الوقت- قبل ستة ايام من العدوان الاسرائيلي على لبنان واجتياحه عام 1982 والذي أطلق عليه أسم "عملية السلام للجليل" و"عملية الصنوبر"، طرح المحلل العسكري الاسرائيلي "زيف شيف" فكرة "تقسيم العراق" استناداً لما نشرته صحيفة "هاآرتس" الاسرائيلي وذلك طبقاً لما طرحته من قبل "وثيقة كيفونيم" أو خارطة الطريق الاسرائيلية "خطة من أجل اسرائيل" كما نشرتها مجلة "كيفونيم" (الاتجاهات) الاسرائيلية الناطقة باسم الصهيونية العالمية في شباط /فبراير عام 1982 والتي تشير الى مخطط انشاء "اسرائيل الكبرى" من النيل الى الفرات عبر تقسيم البلاد العربية.
في 26/9/2007 أقر مجلس الشيوخ الاميركي بأغلبية 75 صوتاً من أصل مائة نائب حيث صوت 23 منهم ضده، خطة غير ملزمة لتقسيم العراق الى ثلاثة أقاليم للحكم الذاتي هي كردستان وسنستان وشيعستان- حسب تعبير المروجين وهو ما أطلق عليه مشروع "التقسيم الناعم" في مراكز الأبحاث والدراسات الأميركية؛ حيث قاد الديمقراطي عن ولاية "ديلاوير" الأميركية السناتور "جوزيف بايدن" رئيس لجنة لعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الحملة داخل مجلس الشيوخ، وفي وسائل الاعلام الأميركية، وفي اتصالات قام بها مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، لتمرير هذا المشروع تحت مسمى "الكونفدرالية الضعيفة في العراق".
هذا المشروع بقي مسكوتاً كون أن القوات الاميركية كانت لا تزال تحتل العراق وهو ما كان سيضر بوجودها خاصة وانه قائم على التناحر القومي والطائفي والعرقي بين ابناء الشعب العراق وأن القوات الاميركية كانت تخاف أن يتم استهدافها تحت يافطة الحرب الداخلي التي خططوا لها ما سيحمل أعباء كبيرة في الأفراد والمعدات ويشوه صورتهم ويجبرهم على الهزيمة والتقهقر من بلاد الرافدين؛ ولكن ما أن تم الانسحاب العسكري الاميركي من العراق في يوم الأحد 18 ديسمبر 2011، حيث عبرت آخر عربات مدرعة في قافلة تابعة للفرقة الثالثة في الجيش الاميركي الحدود البرية من الاراضي العراقية باتجاه الكويت، حتى عاد السناتور الصهيوني الحاقد على العرب والمسلمين "جوزف بايدن" وحلفائه التفكير مرة اخرى بمشروعهم الجهنمي بتقسيم العراق كبدائة لتقسيم دول المنطقة وتشكيل "الشرق الاوسط الجديد" الذي أطلقته وزيرةالخارجية الاميركية السابقة "كونداليزا رايس" في يونيو/حزيران 2006 والذي أفشلته المقاومة الاسلامية في لبنان بعد هزيمتها العدو الصهيوني وحلفائه من الغرب والعرب في حرب الـ33 يوماً وهو يجر من ورائه خيوط الذل والعار متحملاً خسائر كبيرة وفادحة في الأفراد والمعدات وهو ينسحب من الجنوب اللبناني.
فجاء دور التحريض الطائفي واشعال فتيل الحرب الداخلية في العراق بسعرات عالية فكان لابد من دخول خيوط جديدة على المؤامرة الاميركية – الصهيونية – العربية على أرض السواد وشعبها الأبي في يوم10 يونيو/ حزيران الماضي، حيث سيطر تنظيم "داعش" التكفيري الارهابي على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى (شمالي العراق) ومن وسع سيطرته على مساحات أوسع في شمال وغرب العراق تزامنا مع انتشاره وتوسعه في شمال وشرق سوريا ويعلن قيام ما أسماها "دولة الخلافة"؛ بدعم اميركي – غربي – اقليمي – عربي خليجي. حيث لايزال الغموض يكتنف الكيفية التي تمكن بها الدواعش من السيطرة على مدينة الموصل بعد انسحاب حوالي أربعة فرق عسكرية من الجيش العراقي منها دون خوض أي معركة مع المسلحين وهروب كبار قادة تلك الفرق نحو اقليم كردستان، تلك الفرق التي يشكل اهالي الموصل ما بين 80 – 90 % من ملاكاتها منها بقيادة العميد "هدايت عبدالكريم"، ونسبة 70% من ملاكات الشرطة الاتحادية في المنطقة بقيادة اللواء الركن "كفاح مزهر.
وأخذ الارهاب التكفيري يعصف بمناطق شاسعة من العراق شمالاً وغرب وهدد باقتحام العاصمة بغداد والمدن المقدسة النجف الاشرف وكربلاء والكاظمية وسامراء المقدسة حيث صوب سهام حقده على الأخيرة في بادئ الأمر وفشل في اقتحامها لمرات عدة بوجود قوات باسلة فانية في التضحية والفداء من اجل الاسلام والمراقد المقدسة من أبناء المقاومة العراقية المؤمنة والجيش العراقي.
لمست المرجعية الرشيدة في النجف الاشرف خطورة المشروع فاعلنت "الجهاد الكفائي" على العراقيين للتصدي للفتنة الطائفية الارهابية التكفيرية القادمة لتعيث بأرض المقدسات والانبياء والرسل الفساد ببتردولار خليجي وعربي واقليمي ودعم عسكري اميركي – صهيوني – غربي هدفها تحقيق مشروع "الشرق الاوسط الكبير" كبداية لتحقيق حلم الصهاينة بدولة "اسرائيل الكبرى"، وذلك رفضاً لمشروع تقسيم العراق وتأكيداً بالحفاظ على وحدة التراب العراقي وصفوفه العرقية والمذهبية والقومية تحت اشراف الحكومة والمؤسسات الرسمية ولمساعدة قوات الجيش والشرطة في مكافحتها للارهاب التكفيري الزاحف.
الأمر الذي أربك مخططات أميركا وحلفائها عرباً وأجانب وباءت جهودهم نحو تقسيم العراق بالفشل بعد الزحف المليوني لآبناء العراق الغيارى والمؤمنين للمشاركة في "الجهاد الكفائي" ضمن فرق "الحشد الشعبي" ما أذهل الجميع ودفع بالحكومة العراقية للطلب من أبناء الشعب بالتريث في الالتحاق بقوات "الحشد الشعبي" لفترات اخرى للزخم الكبير الذي شكله الوافدون وطوابيرهم الطويلة على مقار التسجيل والتدريب والتي لا تتسع لهذا الحجم الهائل من المجاهدين.
وما أن دخلت قوات الحشد الشعبي ساحات القتال مع مجموعات "داعش" التكفيرية الارهابية حتى بدأت الغيوم السوداء تحوم فوق المرتزقة المجتمعين من كل صوب وحدب في العراق لتفتيته وتقسيم كعكته بين شيوخ البترول الخليجي، وأخذ المجاهدون العراقيون تحقيق الانتصار تلو الانتصار هنا وهناك والجماعات الارهابية السملحة تهرب نحو الشمال والشرق لا تعرف طريق المفر وسقوط المئات منهم بين قتيل وجريح وبدأت تنكشف سوأتهم والهزيمة تلاحقهم من "آمرلي" حتى "جرف الصخر" ومن "ديالى" وحتى "الفوجه" و"تكريت" والرمادي" وغيرها من المناطق التي يشكل أهل السنة الغالبية فيها، ما دفع بتنظيم "داعش" الارهابي الى اصدار الأوامر لقادته وحشوده بالانسحاب مرة اخرى نحو الموصل ومن ثم اللوذ بالفرار نحو دير الزور والحسكة في الاراضي السورية.
الهزائم المتتالية للمجموعات الارهابية المسلحة أمام تقدم قوات "الحشد الشعبي" وفشل ما يسمى بـ"التحالف الدولي لمحاربة داعش" والذي نظمته أميركا وحلفائها الغربيين والعرب الخليجيين اولئك الذين بنوا وأسسوا نواة "داعش" وأخواتها في العراق وسوريا وطيلة أكثر من عقد مضى لتنفيذ مآربهم الجهنمية، حيث اثبت "التحالف الدولي" فشله في ردع "داعش" واخواته في العراق وسوريا وأن طلعاتها الجوية التي تجاوزت الـ(1000) طلعة لم تحصد سوى الفشل وتوسع المجموعات المسلحة هنا وهناك؛ فكان لا بد من تحريك المرحلة الجديدة للمشروع الصهيوني وهو تصويب سهام الحقد الطائفي على قوات "الحشد الشعبي" كون أنها تتشكل من أبناء المسلمين الشيعية فاتهموها بالطائفية واتهموا المرجعية بالتطرف وحشدوا قواهم الاعلامية والسياسية لمهاجمتها ومن يقف داعماً ومسانداً لها.
جميل ظاهري