الوقت- قُتل أكثر من 70 شخصًا في غارة جوية بطائرة من دون طيار على مسجد في إقليم دارفور بالسودان، نُسب الهجوم الذي وقع في الفاشر قبل يومين إلى قوات الدعم السريع، لكن الجماعة لم تعلن مسؤوليتها، تخوض قوات الدعم السريع والجيش حربًا أهلية شرسة منذ أكثر من عامين، وقد لوحظ تقدم للمليشيات عبر دارفور في قتالهم للسيطرة الكاملة على الفاشر، الفاشر هي آخر معقل للجيش السوداني في دارفور، وتضم أكثر من 300 ألف مدني محاصرين في الحرب الأهلية السودانية.
دعا الأمين العام للأمم المتحدة أيضًا إلى وقف فوري لإطلاق النار في إقليم دارفور بالسودان، معربًا عن "قلقه البالغ" إزاء "التدهور السريع للوضع" بعد هجوم قاتل بطائرة من دون طيار يوم الجمعة، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 70 مصليًا في الفاشر، وقال أنطونيو غوتيريش في بيان أصدره المتحدث باسم الأمم المتحدة يوم السبت: "يجب أن يتوقف القتال الآن"، وحثّ الأطراف المتحاربة على الحوار وإنشاء ممرات إنسانية، مع دخول الحرب الأهلية الوحشية التي دمرت البلاد عامها الثالث.
الأزمة في الفاشر
لا تزال الفاشر، عاصمة شمال دارفور، آخر معقل رئيسي للقوات المسلحة السودانية والحكومة في جميع أنحاء دارفور، وقد حاصرت ميليشيا قوات الدعم السريع المدينة لأكثر من عام، وشنت الميليشيات هجومًا جديدًا للسيطرة عليها في الأسابيع الأخيرة.
أعربت المنظمات الإنسانية عن قلقها إزاء تزايد الجوع في المدينة، حيث يُحاصر مئات الآلاف من الناس دون الحصول على الغذاء والدواء وغيرها من الضروريات.
أعلنت الأمم المتحدة أن الوضع الإنساني في السودان حرج، حيث قُتل الآلاف ونزح الملايين في جميع أنحاء البلاد، وهو الأسوأ في العالم.
أفاد كثيرون ممن فروا من الفاشر بتعرضهم لهجمات من قبل قوات الدعم السريع أثناء تنقلهم من وإلى مخيمات اللاجئين، في أواخر أغسطس/آب، أي قبل أقل من شهر، قدرت اليونيسف نزوح حوالي 600 ألف شخص من الفاشر.
كما أفادت مصادر عسكرية سودانية لقناة الجزيرة يوم الأحد بأن قوات الدعم السريع واصلت تحليق طائرات من دون طيار فوق الفاشر، وقصفت المدينة، وقيل إن هذه الهجمات كانت من بين أعنف الهجمات التي شهدها سكان المدينة على الإطلاق.
وأفاد تقرير للأمم المتحدة بمقتل ما لا يقل عن 3384 مدنيًا في السودان في النصف الأول من هذا العام نتيجة للحرب الأهلية بين الجيش وقوات الدعم السريع.
جذور أزمة السودان
تعود جذور الاضطرابات في السودان إلى عملية الانتقال السياسي المضطربة التي أعقبت الإطاحة بالرئيس عمر البشير عام ٢٠١٩، فبعد سقوطه، وفّر اتفاق تقاسم السلطة بين القادة العسكريين والفصائل المدنية بصيص أملٍ في التحول الديمقراطي في السودان، إلا أن انقلاب أكتوبر ٢٠٢١، الذي دبره قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أحبط هذه الجهود وفاقم الانقسامات داخل الجيش، في الوقت نفسه، استغلت قوات الدعم السريع السودانية، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، هيمنتها الاقتصادية على مناجم الذهب وتحالفها مع القوى الإقليمية للإطاحة بالجيش والاستيلاء على السلطة لمصلحة جماعتها.
في الواقع، امتد الصراع في السودان إلى خارج حدوده، مؤثرًا على موقعه الاستراتيجي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، لقد قوّضت الآثار غير المباشرة للحرب الأهلية في السودان، بما في ذلك تهريب الأسلحة وتدفقات اللاجئين، الأمن والاستقرار الاقتصادي في الدول المجاورة مثل إثيوبيا وتشاد ومصر، وحتى الدول العربية في الشرق الأوسط، وقد أدى النزوح الداخلي في 18 ولاية سودانية، وخاصة في جنوب دارفور، إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة، وستواجه شمال أفريقيا موجة من الجوع والنزوح.
في الوقت نفسه، أصبح السودان ساحة صراع بين قوى خارجية متنافسة، وتعكس الحرب فيه أنماطًا أوسع من التنافس الجيوسياسي، ويُعدّ تحالف روسيا مع قوات الدعم السريع من خلال عمليات مجموعة فاغنر، بما في ذلك تعدين الذهب للتحايل على العقوبات الغربية، مثالًا على الدوافع الاقتصادية والاستراتيجية التي أدت إلى تورط دولة أجنبية مثل روسيا، وتسعى جهات فاعلة أخرى، مثل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى تحقيق مصالحها الاستراتيجية الخاصة في ظل التعقيدات الجيوسياسية للسودان، وقد حال التنافس بين هذه الجهات في السودان دون تحقيق استقرار كافٍ، حيث تدعم كل جهة من الجهات الفاعلة الأجنبية أحد جانبي الحرب في السودان، ومن ناحية أخرى، يشكل موقع السودان بالقرب من البحر الأحمر ممراً بحرياً حيوياً ومهماً استراتيجياً، وقد دفع هذا الموقع روسيا إلى التفكير في الحفاظ على قواعدها البحرية في السودان وتوسيعها.
من ناحية أخرى، لطالما دعمت مصر، لأسباب تاريخية، الجيش السوداني الذي تأسس قبل أكثر من 100 عام خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية والمصرية، خلال الحقبة الاستعمارية، تأسس الجيشان السوداني والمصري ككيان واحد، والآن، يتهم محمد حمدان دغلو حميدتي، قائد قوات الدعم السريع المدعومة من روسيا، القوات الجوية المصرية بالتدخل في السودان.
نتيجة لتدخلات ودعم جهات خارجية للأطراف المتحاربة في السودان، نزح 11 مليون سوداني من ديارهم، ما جعلها أكبر أزمة نزوح في العالم، كما قُتل مئات الآلاف من المدنيين، ويواجه السودان الآن أخطر مجاعة في العالم، ووفقًا للأمم المتحدة، تواجه البلاد حاليًا أسوأ أزمة إنسانية.