الوقت - وکأن الجرذان تتوقع قدوم حتفها مع اشتداد البرد فی جرود القلمون وتسعی للفرار الی مکان دافئ یقیها من الموت المحتوم فی الصقیع...
هذا حال المجموعات الارهابیة فی جرود القلمون التی اتخذت من الجبال اوکاراً لها لتحمیها فإذا بها تصبح مکان الموت الذی لا مفر منه. فلا مکان للهرب ولا نهایه للقضية الا بالقضاء عليها وهذا القرار اُتخذ بشكل حاسم من قبل الجيش السوري وحزب الله اللذين يفرضان حصاراً مشدداً على المجموعات الإرهابية منذ أشهر.
والخيار الوحيد أمام المجموعات الإرهابية هو إحداث خرق في جدار الطوق والحصار الخانق المفروض عليهم، وآخر كبرى هذه المحاولات كانت ما سمي بـ"غزوة بريتال" صبيحة عيد الأضحى والتي كانت نتيجتها فشل الهجوم ومقتل العشرات من المسلحين وأسر آخرين. ويحاول المسلحون من حين الى آخر التقدم بإتجاه البلدات اللبنانية على حدود القلمون. فبالإضافة الى فتح ثغرة والسيطرة على بعض المناطق المتقدمة لجعلها مقراً دافئاً في فصل الشتاء وتأمين ممر آمن لهم، يهدف المسلحون الى تحقيق نصر بغض النظر عن حجمه بالرغم من الحصار وإثبات الحضور في مواجهة حزب الله، وهذا ما لم يحصل ولن يحصل بحسب مصادر الحزب. ويتصدى حزب الله والجيش اللبناني بشكل متكرر لهذه المحاولات كما يرصد الجيش السوري وحزب االله تحركات المسلحين في القلمون بهدف القضاء عليهم في أوكارهم.
فرغم البرد القارس في مرتفعات القلمون وجرودها، إلا أن حرارة المواجهات العسكرية هناك مرشحة للارتفاع إلى درجات غير مسبوقة، لاسيما بعد الخرق النوعي الذي حدث منذ ثلاثة أيام عبر نجاح الجيش السوري وحزب الله في توجيه ضربة قاسية للمجموعات الإرهابية بعدما تم استهداف اجتماع سرّي لقادة هذه الجماعات فی جرود فلیطة كان یترأسه أمیر "جبهة النصرة" فی القلمون ابو مالك التلّي تحضیراً لهجوم كبیر على قرى فی منطقة القلمون.
وتشير المعلومات إلى أنّ هذا الجهد الإستخباراتي الأمني المشترك بين الجيش السوري وحزب الله يعتبر أهم خرق أمني يحدث على جبهة القلمون منذ اندلاع المعارك فيها، نظراً للسرية والتدابير الأمنية الخاصة التي يحيط التلّي نفسه بها، فضلاً عمّا يُشاع عنه من كونه يمثل عقلية أمنية ذات خبرة عالية.
فمصير التلّي بقي مجهولاً بين مقتله أو إصابته وقد أشارت بعض المصادر الأمنية أنّ التلّي يتلقى العلاج في مستشفى ميداني قيل انه مستشفى ابو طاقية في عرسال. وهذا الإجتماع الموسّع لقادة المجموعات المسلحة كان منعقداً في أحد المقار السرّية في جرود فليطة في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء والذي كان یتم فیه التحضیر لهجوم كبیر باتجاه بعض القرى فی القلمون من قبل الجماعات المسلحة. وأكدت المصادر مصرع كل من قائد "لواء فجر الاسلام" ابو طلال محمد، وقائد میدانی آخر رفیع المستوى یدعى أبو علی أمون، فیما أصیب بجروح خطرة قائد "لواء الصقور المحمدیة" ابو فاطمة، وامیر "جبهة النصرة" فی فلیطة كرم امون ومساعده صفوان عوده. وكشفت مصادر أمنية أن المجموعات الإرهابية المتمركزة في منطقة القلمون تعرّضت في الساعات الثماني والأربعين الماضية إلى "كمين مزدوج" تركز في جرود فليطة ووادي عجرم في جرود عرسال حيث تداخل فيه القصف الجوي الذي تولاه الطيران الحربي السوري بالقصف الميداني البعيد المدى، الذي تولاه الجيش السوري وكذلك حزب الله عبر قصف مدفعي عنيف ومركز على المنطقة واستخدام صواريخ حرارية ما أدى إلى سقوط خمسين إصابة في صفوفهم بين قتيل وجريح.
والإرهابي أبو مالك التلّي هو المسؤول عن خطف العسکریین اللبنانیین في جرود بلدة عرسال، والذي یتولی المفاوضات مع الوسیط القطري لمبادلتهم بإرهابیین معتقلین في لبنان . وقد سعت "النصرة" من خلاله اختطافها للعسكريين اللبنانيين للوصول الى مخرج لفك الحصار عن مسلحيها في القلمون وضمان عدم استهداف معاقلها بالإضافة الى الإفراج عن إرهابيين في السجون السورية واللبنانية.
ومع اقتراب الوقت يبدو أن الجيش السوري و حزب الله لديهم خياران إمّا القيام بعملية كبيرة للقضاء على هذه المجموعات وهذا يتطلب جهداً كبيراً خاصة في فصل الشتاء، أو الترقب والرصد الإستخباراتي والأمني للمجموعات الإرهابية وتشديد الحصار عليها واستهدافها بعمليات خاصة كما حصل في فليطة. والأعين تتجه نحو منطقة الزبداني التي تُعدّ امتداداً حيوياً لجبهة القلمون. الى ذلك الحين فإنّ لبنان سيكون معنياً بالقلق الكبير من تمدُّد انعكاسات الأوضاع الميدانية الى المناطق المتاخمة للحدود، سواء في جرود عرسال ام في مناطق اخرى مرشحة قد يفعل الإرهابييون بإتجاهها اي شيء للهروب من الأوضاع الصعبة التي يعيشونها في تلك المنطقة.
وهذه القضية التي تقبض على أنفاس اللبنانيين خاصةً بعد ذبح النصرة لعسكريين اثنين وقتل آخر والتهديد المستمر بذبح الباقين، تؤثر على الوضع السياسي والأمني للبنان الذي لن يسمح الشرفاء فيه بكسر ارادة الحق وضياع دماء شهداء الجيش اللبناني وحزب الله والسماح للإرهابيين بفرض شروطهم والعودة الى الوراء من خلال تنفيذ مطالبهم، بل يكون الحل من خلال التفاوض من منطلق القوة لا الضعف حتى تُكسر شوكت الإرهابيين.