الوقت- بعد عشرة أشهر من سقوط حكومة بشار الأسد وصعود الجماعات المسلحة إلى السلطة في سوريا، تشهد البلاد إجراء أول انتخابات برلمانية لها، انتخابات يُقدّمها حكام دمشق الجدد - القوى الإرهابية السابقة - كوسيلة لتأكيد شرعيتهم، لذلك، يتنافس اليوم (الأحد) 1587 مرشحًا على 140 مقعدًا في مجلس الشعب (البرلمان)، تتوزع هذه المقاعد على 60 دائرة انتخابية في مختلف محافظات سوريا (باستثناء السويداء والرقة والحسكة)، وبالإضافة إلى ذلك، ووفقًا لقرار "أحمد الشرع"، المعروف بأبي محمد الجولاني، الذي نصّب نفسه رئيسًا مؤقتًا لسوريا، سيتم تحديد 70 مقعدًا إضافيًا بشكل مباشر، ليصل عدد أعضاء مجلس الشعب إلى 210 أعضاء.
وتمنح الآلية الانتخابية الجديدة، المصممة على أساس التمثيل، حق التصويت فقط لأعضاء المجالس الانتخابية (حوالي 6000 من النخب والشيوخ وممثلي مختلف شرائح المجتمع)، ويتم تطبيق هذه الطريقة وفقًا لـ "الإعلان الدستوري" والمرسوم الرئاسي رقم 66 لعام 2025 المنشئ للمفوضية العليا للانتخابات، وصرح نوار نجمة، المتحدث باسم المفوضية العليا للانتخابات السورية، قائلاً: "ستُجرى الانتخابات وفق منهجية جديدة تهدف إلى ضمان مشاركة واسعة للشعب، بحيث يكون لجميع الفئات السورية ممثلون في مجلس الشعب"، يأتي هذا في وقت أثار فيه غياب المرشحين من محافظة السويداء وشمال شرق سوريا تساؤلات جدية حول التمثيل الحقيقي لجميع الأقليات في مجلس الشعب.
ولتبرير عملية الانتخابات غير الديمقراطية، ادّعى نظام الجولاني أنه بما أن الإحصاءات الدقيقة لعدد الناخبين وإجراء انتخابات شعبية أمرٌ مستحيل في ظل نزوح ملايين المواطنين السوريين بسبب الحرب، فسيتم عقد هذه الفترة بشكل غير مباشر بهدف تطوير آليات قانونية جديدة في المستقبل.
إضفاء الشرعية على النظام المؤقت
بإجراء هذه الانتخابات، يحاول أحمد الشرع أن يُظهر للعالم أن الحكومة السورية الجديدة هي نتيجة إرادة الشعب، وأنها تنوي إنشاء إطار شبه ديمقراطي لحكم البلاد، ومع ذلك، فإن السؤال الأساسي هو ما إذا كان مجرد إجراء انتخابات شكلية يمكن أن يضفي شرعية حقيقية على حكومة شُكّلت على أساس العنف.
النقطة المهمة هي أنه إذا أردنا قياس الشرعية حقًا، فكان ينبغي أن تكون الخطوة الأولى أن يطرح الجولاني نفسه منصبه كرئيس مزعوم للتصويت العام لتحديد ما إذا كان المجتمع السوري سيقبله في هذا المنصب أم لا، لذلك، في ظل غياب الانتخابات الرئاسية، يُعدّ أي تصويت على مقاعد البرلمان لعبةً سياسيةً لتعزيز السلطة الشخصية للجولاني أكثر منه عمليةً ديمقراطية.
ثلث المقاعد ملكٌ للجولاني
لا تحمل الانتخابات الحالية أي أثرٍ للديمقراطية، إذ تُجرى العملية بشكل غير مباشر، ويُجرى التصويت لتحديد ثلثي الممثلين من خلال مجالس المناطق، بينما يُحرم المواطنون العاديون عمليًا من حق المشاركة في الانتخابات، علاوةً على ذلك، فإن أعضاء المجالس المحلية، البالغ عددهم 6000 عضو، والمُفترض أن ينتخبوا ثلثي المقاعد، ليسوا ممثلين حقيقيين للشعب، بل يُعيّنهم النظام المؤقت.
إلى جانب استبعاد الشعب من عملية التصويت، لا يُفترض أن تُحدّد المجالس التمثيلية جميع المقاعد، بل يُختار ثلثها الجولاني، ما يُظهر أن الهيكل التمثيلي أصبح عمليًا أداةً لتعزيز الهيمنة الشخصية، لكن هذا ليس كل شيء، فالثلث المتبقي من المقاعد يُعيَّن مباشرةً من قِبل الجولاني، ما يُظهر أن الهيكل التمثيلي أصبح فعليًا أداةً لترسيخ سلطته الشخصية، ما يُفقِد أي ادعاء بالشعبية معناه، يُظهر هذا الترتيب للمقاعد بوضوح أنه، خلافًا لدعاية أحمد الشرع، لا يتمتع حكام دمشق بمكانة اجتماعية بين الناس، وقد لجؤوا إلى تعيينات انتقائية ومُتحكَّم فيها لإخفاء هذا الفراغ.
إقصاء الأقليات الدينية
من المسائل التي تُثير التساؤلات حول الطبيعة غير الديمقراطية لهذه الانتخابات إقصاء الأقليات العرقية والدينية، والذي حُرمت بموجبه المناطق الكردية والدرزية، التي تُشكل جزءًا كبيرًا من سكان سوريا، عمليًا من حق التصويت. وبما أن هذه الأقليات تُعارض حكومة الجولاني، فلو أُتيحت لها فرصة المشاركة الحقيقية، لكانت نتائج الانتخابات مختلفة لو كانت ديمقراطية.
كما تُدرك حكومة دمشق جيدًا أن أي انتخابات حرة وشاملة ستكشف عن أزمة شرعية الجماعات المسلحة، ولهذا السبب لم تسمح حكومة الجولاني للشعب بالمشاركة المباشرة في عملية التصويت، حتى في المناطق التي تُجرى فيها الانتخابات، يُعارض الكثير من الناس، بمن فيهم العلويون، نظام أحمد الشرع، ولن يشاركوا بلا شك في هذه الانتخابات التعسفية والانتقائية.
لذلك، فإن طريقة إجراء الانتخابات في المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام أقرب إلى النماذج القبلية منها إلى العمليات الديمقراطية. أحمد الشرع ليس رئيسًا بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل يلعب دور الخليفة الذي طالما طمح إليه لسنوات، أما الآن، ونظرًا لمقتضيات العصر، فهو يحكم البلاد بمظهرٍ عصري، ولذلك، فإن هيكل سلطته أشبه بالحكومات التقليدية في المشيخات العربية في الخليج الفارسي، حيث يُعيّن الحاكم غالبية النواب، ويكون دور البرلمان استشاريًا وشرفيًا بحتًا.
وهذه الطريقة في الواقع غطاء سياسي لخداع الرأي العام المحلي والدولي بمظهر المشاركة الشعبية، إن إجراء مثل هذه الانتخابات الصورية يسمح لقادة تحرير الشام بالادعاء بأن العملية الديمقراطية قد بدأت في ظل جماعات المعارضة، بينما في الواقع ليس أكثر من ترسيخ أسس نظام غير شرعي.
ازدواجية معايير الغرب
من أبرز ما في الانتخابات السورية تباين ردود فعل الدول الغربية تجاه هذه العملية، في السنوات السابقة، عندما أجرى بشار الأسد انتخابات رئاسية في خضم الحرب الأهلية، بمشاركة 80% من الشعب السوري، وصوتت له الأغلبية، أعلنت الولايات المتحدة والدول الأوروبية أن هذه الانتخابات غير قانونية وغير شرعية. كانت حجتهم الرئيسية هي غياب المساحة الديمقراطية، ولكن الآن، وبعد أن أجرى الجولاني انتخابات استعراضية بآليات محدودة وغير ديمقراطية، التزمت هذه القوى نفسها الصمت.
وحتى بعد الصمت، تدعم الدول الغربية النظامَ الجديد بحكم الأمر الواقع من خلال رفع العقوبات واتخاذ خطوات مثل إعادة فتح السفارات، يُظهر هذا السلوك بوضوح ازدواجية معايير الغرب، حيث لا يكون معيار الشرعية هو الإرادة الحقيقية للشعب، بل مدى امتثال الحكومات لمصالح الغرب الجيوسياسية، تُقوّض هذه الممارسة ثقة الجمهور في ادعاءات الغرب الديمقراطية، وتُظهر أن السياسة الدولية غالبًا ما تستند إلى مصالح القوى بدلاً من حقوق وإرادة الدول، بشكل عام، يمكن القول إن الانتخابات السورية صُممت من البداية إلى النهاية لترسيخ موقف الجولاني، لا لإشراك الشعب السوري في تقرير مصيره، ولا تُفضي هذه العملية إلا إلى ترسيخ الاستبداد، لأن مجتمعًا تُحرم فيه أجزاء كبيرة منه من حق المشاركة، ويُعيّن قائد عسكري غير شرعي ممثليه، لا يمكن أن يدّعي الديمقراطية، في الواقع، إن البرلمان المُشكّل بهذه الطريقة أشبه بمؤسسة وهمية منه بجمعية حقيقية.