الوقت - لا نشك أن تركيا تواجه مؤامرة خفية غير ملموسة المعالم، من قبل جهات تعتبر نفسها حليفة لهذه الدولة وتاتي في مقدمتها دول غربية واخری اقليمية. وتهدف هذه المؤامرة الی ضرب الاقتصاد التركي وتقسيم البلاد واستنزاف القوی العسكرية والأمنية وإثارة النعرات الطائفية داخل البلاد، وكذلك من الأهداف الاخری التي تسعی لها هذه المؤامرة، هو اقحام تركيا في حروب هي بغنی عنها مع دول الجوار، خاصة سوريا ومن المحتمل روسيا وإيران والعراق لاحقا، لا سمح الله.
وخلال الاعوام الخمسة الماضية واجهت تركيا مشاكل داخلية وخارجية كان من الممكن تفاديها إذا ما كان القادة الاتراك يتحلون بقليل من الحكمة والنظرة البعيدة. وفي هذا السياق فان صراع الحكومة التركية مع المواطنين الاكراد داخل البلاد، يعتبر منذ اللحظة الاولی صراعا خاسرا. وعلی مایبدو فان الحرب علی الاكراد في تركيا من قبل حكومتهم بدأ بنفس الخطأ الذي ارتكبته تركيا في سوريا. حيث ظن "اردوغان" و"داود اوغلو" قبل نحو خمسة أعوام أن الاخوان المسلمين سيصلون الی الحكم في سوريا، إذا ما فتحت أنقرة أبوابها أمام الجماعات الإرهابية للإطاحة بنظام الرئيس "بشار الأسد"، وعندها سيشكل الاخوان أمبراطورية قوية في معظم دول الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، لتكون أنقرة عاصمة هذه الإمبراطورية المنشودة!.
لكن اليوم وبعدما تبخرت أحلام هذه الامبراطوریة، وللتغطية علی فشله في سوريا ومصر وتوتر علاقاته مع دول الجوار ومن بينها إيران والعراق، وخوفا من إنتفاضة شعبية داخل البلاد بسبب إهدار موارد الدولة التركية لدعم الجماعات الإرهابية التي تقاتل في سوريا، لجأ السيد "رجب طيب اردوغان" الی تضييق الخناق علی المعارضة وضرب التيارات الكردية بيد من حديد في جنوب وشرق البلاد.
رحی الحرب الدائرة بين الحكومة التركية والجماعات الكردية المسلحة تدور داخل المدن التركية وليس علی الحدود او خارج البلاد، وهذا يعني أن الاشتباكات بين الجانبين سيتولد منها الكثير من اراقة الدماء، وستؤدي هذه الحرب ايضا الی هجرة مئات الآلاف من المواطنين الاكراد داخل تركيا، الغارقة حالیا باعداد كبيرة من اللاجئين السوريين.
السيد اردوغان الذي كثيرا ما نسمعه يدعو الی إحلال الديمقراطية علی حد قوله في سوريا، نراه هذه الأيام ينفجر غضبا تجاه المعارضة السياسية والكردية، ويقول في أحد تصريحاته النارية ضد المعارضين الاكراد، بانه ليس في تركيا قضية كردية، بل هناك «مشكلة إرهاب فقط». هذا التصريح يدل علی أن اردوغان ينظر الی اي حراك من قبل الاكراد في تركيا علی أنه حراك إرهابي يجب مواجهته بالرصاص والدبابات، وأدی هذا التعامل السيء من قبل اردوغان الی أن يعتبره الكثير من الاكراد داخل تركيا علی أنه ديكتاتور لا يمكن التوصل معه الی حل سياسي. لا نريد أن ننفي أن تصرفات بعض الاطراف الكردية في تركيا لعلها قد ترقی الی تصرفات إرهابية، لكن تعميم الإرهاب علی جميع سكان المناطق الكردية في جنوب وشرق تركيا، سيأتي بكارثة إنسانية علی هؤلاء المواطنين.
اردوغان يعد بانه سيطهر المناطق التركية من المقاتلين الاكراد بحلول الربيع القادم، وفي مقابل ذلك تستعد قوات الـ "بي كي كي" للرد بشكل قوي علی أي هجوم تركي خلال هذه الفترة، مما تنذر هذه الإستعدادات، بسيول أنهار من الدم في تركيا.
وفي سياق هذه الإستعدادات ذكرت مصادر إعلامية أن حزب العمال الكردستاني شكل وحدات قتالیة من الشباب، تضم كل واحدة منها 50 شابا، مهمتها الحفاظ علی الاحياء السكنية في المدن التي دخلتها القوات العسكرية التركية. هذه الوحدات تعرف المنطقة أفضل من عناصر الجيش التركي، مما يؤدي ذلك الی أن تميل كفة الصراع لصالح القوات الكردية.
الحرب الدائرة حالیا في جنوب شرق تركيا ومن بينها مدينة "جيزره" في ديار بكر بين القوات التركية وقوات الـ"بي كي كي"، ادت الی قطع المياه والكهرباء والغاز وإنعدام سائر الخدمات الاخری في المنطقة، مما أدی ذلك الی تدهور معيشة الناس في مثل هذه المناطق. وبالرغم من أن فئة من الاكراد تشاطر الحكومة التركية بان عناصر الحزب الكردستاني المعارض هم السبب في تأزم الامور في المناطق الكردية، إلا أن معظم الاحزاب الكردية تعتبر الحكومة التركية وفي مقدمتها اردوغان هم المسؤولين عن الأزمة في البلاد. هذا التباين السياسي من الممكن أن يفجر الاوضاع السياسية في تركيا أكثر فأكثر.
الجيش التركي في كل يوم يخسر عدداً من قواته بسبب الصراع الدائر مع عناصر الـ "بي كي كي"، وهذه العناصر أيضا تؤكد علی أنها لن تستسلم للقوات التركية، وهذا أدی في نهاية المطاف الی إنعدام الأمن والاستقرار في مناطق الصراع، ومن المحتمل أن تصبح هذه المناطق في المستقبل القريب ملاذا آمنا للجماعات الإرهابية والتكفيرية القادمة من سوريا، إذا ما شعرت هذه الجماعات بان بقائها في سوريا بات غير ممكن، اثر تلقيها ضربات موجعة في الآونة الاخيرة علی يد الجيش السوري وحلفائه خاصة في حلب القريبة من الحدود التركية.
وفي النهاية نلخص ما تطرقنا الیه بان تركيا تتعرض لمؤامرة من قبل أمريكا والكيان الإسرائيلي وبعض الدول التي تدور في الفلك الأمريكي مثل قطر، وللاسف فان القادة الأتراك هم في غفلة من هذه المؤامرة. ولهذا علی تركيا أن تصغي لنصائح جيرانها وأن تكف عن مغامراتها وتآمرها علی سوريا، وتهتم بمتطلبات جميع أطياف شعبها، وأن تشكل حلفا قويا من خلال عودتها الی المحور الروسي الإيراني الذي يضم الكثير من دول المنطقة، لتكون بمأمن من المؤامرات التي تستهدفها.