الوقت- في خطوة متأخرة جداً تبنى البرلمان الأوروبي قبل أيام وبغالبية كبيرة مبادرة ترمي إلى فرض حظر على الأسلحة الأوروبية إلى السعودية، منتقداً عدوانها المتواصل على اليمن والذي أسفر حتى الآن عن سقوط الآلاف من القتلى والجرحى جلّهم من النساء والأطفال، وأدى كذلك إلى تدمير البنى التحتية في هذا البلد.
ودان النواب الأوروبيون الحصار الشامل المفروض على اليمن وطالبوا خلال جلسة في بروكسل وزيرة خارجية الإتحاد الأوروبي "فيديريكا موغيريني" بتبني قرار حظر بيع الأسلحة الأوروبية إلى السعودية.
وعبّرت الكثير من المنظمات الإنسانية بينها منظمة "العمل ضد الجوع" الفرنسية عن إرتياحها لهذا القرار، ووصف المدير العام للمنظمة "مايك بينروز" القرار بأنه يمثل إشارة لكافة الدول الأوروبية للخروج عن صمتها وعدم المشاركة في الكارثة الإنسانية المتواصلة في اليمن، فيما أعربت منظمات أخرى عن أملها في أن يكون القرار خطوة نحو يقظة أوروبية حقيقية تستعيد بها دورها بعيداً عن الهيمنة الأمريكية.
وتجدر الإشارة إلى أن أمريكا تعد أكبر مزوّد للسعودية بالأسلحة مع مبيعات بلغت أكثر من 90 مليار دولار بين عامي 2010 و2014 بحسب الكونغرس. وبدلاً من إيقاف العدوان السعودي ومنعه من إستهداف المدنيين في اليمن وافقت واشنطن في وقت سابق على بيع قنابل بقيمة مليار و290 مليون دولار للرياض، لكن دول رئيسية في الإتحاد الأوروبي وقّعت أيضاً عقوداً بمليارات اليورو لبيع مختلف أنواع الأسلحة إلى السعودية بينها العقد الذي أبرمته باريس مع الرياض في أكتوبر/ تشرين الأول 2015 وبلغت قيمته أكثر من 10 مليارات يورو.
وسعت بعض الدول الأوروبية بينها فرنسا وبريطانيا إلى منع تبني القرار الأوروبي غير الملزِم بقطع بيع الأسلحة إلى السعودية باعتباره يعرّض الشركات الأوروبية الخاصة بإنتاج وبيع الأسلحة إلى مخاطر ماديّة، وقد يؤدي إلى خلق حالة من البطالة في صفوف الأوروبيين.
السؤال المطروح: لماذا قرر البرلمان إتخاذ مثل هذا القرار في هذا الوقت بالذات؟
للإجابة عن هذا التساؤل لابدّ من الإشارة إلى الحقائق التالية:
1 – إزدياد الإدانات في الأوساط الأوروبية الشعبية والسياسية والنخب الثقافية ومنظمات حقوق الإنسان للجرائم الوحشية التي يرتكبها النظام السعودي ضد الشعب اليمني التي قتلت وجرحت الآلاف من أبناء هذا البلد، ودمرت بناه التحتية والخدمية وفي مقدتمها المستشفيات والمدارس ومستودعات الغذاء والدواء ومحطات الوقود والطاقة الكهربائية وشبكات تزويد مياه الشرب.
وفي وقت سابق أعربت الأمم المتحدة عن قلقها لاستخدام قنابل عنقودية في اليمن من قبل التحالف السعودي - الأمريكي والتي إستهدف الكثير منها مناطق سكنية ومبانٍ مدنية، فيما وصف الأمين العام للمنظمة "بان كي مون" ذلك بأنه يرقى إلى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
وفي تصريحات تكشف بشاعة فعل الأسلحة الغربية التي تُباع للرياض وتستخدم في اليمن وصفت "تريسا سناكريستوفال" رئيسة الطوارئ في "منظمة أطباء بلا حدود" الهجمات التي يشنها التحالف السعودي على المستشفيات اليمنية بالوحشية وتتسبب بمعاناة هائلة، مؤكدة إن هذا التحالف لا يحترم قوانين الحرب ولا يعترف بالحصانة التي يجب أن تتمتع بها المرافق الطبية، داعية مجلس الأمن الدولي لفتح تحقيق في هذه الجرائم.
2- الإنتقادات الشديدة من قبل الكثير من المنظمات الحقوقية والإنسانية في الدول الغربية وغيرها لدعم السعودية الجماعات الإرهابية ومن بينها "داعش" و "القاعدة" والتي ترتكب جرائم شنيعة بحق الأبرياء لاسيّما في العراق وسوريا والتي لم تستثن حتى الدول الأوروبية، كما حصل قبل نحو ثلاثة أشهر نتيجة وقوع عدّة تفجيرات في فرنسا أسفرت عن مقتل وجرح المئات من الأشخاص.
3- إزدياد هجرة النازحين من منطقة الشرق الأوسط إلى القارة الأوروبية نتيجة العمليات العسكرية والإرهابية التي تمولها السعودية وحلفاؤها الإقليميين والدوليين في العديد من دول المنطقة لاسيّما العراق وسوريا.
4 – توجه السعودية لشراء السلاح من روسيا ودول أخرى، ما أدى إلى إنحسار مبيعاتها من السلاح من الدول الأوروبية. أي بمعنى آخر قررت العواصم الأوروبية الضغط على الرياض من خلال قطع بيع السلاح لها لإرغامها على التراجع عن سياستها الجديدة بشراء السلاح من دول أخرى غير أوروبية.
5 – فشل السعودية في الإستفادة الصحيحة من الأسلحة والتقنيات العسكرية الحديثة التي إشترتها من الدول الأوروبية والذي أضر كثيراً بسمعة الشركات المصنعة للأسلحة والمعدات العسكرية في هذه الدول.
هذه الاسباب وغيرها هي التي جعلت الدول الأوروبية تتخذ قراراً بالإحجام عن بيع المزيد من الأسلحة والتقنيات العسكرية إلى السعودية رغم الأضرار المادية التي قد تلحق بشركات صناعة وتصدير الأسلحة في هذه الدول.