الوقت- أرسلت الولايات المتحدة قوة مهام بحرية إلى جنوب البحر الكاريبي، ونُشر هذا الأسطول مباشرة قبالة سواحل فنزويلا؛ وهو إجراء أصبح من أهم عمليات الانتشار الأمريكية في نصف الكرة الغربي في العقود الأخيرة، وكتب موقع إخباري عسكري آسيوي في تقرير له حول هذا الموضوع: تضم هذه القوة ثلاث مدمرات، هي "يو إس إس غرولي" و"يو إس إس جيسون دونهام" و"يو إس إس سامسون"، وهي مجهزة ببعض من أكثر أنظمة الدفاع الجوي والدفاع الصاروخي الباليستي والحرب المضادة للغواصات تطورًا في العالم، وسترافق المدمرات مجموعة هجومية برمائية، تتمركز على متن البوارج يو إس إس إيو جيما ويو إس إس سان أنطونيو ويو إس إس فورت لودرديل، وتحمل ما يقدر بنحو 4000 إلى 4500 جندي أمريكي، بما في ذلك وحدة استطلاع تابعة لسلاح مشاة البحرية معززة بنحو 2200 جندي جاهز للقتال.
وتشمل المعدات الأخرى على متن المجموعة طائرة المراقبة البحرية P-8A Poseidon، المصممة للاستطلاع بعيد المدى والحرب المضادة للغواصات والاستخبارات الإلكترونية، بالإضافة إلى غواصة هجومية واحدة على الأقل تعمل بالطاقة النووية يُعتقد أنها تعمل سرًا في المياه الدولية بالقرب من فنزويلا. ويُعد نشر الأسطول في المياه القريبة من فنزويلا، والذي يتم نشره كعملية لمكافحة المخدرات، مبررًا من واشنطن للرد المباشر على عمليات عصابات المخدرات، وخاصة كارتل ترين دي أراغوا الفنزويلي وكارتل سينالوا المكسيكي، اللذين تزعم الولايات المتحدة أنهما يغذيان أزمة الفنتانيل في الولايات المتحدة، ومع ذلك، فإن حجم ونطاق ورمزية المهمة يتجاوز بكثير حظر مكافحة المخدرات، ويثير تساؤلات جدية حول ما إذا كان الهدف الحقيقي هو تقويض أو حتى الإطاحة بحكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
انتشار بحري عميق استراتيجيًا
توفر المدمرات الثلاث للبحرية الأمريكية قدرة دفاع جوي وسطحي وصاروخي قوية، وفقًا لموقع DEFENCE SECURITY ASIA الإلكتروني ومقره ماليزيا، حيث تحمل كل سفينة أكثر من 90 منصة إطلاق عمودية لصواريخ توماهوك كروز، وصواريخ اعتراضية من طراز Standard Missile، وأسلحة مضادة للغواصات، ويمكن للمكون البرمائي، المتمركز حول حاملة الطائرات USS Iwo Jima، نشر مشاة البحرية على الشاطئ لمهام تتراوح من مهاجمة البنية التحتية لعصابات المخدرات إلى الهجمات البرمائية على القوات المعادية.
تمتد طائرات P-8A Poseidon نطاق مراقبة فرقة العمل إلى عمق البحر الكاريبي، حيث تراقب طرق التهريب والدفاعات الجوية الفنزويلية ورحلات الدعم الروسية أو الإيرانية المحتملة إلى البلاد، ويُضيف نشر غواصة هجومية بُعدًا آخر للقصة، إذ يمنح واشنطن قدراتٍ سريةً على الضربات والمراقبة، ويُرسل في الوقت نفسه إشارةً إلى كاراكاس مفادها بأن القوات الأمريكية قادرة على العمل بحصانة في جميع الممرات البحرية الفنزويلية.
نادرًا ما تُستخدم هذه القوة متعددة الطبقات، التي تجمع بين المقاتلات السطحية، وسفن الهجوم البرمائية، ومشاة البحرية، ودعم الغواصات، والمراقبة على ارتفاعات عالية، لدوريات مكافحة المخدرات فقط، ما يعكس الأهداف الجيوسياسية الأوسع لأمريكا في المنطقة.
مهمة واشنطن المزعومة: مكافحة عصابات المخدرات
يُصرّ البيت الأبيض على أن الهدف الرئيسي من النشر هو تعطيل عمليات عصابات المخدرات في أمريكا اللاتينية، وخاصةً تلك المتهمة بتهريب الكوكايين والفنتانيل إلى الولايات المتحدة، وقد استشهد المسؤولون الأمريكيون بمصادرة خفر السواحل الأمريكي شحنات كبيرة، بما في ذلك 3500 كيلوغرام من الكوكايين، بالقرب من جزر غالاباغوس، كمبررٍ لتعزيز الوجود البحري في منطقة البحر الكاريبي، يزعمون أن "فنزويلا هي مركز رئيسي لتجارة المخدرات وتغذي وباء الفنتانيل الذي يقتل الأمريكيين كل يوم".
وبتصنيف جماعات مثل "ترن دي أراغوا" و"إم إس-13" وست عصابات مكسيكية كمنظمات إرهابية أجنبية، مهدت الحكومة الأمريكية الطريق لاستخدام أكثر عدوانية للأصول العسكرية تحت ستار "مكافحة الإرهاب"، وتتولى فرقة العمل مهمة إجراء دوريات بحرية، واعتراض سفن التهريب المشتبه بها، وجمع المعلومات الاستخبارية عن طرق التهريب، وربما توجيه ضربات دقيقة ضد البنية التحتية المرتبطة بالعصابات، ويشير وجود مشاة البحرية إلى إمكانية مهاجمة معسكرات الكارتل أو المرافق الساحلية إذا توسعت العملية إلى ما هو أبعد من المراقبة والمنع.
تغيير النظام بمسمى آخر؟
في حين يُشدد الموقف الرسمي لواشنطن على الحرب على المخدرات، فإن الموقع والتوقيت والخطاب المرافق للانتشار يشير إلى مهمة ثانية غير معلنة: ممارسة أقصى قدر من الضغط على حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وفي الأسابيع الأخيرة، ضاعفت واشنطن مكافأة القبض على مادورو إلى 50 مليون دولار، وفي خطوة عدائية، اتهمته بأنه "الزعيم الهارب لعصابة مخدرات إرهابية".
لطالما اتهمت وكالات الاستخبارات الأمريكية مادورو بالارتباط بعصابة "دي لوس سولس"، المتورطة في تهريب المخدرات، وخاصة الكوكايين، وُجهت إليه لائحة اتهام عام 2020 في محكمة اتحادية في نيويورك بتهم "إرهاب المخدرات"، وصادرت السلطات الأمريكية مؤخرًا 700 مليون دولار من الأصول التي تزعم أنها مرتبطة بحكومته.
ويشير توقيت نشر القوات، بعد أسابيع فقط من إعادة انتخاب مادورو في يوليو 2025، إلى أن واشنطن ربما تسعى إلى نزع الشرعية عن حكومته وإثارة المعارضة الداخلية أو انهيارها تمامًا، وفقًا للتقرير، يعكس هذا الوضع تكرارًا للسياسات الأمريكية السابقة، بما في ذلك الاعتراف بزعيم المعارضة خوان غوايدو عام 2019، وفرض حظر على صناعة النفط في فنزويلا، ونشر مماثل للبحرية الأمريكية عام 2020.
التعبئة الشعبية والموقف الدفاعي
ومع ذلك، ردّ مادورو على هذا النشر، واصفًا إياه بأنه "قوة غزو استعمارية" أرسلتها "إمبراطورية متداعية"، وحشد الرئيس الفنزويلي 4.5 ملايين شخص في البلاد، ووضع القوات المسلحة في حالة تأهب قصوى، وحظر مؤقتًا تحليق الطائرات المسيرة فوق المجال الجوي الفنزويلي لمنع التخريب أو محاولات الاغتيال، وكتبت وسائل الإعلام الآسيوية أن رد فعل مادورو يعكس المخاوف بشأن الإجراءات الأمريكية في فنزويلا، وخاصة بعد نجاة الرئيس الفنزويلي من هجوم بطائرة مسيّرة عام 2018.
القوات المسلحة الفنزويلية مجهزة بأنظمة دفاع جوي روسية من طراز S-300، وطائرات مقاتلة من طراز Sukhoi Su-30، وبطاريات صواريخ على الساحل، كما ذكر موقع "ديفينس سيكيوريتي آسيا" أن كاراكاس تحظى بدعم روسيا والصين وإيران، وقد تعتبر جميعها نشر القوات الأمريكية استفزازًا يهدد مكانتها في أمريكا اللاتينية.
الولايات المتحدة في مواجهة منافسيها من القوى العظمى
وفقًا للتقرير، فإن نشر القوات هذا يتعلق بروسيا والصين وإيران على نطاق أوسع بقدر ما يتعلق بعصابات المخدرات المزعومة، وفنزويلا شريك استراتيجي لهذه الدول الثلاث، حيث تقدم موسكو مستشارين عسكريين وأسلحة لكاراكاس، وتستثمر بكين في النفط والبنية التحتية الفنزويلية، وتتعاون إيران مع البلاد بطرق مختلفة، وأشارت وسيلة الإعلام الماليزية إلى أن واشنطن، بتهديدها لكاراكاس، تُرسل إشارة أيضًا إلى هذه الدول الثلاث المتنافسة بأن نفوذها في نصف الكرة الغربي سيُقابل برد.
لطالما كانت منطقة البحر الكاريبي خطًا أحمر استراتيجيًا لمخططي الدفاع الأمريكيين، الذين يعتبرون وجود قوات معادية في المنطقة أمرًا غير مقبول، ويعود تاريخه إلى مبدأ مونرو وأزمة الصواريخ الكوبية، إن هبوط قاذفات روسية في فنزويلا، واستمرار ناقلات النفط الإيرانية في تجاهل العقوبات بالرسو في الموانئ الفنزويلية، يزيد من مخاوف واشنطن، وكتب الموقع الإلكتروني أن "نشر الأسطول الأمريكي قرب فنزويلا ليس عملية لمكافحة عصابات المخدرات، بل هو تحذير جيوستراتيجي للمنافسين العالميين".
دوافع سياسية محلية
وكتب موقع "ديفينس سيكيوريتي آسيا" أن العملية، بالنسبة لترامب، تُصبّ مباشرةً في أجندته السياسية المحلية، وتُعدّ أزمة المواد الأفيونية الناجمة عن الجرعات الزائدة وتعاطي الفنتانيل من أهم قضايا الصحة العامة في الولايات المتحدة، وربطها بفنزويلا من شأنه أن يُعزز مكانة ترامب في مجال القانون والنظام، وقد سعت إدارة واشنطن إلى تبرير فرض ضوابط حدودية صارمة، وعمليات ترحيل جماعي، وتشديد الرقابة على طالبي اللجوء، من خلال ربط عصابات المخدرات بالهجرة غير الشرعية وعنف العصابات.
مخاطر تصعيد التوترات
على الرغم من أن واشنطن تُصوّر عملية النشر على أنها عملية لمكافحة المخدرات، إلا أن وجود آلاف من مشاة البحرية، ومدمرات مُجهزة بصواريخ كروز، وغواصة نووية يُمهّد الطريق لتصعيد محتمل، ووفقًا للتقرير، فإن العمل العسكري المباشر للإطاحة بمادورو ينطوي على مخاطر جسيمة، تشمل انتهاكات للقانون الدولي، وانتكاسات إقليمية خطيرة، واحتمالية تفاقم الاضطرابات في فنزويلا.
وقد تمتد أزمة اللاجئين إلى كولومبيا والبرازيل ومنطقة البحر الكاريبي المجاورة، وتُثقل كاهل الاقتصادات الهشة وتُزعزع استقرار المنطقة، وكتب موقع "ديفينس سيكيوريتي آسيا" أن روسيا أو إيران قد تردّان بدعم مادورو، بما في ذلك توفير أسلحة متطورة أو زيادة التهديدات الأخرى في أوكرانيا والشرق الأوسط والقطب الجنوبي.
ولهذه الأسباب، يقول المحللون إن الولايات المتحدة من المرجح أن تنتهج استراتيجية قسرية تتضمن استخدام القوة لتخويف مادورو، وتشجيع الانفصال في الجيش، أو الضغط عليه لتقديم تنازلات، في أعقاب هذه التطورات، أيدت بعض الحكومات إجراءات واشنطن بهدوء، بينما حذرت أخرى منها، وقد رفضت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم بشدة نشر القوات الأمريكية في المنطقة، محذرة من أن مثل هذه الإجراءات ستزعزع استقرار نصف الكرة الأرضية.
وأعربت كولومبيا، على الرغم من تاريخها الطويل في مكافحة المخدرات والتعاون مع واشنطن في هذه القضية، عن استيائها من الوجود العسكري الأمريكي الكبير في المنطقة، قائلة إنه قد يؤدي إلى صراع أوسع، وتخشى دول الكاريبي، التي حافظ العديد منها على علاقات اقتصادية مع فنزويلا، من تأثير أزمة قد تعطل إمدادات النفط والتجارة والأمن الإقليمي.
على الصعيد الدولي، قد يؤدي نشر القوات إلى توتر علاقات الولايات المتحدة مع الحلفاء الأوروبيين، الذين يفضل الكثير منهم اتباع نهج دبلوماسي تجاه مادورو، مع تعزيز سمعة واشنطن كدولة مستعدة للتصرف بشكل أحادي، مناورة أوسع من مجرد عملية لمكافحة المخدرات، ويُصنّف الانتشار البحري الأمريكي في منطقة البحر الكاريبي رسميًا على أنه عملية لمكافحة المخدرات، إلا أن مزيج قواته وموقعه الاستراتيجي وسياقه السياسي يشير إلى مناورة أوسع بكثير من مجرد عملية منع مخدرات.
يُبرز هذا الانتشار تكامل الضرورات السياسية الأمريكية الداخلية، وخاصةً حاجة ترامب إلى اتخاذ إجراءات حاسمة ضد المخدرات والاشتراكية، مع منطق الهيمنة الراسخ في نصف الكرة الغربي بموجب مبدأ مونرو.
تعود منطقة البحر الكاريبي، التي كانت في السابق مسرحًا رئيسيًا لمواجهات الحرب الباردة، إلى العسكرة من جديد، بالنسبة لأمريكا اللاتينية، يثير هذا الانتشار تساؤلات وجودية: هل ينبغي مواكبة رؤية واشنطن للأمن في نصف الكرة الغربي أم مقاومة العودة إلى التدخل الأمريكي الذي يراه الكثيرون مزعزعًا للاستقرار وإمبرياليًا؟
إن مخاطر تصاعد التوترات ليست افتراضية؛ إذ قد يتفاقم سوء التقدير بسرعة إلى صراع مباشر من شأنه زعزعة استقرار المنطقة الأوسع، وستكون العواقب الإنسانية فورية، إذ سيُفرّ ملايين الفنزويليين إلى كولومبيا والبرازيل ومنطقة البحر الكاريبي، ما يُرهق الاقتصادات الهشة ويُخلّف أزمة لاجئين على نطاق لم يشهده نصف الكرة الغربي منذ عقود، يعتمد قرار ترامب بالانتقال من القوة إلى الفعل على سلوك مختلف الأطراف الفاعلة، ومقدار رأس المال السياسي الذي يرغب البيت الأبيض في إنفاقه على صراع خارجي آخر.