الوقت ـ الكثير من المحللين يعتقدون أن السعودية لو كانت تعرف النتائج التي توصلت الیها حالیا في الیمن، فما كانت تقدم علی دخول مستنقع الیمن بتاتا. لأن حرب الیمن بالنسبة للسعودية وبعد أكثر من عشرة شهور، لم تكن سوی إهدارا لعشرات المليارات من الدولارات من الموازنة العامة السعودية، وقتل وجرح عشرات الآلاف من غير المدنيين الیمنيين، دون أن تتمكن هذه الحرب من القضاء علی حركة أنصارالله او إعادة منصور هادي الرئيس المنتهية ولايته، الی الیمن. وبالاضافة الی تلك الخسائر، فقد كشفت السعودية من خلال عدوانها علی الیمن، كشفت عن الضعف الذي يعانيه جيشها، خاصة القوات البرية، حيث أن هذه القوات، وبعد ما بادر سلاح الجو السعودي الی إعتماد سياسة الأرض المحروقة في الیمن، فان القوات البرية لاتزال عاجزة عن التقدم شبرا واحدا داخل الأراضي الیمنية. وهذه تعتبر فضيحة من العيار الثقيل للجيش السعودي الذي أهدر مئات المليارات من الدولارات علی شراء السلاح خلال العقود الماضية، من خلال تجويع الشعب السعودي.
وفي سياق متصل فقد روجت السعودية خلال الاسابيع الماضية لدعاية مشروخة، مفادها أنها مستعدة لإرسال عشرات الآلاف من قواتها البرية لمقاتلة داعش في سوريا!. طبعا نعرف جيدا أن الهدف من إرسال هذه القوات، إذا ما تم إرسالها بالفعل الی سوريا، سيكون العمل علی إضعاف قدرات الجيش السوري والصد من تقدمه في محاربة المجموعات الإرهابية وليس محاربة داعش. وكما بقت السعودية مع مجموعة من الدول العربية الضعيفة كالسودان لوحدها في حرب الیمن، فقد أعلن العديد من حلفاء السعودية التقليديين، ومن بينهم مصر وباكستان، عدم تأييدهم أي قرار سعودي يرمي بإرسال قوات الی سوريا. إذن لقد خيبت القاهرة وإسلام آباد، آمال الرياض مرة اخری، كما فعلتا من قبل خلال العدوان السعودي تجاه الیمن. وأعلنتا هاتين العاصمتين أنهما لم تشاركا في أي حرب من المحتمل أن تقدم علیها الرياض في سوريا. وهذه المواقف الصلبة من قبل الباكستانيين والمصريين بحد ذاتها تعتبر فشلا ذريعا للنظام السعودي قبل أن یرتكب خطأ ضد سوريا.
صحيح أن الكثير من المتابعين باتو يعتقدون أن السعودية أصبحت تتبع سياسة متهورة جدا، تجاه مواطنيها والمنطقة، والكثير من هؤلاء المتابعين لم يكونوا يتوقعوا أن تهاجم السعودية، الیمن علی غرار ماحصل، ومن المحتمل أن تبادر السعودية هذه المرة أيضا الی ارتكاب خطأ استراتيجي من خلال إرسال قواتها الی سوريا. لكن من المعلوم جدا أن إرتكاب خطأ فادحا من هذا النوع ستترتب علیه تداعيات ليس باستطاعة الرياض تحملها.
ما من شك أن واشنطن تحاول الزج بالقوات السعودية في نفق مظلم آخر، من خلال حثها علی الاشتباك مع احدی دول المنطقة، وعلی سبيل المثال، مع سوريا، لخلق مزيدا من الفوضی في المنطقة، لأن مثل هذا الإصطدام العسكري من شأنه أن يخدم مصالح واشنطن وتل أبيب في الشرق الاوسط. لكن بالرغم من جميع تلك المصالح المتوقعة بالنسبة للدول الغربية، لازالت توجد بعض الهواجس لهذه الدول من أي مغامرة سعودية في سوريا. جريدة الاندبندت البريطانية وفي مقال نشترته قبل أيام حول التداعيات المحتملة التي ستواجهها القوات السعودية في حال دخولها الأراضي السورية، أكدت أن هذه القوات في حال دخلت سوريا ستجد نفسها معرضة لتلقي أشد الضربات من قبل حلفاء النظام السوري بدل أن تتمكن من محاربة الإرهاب.
وفي سياق غير بعيد، اطل علینا زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، قبل حوالي شهر، معلنا أن السعودية قررت وقف المساعدات المقررة التي وعدت بارسالها الی الجيش اللبناني والقوی الأمنية. هذا القرار لم يكن محرجا لداعمي السياسات السعودية في لبنان وعلی رأسهم الحريري فحسب، بل كان يدل علی أمر في غاية الأهمية أشار الیه حزب الله في بيان أصدره في هذا السياق. حيث أكد الحزب أن «الأزمة المالیة قد أدت إلى إجراءات تقشف غير مسبوقة داخل السعودية وإلى وقف الالتزامات المالیة مع كثير من الشركات السعودية والعالمية وإلى إيقاف العديد من العقود والاتفاقات ومن بينها تندرج خطوة وقف تمويل الصفقات المفترضة لدعم الجيش اللبناني».
إذن إذا ما كانت السعودية أصبحت عاجزة عن تقديم الدعم العسكري لحلفاءها في لبنان، بسبب تكالیفها الباهضة التي وقعت علی عاتقها في الیمن وكذلك بسبب إنخفاض أسعار النفط في الاسواق العالمية، فكيف سيكون بامكان الرياض توفير تكالیف عشرات الآلاف من جنودها إذا ما تم إرسالهم الی سوريا؟. وحتی إذا ما افترضنا جدلا أن السعودية ستتمكن في البداية تحمل تكالیف هؤلاء الجنود المرسلون الی سوريا، فـ الی أي زمن سيكون بمقدورها تحمل دفع تكالیف هذه القوات؟. ومن جهة اخری لابد أن نسأل ماذا ستكون التبعات الإقتصادية السلبية علی الشعب السعودي، إذا ما قررت الاسرة المالكة في الرياض فتح جبهة جديدة، هذه المرة ضد سوريا؟. إذن إن الحديث عن إرسال قوات سعودية للحرب في سوريا ما هو إلا تخبط وتهور غير محسوب العواقب كما يراه العارفون بقدرات السعودية المالیة والعسكرية، وإذا ما تم اتخاذ مثل هذا القرار فسيكون بمثابة الإنتحار عمليا من قبل النظام السعودي دون أی شك.