الوقت - في إطار نهجه العدواني في السياسة الخارجية، أمر دونالد ترامب مؤخراً باستئناف التجارب النووية بعد عقود من التوقف، ما عزز بوادر حرب باردة جديدة بين واشنطن ومنافسيها العالميين مثل الصين وروسيا.
أظهر إصدار هذا الأمر، إلى جانب تغيير اسم وزارة الدفاع إلى "وزارة الحرب"، عزم البيت الأبيض على جعل السياسة الخارجية الأمريكية أكثر عدوانية.
لكن هذين القرارين، اللذين يبدوان للوهلة الأولى استعراضاً للقوة، هما في نهاية المطاف مجرد تستر على نقاط الضعف الهيكلية لقوة عظمى لم تخلف سوى الهزيمة في ساحات الصراع، من العراق وأفغانستان إلى أوكرانيا، يبدو الأمر كما لو أن الولايات المتحدة تحاول صرف انتباه العالم عن الحقيقة المرة لإفلاسها الاستراتيجي من خلال هذه المناورات الإعلامية والعسكرية، سيتناول هذا التقرير كيف يُمارس هذا الاستعراض للقوة في قلب واقع مفلس.
1. استعراض القوة في عصر التراجع
أصبحت الولايات المتحدة اليوم أشبه برجل أعمال كان أغنى رجل في السوق، لكنه يواجه الآن حسابات فارغة وائتمانًا منهارًا؛ ومع ذلك، تواصل محاولاتها لتقديم نفسها كقوة عظمى ومؤثرة، في حين أن تلك العظمة والسلطة السابقة لم تعد قائمة.
إن التدهور التدريجي للاقتصاد، وتفاقم أزمة الديون، وتمزق النسيج الاجتماعي، وتراجع الشرعية السياسية الداخلية، كلها عوامل تُضعف القوة الحقيقية للولايات المتحدة، لدرجة أن الحفاظ على صورتها كقوة عظمى لم يعد ممكنًا إلا من خلال المناورات الإعلامية والإجراءات الدراماتيكية.
إن سلوك واشنطن الأخير على الساحة الدولية - من وساطاتها الاستعراضية في عملية "السلام" في الشرق الأوسط إلى عملياتها العسكرية المحدودة ضد إيران وفنزويلا ومحور المقاومة - هو انعكاس لهذا الوضع: استعراض للقوة في خضم واقع مفلس.
2. علامات إفلاس القوة
يحدث الإفلاس في السياسة، كما في الاقتصاد، عندما تتجاوز تكلفة الحفاظ على المصداقية القدرة الحقيقية للدولة، في العقود الأخيرة، ظهرت عدة علامات على هذا التوجه في الولايات المتحدة، أهمها:
تراجع القوة الاقتصادية: تجاوز الدين الفيدرالي 35 تريليون دولار، وانخفضت حصة أمريكا من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى أقل من 25%.
تآكل القوة العسكرية في الميدان: الانسحاب المتسرع من أفغانستان، والعجز عن إدارة أزمة أوكرانيا، وتراجع الردع ضد محور المقاومة، كلها علامات على ضعف العمليات.
انهيار التماسك الداخلي: واجهت الولايات المتحدة أزمة داخلية بسبب انقسام سياسي عميق، وأزمة شرعية انتخابية، وتراجع غير مسبوق في ثقة الجمهور بالمؤسسات الحكومية.
في ظل هذه الظروف، اضطرت هذه القوة العظمى السابقة إلى تبني سياسات منخفضة التكلفة وبارزة لمنع الانهيار الكامل لصورتها السابقة.
3. مناورات منخفضة التكلفة؛ سياسة الحفاظ على المظهر
كما يحاول رجل أعمال مفلس الحفاظ على مصداقيته في السوق من خلال صفقات صغيرة لكنها صاخبة، تعمل السياسة الخارجية الأمريكية أيضًا بالطريقة نفسها:
عقوبات انتقائية ومؤقتة: أصبحت العقوبات تهديدًا إعلاميًا بدلًا من كونها أداة ضغط حقيقية.
عمليات عسكرية محدودة: تُنفذ ضربات الطائرات المسيرة أو الصواريخ في سوريا والعراق واليمن بشكل رئيسي بهدف توليد تغطية إعلامية، وليس تحقيق إنجازات ميدانية.
وساطات دراماتيكية: من خطط ترامب "للسلام" في الشرق الأوسط إلى جهود بايدن في أزمة أوكرانيا، جميعها محاولات للحفاظ على حضور أمريكا في مرحلة فقدت فيها نفوذها.
هذه التصرفات أشبه بمناورات إعلانية لشركة مفلسة تحاول إبقاء المستثمرين متفائلين بشأن بقائها من خلال التظاهر.
4. التكاليف الخفية والعواقب بعيدة المدى
على الرغم من أن هذه الاستعراضات للقوة قد تخلق وهم الهيمنة على المدى القصير، إلا أن لها عواقب وخيمة على المدى الطويل:
فقدان ثقة الحلفاء: أدركت دول مثل المملكة العربية السعودية وتركيا، وحتى بعض الحكومات الأوروبية، أن واشنطن لم تعد قادرة على الوفاء بالتزاماتها الأمنية.
تزايد جرأة المنافسين: وسّعت الصين وروسيا وإيران نطاق نفوذها، مدركةً الفجوة بين القوة الحقيقية والاستعراضات الأمريكية.
تزايد عدم الاستقرار العالمي: دفعت قرارات واشنطن المتسرعة وغير المتوقعة النظام الدولي إلى فوضى عارمة.
في الواقع، كل عرض إعلامي جديد للولايات المتحدة هو خطوة أخرى نحو تآكل مكانتها التاريخية كقوة عظمى.
٥. نهاية حقبة
أمريكا اليوم أشبه برجل أعمال مفلس لا يزال يرتدي ملابس فاخرة حتى لا يلاحظ الدائنون إفلاسه، لكن الحقيقة ستظهر عاجلاً أم آجلاً: لقد نفد رأس مال واشنطن السياسي والأخلاقي، وانتهى عصر هيمنتها المطلقة.
العقوبات غير الفعالة، والعمليات الاستعراضية، والمناورات الإعلامية ليست سوى محاولات يائسة لإبقاء ذكرى "العصر الذهبي" حية، العالم على وشك دخول مرحلة توازن قوى متعدد الأقطاب، والولايات المتحدة، رغم كل الضجيج، لم تعد اللاعب الوحيد على هذا المسرح العالمي.
                            