الوقت- لا شك أن الوضع الاسرائيلي على كافة المستويات يظهر مدى ارتباك هذا الكيان ومروره بأزمات كبرى تتراكم شيئا فشيئا, دون وجود قيادة سياسية تستطيع ان تجد حلولا جذرية أو تقارب العلاج السليم لما يمر فيه هذا الكيان من مشاكل خطيرة جدا اجتماعيا وامنيا وسياسيا تضعه في حال من التصارع الداخلي.
كل هذا وسط ترقب الحلفاء لما يجري داخل الكيان العبري مع بداية تشكل اعتقاد بأن هذا الكيان لم يستقر بعد ولم ترسم له حدوده الثابتة بعد وبدلا من التوسع الموعود بعد مضي اكثر من 66 سنة على " صناعته ", تنتظرهذا الكيان انهيارات استراتيجية ناتجة عن سياساته الفوقية والعدوانية وتعنته في ادارة المفوضات والتكتيكات التي تفرض عليه اللين والتنازل احيانا لضمان الاستمرارية , فيما يقابله الاسرائيلي بالتطرف والتشدد والخشبية.
هذا وان كان وضع الحليف الامريكي المباشر للعدو ايضا ليس بافضل, فالتخبط مرض يصيب الادارة الاميركية التي تتصارع فيها التيارات الجمهورية مع الادارة الحالية, التي تحصد نتاج تراكم سياسات خاطئة تقف عاجزة امامها فضلا عن قرارات ووعود اطلقتها لم تستطع تحقيق أي منها في الواقع, فتجدها اليوم تتعطش لانجاز وتسعى بجهد الى تحقيق تقدم على مستوى التسوية في القضية الفلسطينية يقابل بتشدد اسرائيلي ورفض التنازل, وفي الملف النووي الايراني الذي ايضا تقف اسرائيل في وجه حصول تفاهم حوله, او على مستوى الملف الاوكراني الذي يكاد يعيد الى اذهاننا الحرب الباردة ويدفع بالعلاقات الروسية الاميركية الى المزيد من التدهور والسخونة والتصارع.
على الرغم من ذلك وبدل أن تستغل الأطراف الفلسطينية الوضع وتستثمر هذه الفرص لتجمع شملها وتتجه نحو اتخاذ قرارات جريئة للتهدئة والمصالحة, والسير وفق استراتيجية تتبادل فيها الادوار كل الاطراف بين السياسة والمقاومة, نجد الوضع الفلسطيني ايضا يشير الى مشكلة كبيرة تعاني منها الحركات الموكلة ادارة الشأن الفلسطيني , فهم يتخبطون بين دبلوماسية المفاوضات وبين استمرارية المواجهة العسكرية, وسط انزلاقات كبرى قامت بها بعض الاطراف الفلسطينية حين أعجبها بريق الربيع العربي الإخواني في مطلعه لتكون كبوة جواد كادت أن تؤدي الى نتائج كارثية تطيح بانجازاتها لولا تدخل الرعاية الاسرائيلية لتشن حربا على غزة تعيد لهذه الحركة وعيها وتعيد للعرب الذين يستقطبونها فرصة اثبات عمالتهم !!
في المقابل سياسة الاستمرار في تقديم تنازلات مجانية على طاولة مفاوضات يجالس فيها المفاوض الفلسطيني طيف مفاوض اسرائيلي موقفه مسبق بأن لا تنازل حتى ولو بوقف الاستيطان, بل يأتي الجواب في عملية قتل الشهيد زياد أبو عين ضربا على رأسه ببنادق جنود الاحتلال الاسرائيلي في وضح النهار, في رسالة اسرائيلية على السلطة الفلسطينية أن تفهمها جيدا وما تبعه من ادانة شكلية سخيفة من قبل دول العالم المتخاذل الذي تعول عليه السلطة الفلسطينية بشكل كلي لتحصيل حقوق الشعب الفلسطيني.
لا بل وفي ظل هذه الاجواء تجد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يصرح لصحيفة مصرية، إنه " لا يفرق بين حماس وداعش" في مؤامرة واضحة ضد المقاومة الفلسطينية التي يجهد بعض الأعراب في تدجينها كمقدمة لتجريدها من السلاح , وصهرها وتمييعها في مشاريع السلطة والحكم , وسط استمرار اقفال كل المنافذ التي تستفيد منها هذه المقاومة في صمودها ومنافذ الدعم لمقارعة العدو, فالذي يجري في سيناء تحت اسم محاربة الارهاب ما هو الامحاولة للنيل من قطاع غزة وصموده, فبالتزامن مع هذه الحرب المزعومه تدمر الانفاق وتقفل المعابر ولا يسمح بدخول مواد البناء الى غزة !!! ومن جهة أخرى تبادل حماس اتهام عباس والسلطة الفلسطينية باطلاق النار على منزل وسيارة النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني, عزام سلهب.
بالخلاصة نجد الاطراف الفلسطينية غارقة في زواريب ضيقة, فلاهم انجزوا المصالحة, ولاهم انطلقوا في اعادة بناء ما هدمته الحرب الاخيرة, ولاهم متفقون على تفعيل الانتفاضة واستثمار التطرف الاسرائيلي وغليان الشارع الفلسطيني داخل الكيان.
نعم كان يمكن للمصالحة أن تتم لو اتفق على برنامج حد أدنى لمواجهة العدو في فلسطين كل فلسطين سواء , في السياسة في المحافل الدولية اومن خلال تعزيز أشكال المقاومة الشعبية بكافة الأطر المدنية والعسكرية. لكن الهوة بين فريقي السلطة والمقاومة كبيرة و تزداد اتساعا يوما بعد يوم ,بالرغم انسداد افق المفاوضات نتيجة العدوانية الاسرائيلية التي بدت واضحة بأنها غير قابلة لتقديم أي تنازل على مستوى القضية.
ففرصة التقدم لطلب العضوية في الأمم المتحدة انتهت بانتهاء دورة الجمعية العامة، والانضمام للمنظمات الدولية ومحكمة الجنايات لم يتعد إطار التلويح والتهديد بالإقدام على هذه الفعلة والحديث عن وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل وحل السلطة الشكلي اصلا بات تهويلا ليس الا.
إن مسار مشروع السلطة الفلسطينية المقدم الى مجلس الأمن واضح المصير , فخلال المشاورات سيتم استبدال مشروع القرار الفلسطيني بآخر فرنسي عربي، يدعو إلى المفاوضات لمدة سنتين بإشراف دولي بدل من التسعة أشهر التي لم تسفر عن نتيجة بإشراف أميركي, على ان يتم تأجيل كل الإجراءات الفلسطينية التي يتم التهديد بها إلى حين انقضاء المدة الجديدة.
ان سياسة فن الممكن التي تنتهجها السلطة ستعطي العدو مهلة زمنية مجانية عبثية الرابح فيها العدو, الذي يعمل على الارض وفق ما يناسب مصالحه ضاربا بعرض الحائط كل الاعراف والقوانين والتفاهمات الدولية.
البديل طريق يؤدي إلى مصالحة حقيقية، وعمل موحّد في مواجهة العدو الاسرائيلي، تفعيل الانتفاضة الشعبية في الضفة وتشكيل إدارة وطنية في غزة. هذا الطريق الوحيد والمجدي والأقل كلفة على مستقبل الشعب الفلسطيني.
السلطة الفلسطينية بنهجها الحالي ورقة منتهية الصلاحية اصبحت بابا للتسويف والمماطلة واضاعة الوقت فعلى الرغم من الضعف الإسرائيلي الراهن، والارتباك الواضح في السياسة الأميركية والحرج الكبير على مستوى السياسة الدولية وحاجتها الكبرى لتحقيق انجاز يدعمها في الانتخابات القادمة, نجد الشعب الفلسطيني تائها بين قيادات أكل عليها الدهر وشرب وعاثت في القضية الفلسطينية تمييعا وتشتيتا وذبحا.
القيادة الفلسطينية ما زالت عاجزة عن أن تتلمس طريقها. ويوما بعد يوم، تثبت قدرتها في إضاعة الفرص وبالتالي فشلها في ادارة الشان الفلسطيني بشكل عام , فهل يجر الشارع الفلسطيني الذي يعاني من تطرف الصهاينة واعتداءاتهم المتكررة قيادته هذه المرة الى انتفاضة كبرى جديدة تدفع بالصراع الى ميادين مواجهة جديدة وحساسة للاسرائيلي وتنبئ بنتائج استراتيجية على مستوى الصراع القائم ؟؟
هذا ما ستحمله الأيام القادمة, وهذا ما عبر عنه سماحة السيد القائد الخامنئي (دام ظله) في اخر حديث حيث أشار الى ضرورة دعم الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية ومده بالسلاح والعتاد والدعم الكامل لمواجهة العدوان والحقد الاسرائيلي, ليرسم سياسات محور الممانعة في قادم الايام على مستوى الجبهة الداخلية الفلسطينية ويحث ويشجع الاطراف والشعب الفلسطيني على هذا التوجه الذي يحمل بشرى نصر كبير جدا, في مواجهة قد تأخذ بعض الوقت وتتخذ صراعا قاسيا وداميا لكن لها نتائج واثارهامة جدا لما للضفة الغربية من أهمية كبرى تمس الأمن الاسرائيلي في الصميم.
يبقى الأمل الوحيد في تشابك ايدي المقاومين شعبا ومنظمات داخل اراضي 48 , تحت وطأة الألم وأمام مشهد وممارسات الحقد الصهيوني, الكفيل بتوحيد وجمع الشعب الفلسطيني المشتت مع قياداته المتفرقة, التي يبدو أنها مجتمعة فقط على قرار الاختلاف وعدم الاتفاق.
هل تعيد مأساة وشهداء الضفة وال 48 لشريان الانتفاضة نبضه الخفاق ويساهم اندلاع المواجهة والمقاومة الشعبية في احراج الاطراف السياسية لتلتحق بها في معركة حفظ الوجود أمام عدو لا يعرف معنى السلام ولا يبدي اي استعداد جدي لتقديم اي تنازلات هي بالحقيقة حقوق مشروعة؟؟
ما فرقته غزة الأبيه، هل تعود الضفة الغربية اليوم بأمها لتجمعه !! حيث الوجع الاسرائيلي والتوتر والخوف من نشاط حركات المقاومة الشعبية التي تشهد حركة تسلح واسعة وعمليات بطولية موفقة ارعبت الكيان الاسرائيلي في عمقه وأعادت للقيادات الفلسطينية نقطة اعتلام لصوابية خيار المواجهة!!