الوقت – حظیت الانتخابات الرئاسیة الثالثة وانتخابات المجالس البلدیة فی افغانستان بأهمیة خاصة وعدّها المراقبون مصیریة کونها اجریت بعد 13 عاما من حکم الرئیس حامد کرزای وتواجد القوات الاجنبیة وباعتبارها ستهیء الارضیة لانتقال السلطة بشکل سلمی لأول مرة فی تاریخ البلد وتوفر الفرصة لخروج القسم الاکبر من قوات الناتو التی تقودها امیرکا من اراضی هذا البلد .
ویمکن القول ان هذه الانتخابات التی اجریت فی الخامس من الشهر الجاری تمیزت بعدة امور ابرزها انها اجریت فی ظل اجواء امنیة مستقرة نسبیا اضطلعت بتوفیرها القوات الافغانیة دون الاستعانة بالقوات الاجنبیة وبمشارکة جمیع الاطیاف السیاسیة التی تمثل المعارضة الی درجة ان الحزب الاسلامی الذی یقوده حکمتیار ابدی دعمه وتأییده لهذه الانتخابات . کما تمیزت هذا السباق الانتخابی باقبال واسع من قبل الناخبین والسیطرة علی تحرکات وتهدیدات الجماعات المسلحة وفی مقدمتها حرکة طالبان . ولهذا یمکن القول إن اجراء هذه الانتخابات وبهذه الصورة منح الحکومة القادمة نوعا من الشرعیة لحکم البلاد.
وقد اظهرت المشارکة الواسعة فی هذه الانتخابات ان طالبان التی تمثل التهدید الاکبر لأمن واستقرار افغانستان والمدعومة من قبل الاستخبارات السعودیة وحرکة "طالبان باکستان" عجزت هذه المرة عن تنفیذ تهدیداتها ولم تتمکن من خلق تحدیات ذات بال للعملیة الانتخابیة وهذا الامر یظهر بشکل جلی انها لا تحظی بأی تأیید فی اوساط الشعب الافغانی . ومن الواضح ایضا ان عدم تمکن قسم کبیر من الناخبین من المشارکة فی الادلاء باصواتهم فی المناطق التی تسیطر علیها طالبان یرجع فی معظمه الی التهدیدات التی اطلقتها هذه الحرکة ضد الناخبین. ورغم مزاعم طالبان بأنها اعدت خططا لتنفیذ اکثر من 1000 هجوم ضد المراکز الانتخابیة فی یوم الانتخابات الا ان الاحصائیات التی اعلنها وزیر الداخلیة الافغانی "محمد عمر داودزی" تشیر الی ان عدد هذه الهجمات لم یتجاوز الـ 140 هجوما فی 12 ولایة وقد تم السیطرة علی اکثرها واجهاضها ولم تتجاوز خسائر القوات الامنیة فیها سوی 16 قتیلا 9 منهم من الشرطة والباقی من الجیش فی حین قتل 89 من عناصر طالبان فی تلک الهجمات .
وکان هناک نحو 953 مرکزا انتخابیا لم تتمکن من فتح ابوابها امام الناخبین فی یوم الانتخابات منها 396 مرکزا اغلقت بسبب التهدیدات الامنیة و355 بسبب تسرب اخبار عن امکانیة حصول تزویر فی عملیة الاقتراع و205 لاسباب اخری اضافة الی ان 16 ولایة واجهت مشاکل فی توفیر بطاقات الاقتراع ولهذا لم یتمکن آلاف الناخبین من الادلاء باصواتهم کما حصل فی غرب وشمال العاصمة کابول وولایات هرات ومزار شریف وبامیان ودایکندی وبلخ وبدخشان وتخار وبغلان وسمنجان وسربل وغزنی وغیرها .
واشارت بعض التقاریر الی قیام بعض الاشخاص بتوزیع باطاقات اقتراع مزورة فی اربع ولایات، وعلی اثرها اعتقلت قوات الامن الافغانیة عددا من هؤلاء الاشخاص علاوة علی ان بعض الولایات واجهت خللا فی توزیع هذه البطاقات او بدأت متأخرة بالسماح للناخبین للادلاء باصواتهم اضافة الی حصول عراقیل اخری کالضغوط التی مارستها بعض الجهات لاجبار الناس علی منح اصواتهم لمرشحین معیین فی بعض المراکز الانتخابیة .
ومع کل هذه النواقص فإن المشارکة الواسعة فی الانتخابات والتی بغلت اکثر من 7 ملایین ناخب من مجموع 12 ملیون لا تعبر فقط عن انجاز مهم حققه الشعب الافغانی بل تعبر ایضا عن عزم هذا الشعب علی تحقیق الامن والاستقرار فی ربوع بلاده وتصمیمه علی عبور الازمة التی سببها له وجود طالبان وقوات الاحتلال الامریکی وبالتالی یمکن القطع بأنه لولا تدخل هذه القوات وما نجم عنه من مؤامرات ظاهرة وخلفیة ضد هذا البلد لتمکن الشعب من تقریر مصیره بنفسه وبشکل سلمی بعیدا عن ای اختلافات طائفیة أو قومیة .
ویعتقد اغلب المحللین ان الاقبال الواسع وغیر المتوقع من قبل الناخبین علی صنادیق الاقتراع والذی تم فی ظل ظروف امنیة قلقة دلل بشکل لا یقبل الشک علی ان الشعب الافغانی اطلق صیحته الرافضة لارهاب طالبان وتعنتها وارسل رسالة واضحة الی الغرب وعلی رأسه امریکا عبرت بشکل جلی عن قدرته علی ادارة شؤونه بنفسه والدفاع عن مصالحه وتقریر مصیره بشکل دیمقراطی وسلمی دون ای تدخل اجنبی .
وبغض النظر عمن سیفوز فی هذا السباق الانتخابی ستبقی المشارکة الواسعة فی الانتخابات سند قوی لدعم مشروعیة الحکومة القادمة و فرصة ثمینة لاعداد العدة لمواجهة طالبان وارغامها علی القبول باحد خیارین اما الدخول فی مفاوضات سلام مع هذه الحکومة لاقرار الامن فی افغانستان او الاستمرار فی النزاع العقیم الذی یستنزف طاقات وامکانات البلد .