الوقت ـ دائما ما تحاول السعودية الايحاء بان باكستان يمثل حليفا استراتيجيا للرياض، وتناور كثيرا علی ترسانته النووية، وكان هذه الترسانة مهيئة من قبل الباكستانيين لاستخدامها وفق المصالح السعودية، لكن مجريات الامور علی أرض الواقع تدل علی عكس الدعاية السعودية. حيث ان باكستان غير مستعدة لتضحي بمصالحها القومية علی حساب السياسة السعودية. ورأينا كيف خيبت باكستان خلال الشهور الماضية، أمل السعودية عند ما رفضت المشاركة في العدوان السعودي علی الیمن، مما أدی ذلك الی امتعاض شديد لدی ملوك اسرة آل سعود.
وفي هذا السياق يزور حالیا "نواز شريف" رئيس الوزراء الباكستاني، طهران، بعد زيارة قام بها الی الرياض حيث أكد "اسحاق جهانغيري" النائب الاول لرئيس الجمهورية الإيرانية خلال اجتماع له مع "شريف" علی تنمية التعاون الإقتصادي والأمني بين البلدين خاصة مواجهة الجماعات الإرهابية، قائلا: "يجب ان نواجه ممارساتهم الارهابية بالتعاون مع بعضنا البعض". ومن جانبه وصف رئيس الوزاء الباكستاني، ايران بالدولة الصديقة والشقيقه لباكستان وقال:"ان زيارة ايران تبعث عن فخري واعتزازي". وفي هذا السياق اعرب امین المجلس الاعلی للامن القومي الایراني "علي شمخاني" خلال لقائه مع رئيس هيئة الاركان العامه للجيش الباكستاني "راحيل شريف" عن ارتياحه للدور الايجابي والموقف المناسب لباكستان في عدم الدخول في الحرب ضد الشعب الیمني قائلا ان تصعيد التوتر والصراع واهدار امكانيات الدول الاسلامية يخدم فقط اعداء الاسلام ويودي الی تعزيز الجماعات الارهابية، كما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية.
وفي هذه الآونة التي سارعت السعودية الی قطع علاقاتها مع إيران دون أن تدرس سلبيات اتخاذ مثل هذا القرار علی مصالحها الوطنية، باتت الرياض اكثر من أي وقت مضی تسعی الی استقطاب باكستان نحو معسكرها، في ظل فشل سياساتها في سوريا ولبنان والیمن والعراق. لكن علی مايبدو فان مساعي السعودية لاجتذاب الباكستانيين، لا يكمن أن يكتب لها النجاح، ومن الوارد جدا أنها ستواجه الفشل المحتوم. وإذا ما كانت باكستان تحصل علی شيء من الدعم السعودي في مجال البترول والمشتقات النفطية، وحفنة من المساعدات المالیة، فان هذا لا يمكن أن يكون بديلا لها عن علاقاتها الإستراتيجية مع إيران.
الی ذلك فقد اتفقت إيران وباكستان خلال زيارة وزير التجارة الباكستاني العام الماضي الی إيران علی تنمية العلاقات الإقتصادية والتجارية بينهما الی 5 مليارات دولار سنويا. وبالاضافة الی هذا التبادل التجاري الضخم بين البلدين، فان اسلام آباد تتطلع الی تأمين احتیاجاتها من الغاز الطبيعي الی أجل بعيد، عبر استيرادها كميات كبيرة من الغاز الإيراني، عبر مشروع انبوب "السلام".
وبعيدا عن المصالح التجارية التي تربط إيران وباكستان، فان الاخيرة تواجه خطرا الإرهاب داخليا، علی يد الجماعات الوهابية المتطرفة المدعومة من قبل السعودية، ولهذا فان اسلام آباد تری التعاون الأمني مع طهران، لحماية حدودها من تسلل الإرهاب، حاجة في غاية الاهمية. لذا لا يمكن أن تضحي باكستان بأمن حدودها مع إيران، وفقا للأجندة السعودية المعادية لإيران. بل علی العكس من ذلك فان باكستان تعتبر التعاون البناء مع إيران عنصرا مهما للحفاظ علی أمنها واستقرارها الداخلي وكذلك صراعها المستمر مع الهند باعتباره خصمها اللدود. بينما السعودية لا يمكن أن تشكل عنصرا حيويا في المعادلات الإقتصادية والأمنية الباكستانية الإستراتيجية، بسبب افتقار الرياض لاي من مقومات القوة ما عدی البترول الذي باتت أسعاره هذه الأيام تكاد أن تعادل أسعار مياه الشرب المعدنية في الأسواق العالمية. وإذا ما استمرت أسعار البترول بالانخفاض علی ما هي الحال علیه حالیا، او حتی في حال استقرارها عند الاسعار الحالیة، فان ذلك سيكون بمعنی أن باكستان يصبح بمقدورها تأمين احتیاجاتها البترولية باسعار زهيدة من الاسواق الدولية دون الإعتماد علی الدعم السعودي في مجال البترول.
إضافة الی ذلك فان الفكر الوهابي السعودي يعتبر المغذي الرئيسي للجماعات المتشددة في باكستان، التي دائما ما تنفذ عمليات دموية ضد الجيش والقوی الأمنية في البلاد، وعلاوة علی ذلك فان السعودية بادرت الی عقد صفقات مع عدد من قيادات الجيش الباكستاني المتقاعدة لإدارة حربها في الیمن، وهذا ما سيشكل خطرا علی الأمن الباكستاني إذا ما رجعت هذه القيادات ثانية الی البلاد.
إذن من الافضل للسعودية، وبعد ارتكابها جريمة إعدام "الشيخ النمر" وقطع علاقاتها مع إيران واشعال فتيل حرب دموية في الیمن، أن تبادر الی بناء علاقات ودية مع إيران وإنهاء عدوانها ضد الشعب الیمني، وكذلك إنهاء دعمها للجماعات المسلحة في المنطقة، فذلك سيكون أفضل للسعودية ومصالح العالم الإسلامي، بدل الرهان علی باكستان او الدول الغربية، لإنقاذها من مستنقع الأزمات.