهذا فعلی الاكراد أن يعززوا من إنتمائهم الوطني وعلی الاخص في سوريا، ويزيدوا من لحمتهم وامتزاجهم في نسيج مجتمعاتهم التي يعيشون فيها، لكي يضمنوا لانفسهم حاضنة شعبية في اوطانهم ورصيدا امنيا قويا يمكن الاعتماد علیه عند الحاجة، إذا ما شهدت المنطقة دواعش جدد في المستقبل.