الوقت - كثيرة هي الإشارات التي تؤكد عودة العلاقات الإستراتيجية بين حركة "حماس" و"حزب الله"، تلك العلاقات التي تضرّرت بشكل كبير إثر إندلاع الأزمة السوريّة في الربيع "الخريفي" للعام 2011 حيث أدّى الإختلاف في قراءة كلا الطرفين للأحداث السورية إلى برودة غير مسبوقة بين حماس وحزب الله من ناحية، ومحور المقاومة من ناحية أخرى.
إبتعاد حماس عن محور المقاومة أو الممانعة، حيث موقعها الطبيعي، وتقاربها من المحور الآخر "الإعتدال" حيث يتوجّب عليها إرتداء ثوب جديد بعد خلع لباس الجبهات، جعل منها حركة "سياسية" لا عسكرية تتنقل بين قطر وتركيا بعيداً عن قضيتها الأولى "فلسطين" التي غابت حتى من أدبيات الحركة، وغرق العديد من قياداتها، السياسيّة تحديداً، في وحول الصراعات العربية-العربية، لا العربية الإسرائيلية.
تصاعد وطيس الحرب في سوريا الذي تزامن مع إصطفاف إقليمي غير مسبوق، أفضى إلى علاقات أشبه بالـ"منقطعة" بين "حماس وحزب الله" حيث إقتصرت على واجب التعزية "المقاوم" بين الطرفين الذي بدأه الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله خلال العدوان على غزة في صيف العام 2014 عندما بادر الى الاتصال برئيس المكتب السياسي لـ "حماس" خالد مشعل، وكان آخره قبل أيام عندما عزّى السيد نصر الله في خطابه الأخير بشهداء أنفاق غزة. حماس بادلت واجب العزاء "المقاوم" بالمثل حيث تلقّى الحزب برقية تعزية من الحركة عند اغتيال قياديي الحزب في الجولان أوائل العام الماضي بينهم القيادي "أبو عيسى الإقليم" وجهاد عماد مغنية، ولاحقاً عندما أدانت "الحركة المقاومة" جريمة إغتيال سمير القنطار "عاشق فلسطين" وقامت بواجب التعزية لدى الحزب.
من هنا، تطوّرت العلاقة بين الطرفين على طريق إستعادة إستراتيجيتها حيث نشاهد، في الفترة الأخيرة، طفرة إعلامية في أدبيات النهوض "المقاوم" الذي تحدّث عنه قبل أيام القيادي في حركة حماس محمود الزهار عندما أكّد أن "الحركة جزء من محور المقاومة في المنطقة"، ناهيك عن جملة من الإشارات التي تتحدّث عن أن "الإتصالات قائمة بين قيادتي الطرفين"، ما يعني سلوك قطار العلاقة بين "حزب الله" و"حماس" سكّة دافئة بعد سنوات الفتور.
لا ريب في أن الأحداث الأخيرة على الساحة الفلسطينية شكّلت عنصراً مساعداً في العودة "شبه السريعة" للحركة، التي ترى في نفسها قلب المقاومة النابض في فلسطين، نحو حزب الله الذي قدّم عشرات الشهداء على طريق فلسطين والأقصى عبر هذه الحركة بالذات. القيادات الحمساوية، لاسيّما العسكرية منها، أدركت خطر الإبتعاد عن المحور المقاوم لصالح المحور الآخر الذي لم يقدّم لها أي شيء يذكر منذ العام 2014، كما أن محاضر جلسات القاهرة إبان العدوان عام 2014 عزّزت هذه القناعة التي تترسّخ اليوم أكثر فأكثر مع "إنتفاضة الضفّة" اليتيمة عربياً حيث لم يقدّم حلفاء "حماس" في محور "الإعتدال" مثقال خردلة لـ"إنتفاضة السكاكين" المباركة التي قدّمت حوالي الـ180 شهيد وتمكّنت من قتل أكثر من 30 إسرائيليا بين جنديّ ومستوطن.
لكن المشهد السوري سيبقى على حاله بين الطرفين ريثما تنجلي الضبابية الإقليمية، حينها تقرّر حماس عودتها إلى حضنها الدافئ في السابق، وهذا لا يعني أبداً قطع العلاقة مع الحزب حيث يجب فصل "الجبهات" عن بعضها البعض.
ولطالما كان الكيان الإسرائيلي عاملاً رئيسياً في الإجماع العربي سابقاً، وهذا ما نشاهده اليوم في العلاقة بين "الحزب" و"الحركة" حيث تجمعهم قضية المسلمين الأولى وتاريخ طويل من المقاومة، وفي حال أقدم الكيان الإسرائيلي على أي عدوان، سواءً في غزّة أو في لبنان، سنشاهد حماس التي عرفناها منذ إنتفاضة الأقصى عام 2000. قد يكون طرح السؤال التالي مصيرياً لناحية العلاقة بين حماس وحزب الله، ولاحقاً محور المقاومة بكلّه وكلكله: من العدو الحقيقي؟ "سوريا"، كما ترى بعض دول محور "الإعتدال" أم "الكيان الإسرائيلي" كما يرى محور المقاومة ومن خلفه شعوب المنطقة.
إن تجربة السنوات الخمس في محور "الإعتدال"، والتهديدات التي تتربص بفلسطين بدءاً من حصار غزّة وصولاً إلى إنتفاضة الضفّة، دفعت بالحركة المقاومة لتصويب البندقية من جديد والتحرك نحو موقعها السابق الذي عُرفت واشتُهرت به لا بغيره، فمن يطلب معين المقاومة عليه أن يلجأ إلى سلسبيل المواجهة لا صحراء المهادنة، فهل في النار للظمآن ماء؟