الوقت- يقول المثل المصري الذي يسقط في مصر لايقوم مرة أخرى لا بل أكثر من ذلك فهو يسقط في نظر كل شعوب المنطقة ... يناير فماذا بعد تبرئة القضاء للرئيس المصري الأسبق؟ وهل قرار القضاء المصري بتبرئة مبارك ومعاونيه مقدمة للعودة بمصر الى ماقبل ثورة 25 يناير\كانون الثاني2011 ؟
شكل قرار محكمة شمال القاهرة القاضي بتبرئة مبارك وازلامه الشعرة التي قصمت الشارع المصري فتراكم الأخطاء الماضي والحاضر من قبل السلطات الحاكمة بعد الثورة على مبارك وصولا الى عصر التبعية الجديد تحت مسمى نظام السيسي وقرراته المخيبة لآمال الجماهير المصرية التي كان أخرها المحاكمات الهزلية التي جرأت على طريق ذر الرماد في العيون بعد أخفاء قرائن الاتهام وطمس الأدلة، و أخفاء الأموال المسروقة ومحاولة الايماء بأن هناك قضاء يتخذ مجراه فتم التعامي عن فترة ثلاثين عام من الحكم والتطرق, لآخر ثمانية عشر يوما من عمر حكم مبارك فقط وكأن ثورة لم تقم وأن شعب لم ينتفض بكل فئاته مطالبا بأبسط حقوقه المشروعة ورفع المظالم كل هذا وذاك دفعت الى تعميق حالة الاستقطاب الحاد الحاصل في الشارع المصري وانقسام المجتمع و اتساع هذا الشرخ بين عدة شرائح مختلفة الانتماء والولاء. فما تداعيات صدور قرار حكم البراءة لمبارك وأعوانه ؟ والى اين يتجه الشارع المصري ؟
من الصعب علی المراقب للساحة المصرية الان التنبوء بمستقبل البلاد الامني والسياسي وحالة المجتمع المحقون اصلا ولكن يمكن قراءة بعض النقاط الهامة في هذا الموضوع:
فعلى صعيد علاقة المجتمع بأنظمته القضائية سيفتقد هذا المجتمع ثقته في العدالة، ما سيضطره إلى التفكير بجدية في أخذ حقه بيده، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة وتيرة العنف، وتفشي الجرائم الجنائية قهذا القرار يشير بما لا يدعو للشك أن القضاء المصري مسيس من رأسه حتى أخمص قديميه منذ عهد مبارك وحتى الان فمحكمة جنايات القاهرة التي حكمت بسجنه 25 سنة في 2012 قضت بتبرئته يوم السبت الماضي . أما على الصعيد السياسي فعودة الحياة الساسية المصرية الا ماقبل الثورة 25 يناير ربما يبدو أمر واقع ومن وجهة نظر كثير من المراقبين فالوضع المصري الراهن المتمثل بالرئيس السيسي وأركان حكمهم يعتبر بحد ذاته عودة الى ما قبل 25 يناير فقرار تبرئة مبارك جاء ليدق المسمار الأخير في نعش الثورة ليس إلا. وكأن ثورة لم تقم وشعب لم يبذل تضحيات. ومن جهة أخرى نرى بوضوح عودة التزاوج السياسي الاقتصادي السابق الذي كان في عهد مبارك وسعية للدخول لحياة الساسية من جديد ومن باب الانتخابات البرلمانية وما سعي رجل الاعمال والقيادي في الحزب الوطني المنحل أحمدعز لتشكيل تحالف من انصار الحزب الوطني المنحل والفلول لخوض الانتخابات الا خير دليل على ذلك .
النتيجة الاخرى والتي من المهم الاشارة اليها بث الروح في مشروع الاسلام السياسي فبعد قرار التبرئة عاد الحديث عن هذا الموضوع الذي تلقى دفعة معنوية ليست باللقلية فسعت حركة بالاخوان المسلمين التي تتنبى هذا النهج بطبيعة الحال وبعد القرار الى استغلال حالة الخيبة التي أصيبت بها الفئات الثورية من حكم البراءة وسعت بذلك لزيادة زخم احتجاجاتها ومظاهراتها التي لم تتوقف منذ أطاحة مرسي .
كل هذا وذاك يحدث وفي جعبة الشارع المصري سؤال واحد اذا كان مبارك وازلامه غير مجرمين فمن القاتل اذا؟ فجواب هذا السؤال وفق ما يراه الكثيرين يترتب عليه انقسام الشارع المصري بين عدة مجموعات أساسية لكل منها ولاؤه ولكل منه داعميه داخليين كانوا ام خارجيين فبلأضافة الى المحايدين او ما يطلق عليه مصريا " حزب الكنبة "نرى الان بالمجتمع المصري الان قد انقسم بين اربع مجموعات واضحة وهي :
الأولى: مبارك وأزلامه وفلول الحزب الوطني المنحل وما تحويه هذه المجوعة من حيتان الفساد و نفوذ واسع في الاعلام المصري الحالي لما تمتلكه من رؤوس أموال نهبت على مر ثلاثة عقود من الزمن .
الثانية : الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي والمؤسسة العسكرية الداعمة له والتي يتخذ من الاعلام الممول سعوديا رافعة لحكمه الى جانب بعض الموالين من فريق مبارك نفسه والذي يمكن اعتبارهم بطبيعة الحال جزء من المجموعة السابقة التي تقاطعت مصالحهم السياسية والاقتصادية مع محاولة السيسي الساعي لتقوية نفوذه. يذکر بأن المجموعة الأولی تقع أيضا في ظل هذه المجموعة بسبب التقارب الفکري والسياسي والمالي الذي يتفق عليه الطرفان لکن حاليا کل طرف يحاول أن يبرئ نفسه عن الآخر.
الثالثة : الاخوان المسلمين وما لف لفيفهم من قوى دعم" الشريعة" وبعض الحركات السلفية المرتبطة بدولة قطر وهذه المجموعة التي سعت الى اثبات أن الثورة أصيبت بمقتل بوصول السيسي للحكم والتي وجدت في قرار القضاء المصري الأخير بتبرئة مبارك ضالتها وحجتها فعملت ومازالت على تحشيد بعض اطياف المجتمع المصري الثورية والمصدومة بهذا القرار محولة كسبهم الى جانبها للعودة للحكم .
الرابعة : القوى الليبرالية والقوى الشبابية الثورية التي كانت مكسر العصا في عزل مرسي ووضع حد للاسلام السياسي في مصر وكانت بطريقة أو بأخرى شماعة السيسي للوصول الى سدة الرئاسة والتي بدأ يخسرها أي السيسي تدريجيا في الآونة الأخيرة وبدأت تنقسم على نفسها بين القوى السابقة .
مما لا شك فيه أن الجميع أخطأ في حق الثورة في مرحلة ما، ولكن الوضع الراهن لم يدع مجالاً لمزيد من التشرذم وأننا الآن وأشد من قبل أمام وضع متأرجح لمصر ، تميل فيه الكفة بتسارع إلى القديم على حساب الجديد والدعوات للتظاهر ضد السيسي تتزايد وأن ثقة الشعب المصري به الآن قد بدأت بالتآكل فالشعب بغالبيته ترى فيه مبارك ليس الا ومن سخرية القدر في زمنه أن يصبح المجرم بريء والبريء في السجن.فعودة زخم المظاهرات والاحتجاجات ربما تطيح بالسيسي في وقت قريب . فالشعب المصري عودنا على خيارين يعطيهما لرئيسه لا ثالث لهما "فاستقم كما أمرت أو ارحل ".