الوقت- تصاعدت التوترات في البحر الأحمر لتشمل بنية تحتية رقمية حيوية بعد سلسلة من الحوادث التي أدت إلى قطع أو تعطّل كابلات الإنترنت البحرية في أوائل سبتمبر 2025، في المشهد الاقليمي المتأزم، برزت مزاعم متبادلة بين فاعلين إقليميين ودوليين حول مسؤولية الاضطرابات، بينما طرح الملف نفسه كقضية أمن قومي وسيادي لليمن.
حركة أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية تقدّم سياقًا مختلفًا للأحداث: ترى هذه الأطراف أن أي مفاوضات فنية حول إصلاح الكابلات لا يمكن فصلها عن إطار أوسع من العدوان والاغتيالات، ولا سيما بعد الضربات الجوية التي استهدفت قيادات يمنية في أغسطس 2025، في المقابل، تثير الحوادث مخاوف عالمية فنية واقتصادية نظراً لاعتماد المسارات البحرية على تلك الكابلات، هذا المقال يحاول تقديم قراءة تشرح موقف أنصار الله والقوات المسلحة، وتضعه في سياق الوقائع التقنية والسياسية المعلنة، مع إبقاء المجال مفتوحًا لفهم التعقيدات الإقليمية والدولية.
لماذا ربطت أنصار الله توقف الحوار بالضربات الجوية؟
وفق ما نقلته تقارير إخبارية ومتابعات استخباراتية، كانت وساطات إقليمية، من بينها مساعٍ عُمانية، تسعى إلى فتح قنوات تفاوض مع أنصار الله وأصحاب مصلحة شركاء الكابلات لإمكانية إصلاح وتأمين المشاريع تحت إشراف فني، إلا أن تصاعد العمليات العسكرية، وخصوصًا الضربات التي استهدفت قيادات يمنية في أواخر أغسطس 2025، من قبل الكيان الصهيوني، أوجدت منطقًا مغايرًا لدى الطرف اليمني: كيف يمكن تنفيذ أعمال تقنية داخل المنطقة مع وجود تهديدات أمنية تستهدف قادة ومواقع وطنية؟ وفق تقارير مثل Intelligence Online، قادت الغارات الصهيونية إلى تآكل "إطار الثقة" المطلوب لمواصلة النقاشات، فأعلنت الأطراف اليمنية انسحابها أو تعليق مشاركتها باعتبار أن الضمانات الملموسة للحماية كانت غير متوافرة.
هذا الموقف يُفهم لدى أنصار الله على أنه إجراء دفاعي وسيادي — رفض لربط بنية تحتية وطنية بإجراءات لا تحمي المدنيين أو القادة من اعتداءات خارجية، في المقابل، يقدر المجتمع الدولي المخاطر التشغيلية على الإنترنت العالمية، ما يجعل ملف الكابلات نقطة تلاقي حساسة بين المطالب الأمنية والسيادية.
الكابلات كورقة ردع أم تهديد للبنية العالمية؟
الكابلات البحرية تمثل شريانًا حيويًا للاتصالات والاقتصاد الرقمي؛ تعطّلها يسبب آثارًا تقنية واقتصادية فورية، من منظور أنصار الله كما يظهر في بياناتهم ومواقفهم، تهديد أو استخدام هذا الملف ورقة ردع استراتيجية تُوظّف للضغط على من هم مسؤولين عن العدوان والحصار، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني وحلفاؤه، هذا الاستخدام، وفق الموقف اليمني، لا يأتي من فراغ بل كجزء من حسابات توازن قوة إقليمية عندما تكون الخيارات الدبلوماسية أو القانونية محدودة أو غير فعالة.
ازدواجية المعايير والضغط الدولي: كيف تفسّر أنصار الله سلوك المجتمع الدولي؟
أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية يعرضون أطروحة مفادها بأن الاهتمام الدولي بأمن الكابلات يكشف ازدواجية في المعايير: إذ تُثار حالياً تحركات دولية لحماية مصالح تقنية واقتصادية عالمية بينما تُسكت أو تُخفف نفس القوى من إدانات بشأن عمليات عسكرية استهدفت مدنيين وقادة يمنيين أو الشعب الفلسطيني في غزة وفق الروايات المتداولة، هذا السرد يهدف إلى إبراز تواطؤ وتحفظ دولي على حساب حقوق وسيادة الشعوب المحلية، بمقتضى هذا الإحساس بالظلم، ترى القيادة اليمنية أن استخدام أدوات الضغط الاستراتيجية — بما فيها ملف الكابلات أو حظر حركة سفن تابعة للكيان يصبح وسيلة لردع استمرار العدوان الصهيوني ووقف دعم التحالفات الخارجية التي تعتبرها مسهّلة لهذا العدوان، من زاوية تحليلية، يُلقي هذا الموقف الضوء على أهمية ربط مبادرات فنية دولية بضمانات سياسية واضحة.
مسارات الحل.. شروط فنية وسيادية لاستئناف التفاوض دون تنازل عن الحقوق
إذا كان الهدف هو إعادة فتح قنوات إصلاح وتأمين الكابلات مع تقليل مخاطر التصعيد، فالمعادلة تتطلب مزجًا بين ضمانات فنية وإجراءات سيادية. من الجانب الفني: إشراف مستقل ومحايد على عمليات الإصلاح، جداول زمنية واضحة، وجود سفن إصلاح محمية، وآليات شفافة للتنسيق مع السلطات المحلية. من الجانب السياسي والسيادي: ضمانات مكتوبة ضد استهداف قيادات أو مواقع يمنية خلال فترة التنفيذ، آليات تحقّق من الالتزام بتلك الضمانات وإمكانية فرض عقوبات على أي خرق، وكذلك إشراك الأطراف اليمنية في كل مراحل التخطيط والتنفيذ داخل المياه الإقليمية، مثل هذا الإطار قد يتيح لأنصار الله والقوات المسلحة اليمنية موقفًا يسمح بالمشاركة الفنية دون التفريط بالسيادة أو التعرض لمخاطر أمنية، في المقابل، يقدّم للمجتمع الدولي بوابة لحماية البنى التحتية العالمية مع احترام المعايير القانونية والحرص على خفض التصعيد العسكري والسياسي في المنطقة.
الوساطة الأوروبية.. محاولة لإنقاذ المفاوضات وتثبيت الاستقرار
مع تصاعد المخاوف من اتساع نطاق الاضطرابات في البحر الأحمر وتأثيرها على الاقتصاد الرقمي العالمي، بدأت أوروبا في الأسابيع الأخيرة بالتحرك لفتح قناة وساطة جديدة بين أنصار الله والأطراف الدولية المعنية بمشروعات الكابلات البحرية، هذا التحرك الأوروبي، الذي يأتي بالتنسيق مع الجهود العُمانية، يُنظر إليه كمحاولة لاحتواء التوتر وضمان استمرار حركة التجارة والاتصالات بين آسيا وأوروبا دون مزيد من الانقطاعات. مصادر دبلوماسية أشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي يسعى لطرح "آلية مراقبة مشتركة" تضمن الشفافية في أي عمليات إصلاح مستقبلية، مع التزام واضح بعدم استغلال هذه المشاريع لأغراض عسكرية أو استخباراتية.
في المقابل، تصرّ أنصار الله على أن أي وساطة لن تنجح ما لم تترافق مع موقف أوروبي واضح من العدوان الصهيوني ووقف الاغتيالات التي تستهدف اليمنيين، إن نجاح هذه الوساطة مرهون بقدرة أوروبا على الموازنة بين مصالحها التقنية ومسؤولياتها السياسية، وبمدى استعدادها للتعامل مع أنصار الله كطرف أساسي في المعادلة الإقليمية لا يمكن تجاوزه أو تهميشه.
في الختام ، ملف كابلات البحر الأحمر يمثّل تقاطعًا حاسمًا بين الأمن التقني والحقوق السيادية والسياسة الإقليمية، موقف أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية، كما عُرض في هذا المقال التحليلي، ينبع من إحساس قوي بالتهديد وبإحباط من غياب ضمانات واضحة بعد ضغوط وعمليات عسكرية استهدفت قيادات يمنية. في المقابل، تحتاج البنية التحتية الرقمية العالمية إلى حماية فعلية وعمليات صيانة لا تُعرّضها لخطر الانقطاع المستمر، الخلاصة العملية تشير إلى أهمية إطار تفاوضي مشترك يجمع بين ضمانات فنية مستقلة وآليات سياسية تحفظ سيادة اليمن وتقيّن المخاطر، ما يفتح إمكانات لحلول عملية تُبعد الملف عن منطق الاحتكاك وتحوّله إلى نموذج شراكة تحفظ مصالح الجميع وتقلّل من احتمالات التصعيد.
