الوقت- في غزة، لا يبدو أن هناك بوادر انفراج قريبة لإنهاء الحرب، فقد أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي وزراء حكومته خلال اجتماع الكابينت أن “صفقة ما” لا تزال مطروحة على الطاولة، وهو ما يتعارض مع ما أعلنته قطر التي أكدت أن الوسطاء ما زالوا بانتظار رد "إسرائيل" على مقترح لوقف إطلاق النار، كانت “حماس” قد وافقت عليه مطلع الأسبوع الماضي.
وفي الوقت الذي يتمسك فيه نتنياهو، مدعومًا من وزراء اليمين المتطرف، بخيار عملية عسكرية واسعة النطاق تهدف إلى السيطرة على كامل قطاع غزة ضمن ما يعرف بخطة “عربات جدعون 2″، تتحرك مصر على الجانب الآخر وسط مخاوف من تنفيذ سيناريو التهجير تحت وطأة توسع العمليات الإسرائيلية.
وقد أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن القاهرة دفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة قرب معبر رفح، شملت زيادة أعداد الجنود وإدخال دبابات وآليات مدرعة إلى شمال سيناء.
ومنذ بداية التصعيد في غزة، لم تتوقف مصر عن توجيه رسائل عسكرية واضحة، فيما جاءت زيارة وفد عسكري أردني إلى القاهرة لتعكس حجم المخاطر الإقليمية، ولتؤكد أن مصر والأردن تخشيان من تداعيات ما يجري في غزة وانعكاساته على أمن البلدين.
وفي هذا السياق، أوضح الكاتب المصري أسامة الدليل في تصريحات لقناة العربية أن الوضع في غزة يتجه نحو مزيد من التأزم، وأن الخطط المطروحة على الطاولة تنذر بوقوع “خطأ ما”، قد يؤدي إلى انفجار واسع، لكنه شدد على أن القوات المسلحة المصرية جاهزة منذ زمن لمثل هذه الاحتمالات.
وذكّر بأن "إسرائيل" نفسها سبق أن اشتكت في مجلس الأمن من تراكم البنية العسكرية المصرية في سيناء، في إشارة إلى إدراكها لجدية هذه التحركات، وبرأيه، فإن الرسالة المصرية واضحة: “لسنا نخشى، ولكننا نردع”، والفرق بين المصطلحين يعكس جوهر الموقف الرسمي.
وحين سُئل عن طبيعة “الخطأ المتوقع”، أوضح الدليل أن الاحتمال الأكبر يتمثل في دفع الفلسطينيين من القطاع باتجاه الحدود المصرية، وهو ما تعتبره القاهرة “خطًا أحمر” لا يمكن تجاوزه، أما الاحتكاكات الحدودية العرضية، فهي ليست كفيلة بإشعال حرب شاملة، لكن محاولة التهجير القسري للفلسطينيين ستكون بمثابة تجاوز للخطوط المرسومة.
أما بشأن تصريحات نتنياهو الأخيرة، التي أكد فيها عزمه على المضي في خطة احتلال غزة، فقد اعتبرها الدليل مؤشراً على تجاهل متعمد للوساطات الدولية، سواء القطرية أو المصرية أو حتى الأميركية، حيث يلمّح نتنياهو إلى إمكانية التفاوض من عاصمة أخرى، بعيدًا عن الدوحة والقاهرة، وبالنسبة له، فإن السيطرة على مدينة غزة، بما تمثله من رمزية ومركزية بالنسبة لحركة “حماس”، هي الهدف الحاسم بعد أن سيطرت "إسرائيل" بالفعل على أكثر من 75% من أراضي القطاع، لكنه، وفق قراءة الدليل، يناور عبر خطاب مزدوج: إظهار الاستعداد للتفاوض، لكن “تحت السلاح”، بما يعني أن المسألة بالنسبة له “معادلة صفرية”، إما استسلام حماس، أو القضاء عليها بالكامل
مصر تنشر 40 ألف جندي في سيناء
كشف مصدر عسكري رفيع لصحيفة *ميدل إيست آي* أن الجيش المصري رفع مستوى انتشاره في شمال سيناء إلى درجة غير مسبوقة منذ عقود، وسط تزايد المخاوف من أن يؤدي المخطط الإسرائيلي الرامي إلى احتلال قطاع غزة إلى دفع الفلسطينيين نحو الحدود المصرية.
وحسب المصدر، فقد بلغ عدد القوات المصرية المنتشرة في شمال سيناء نحو 40 ألف جندي، أي ما يقارب ضعف العدد المسموح به بموجب معاهدة السلام الموقعة بين القاهرة وتل أبيب عام 1979، وأكد أن هذه التعبئة جاءت بتعليمات مباشرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، عقب اجتماع مشترك للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الأمن القومي.
وأوضح أن "إسرائيل" تسعى من خلال عملياتها العسكرية إلى تفكيك حركة حماس ودفع أعداد كبيرة من الفلسطينيين خارج القطاع، وهو ما ترفضه القاهرة رفضاً قاطعاً، وأضاف إن القوات المصرية أعادت الانتشار في مناطق متعددة من شمال سيناء، بما في ذلك “المنطقة ج” المحاذية مباشرة لقطاع غزة، مشيراً إلى أن "إسرائيل" أُخطرت رسمياً بهذه التعزيزات لكنها أبدت اعتراضها على حجم القوات ومواقع تمركزها.
وشدد المصدر على أن القاهرة أكدت للطرف الإسرائيلي أن التحركات ذات طبيعة دفاعية بحتة، غير أنها في الوقت نفسه وجهت تحذيراً واضحاً بأن أي اعتداء على الأراضي المصرية سيُقابل برد حاسم، وقد شملت التعزيزات إدخال دباباتM60، وآليات مدرعة، ومنظومات دفاع جوي، إضافة إلى قوات خاصة تمركزت في محيط رفح ومدينة الشيخ زويد وقرية الجورة القريبة من الحدود.
وفي خطوة لافتة، وجّه محافظ شمال سيناء اللواء خالد مُجاور مطلع الشهر الجاري تحذيراً شديد اللهجة من معبر رفح ضد أي محاولة إسرائيلية لاستهداف الحدود المصرية، قائلاً: “كل من يظن أنه يستطيع الاقتراب من حدودنا سيواجه برد غير متوقع وصادم".
تأتي هذه التطورات وسط تصاعد المخاوف من أن الاحتلال الإسرائيلي المرتقب لغزة قد يؤدي إلى أزمة تهجير جماعي للفلسطينيين، فمنذ اندلاع الحرب، ترددت تقارير متزايدة عن محاولات لفرض ترحيل قسري لمئات الآلاف من سكان القطاع، وقد طُرحت سيناء عبر العقود كخيار بديل لتوطين الفلسطينيين، وهو ما تصفه القاهرة بأنه “خط أحمر".
وكان الرئيس السيسي قد أكد في تصريحات سابقة رفض مصر القاطع لهذه الطروحات، قائلاً: “نقل الفلسطينيين لا يمكن القبول به أبداً، الحل ليس في اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه”، هذا الموقف يجد صدى واسعاً بين قبائل شمال سيناء التي أعلنت بوضوح رفضها لأي محاولة لتوطين الفلسطينيين على أراضيها. ففي أبريل الماضي، اجتمع نواب وزعماء قبائل في مدينة العريش لتجديد موقفهم، حيث قال الشيخ سلامة الأحمر، أحد وجهاء قبيلة الترابين: “نقف مع غزة، ولكن ليس على حساب أرض سيناء أو سيادة مصر".
ويطرح التصعيد الإسرائيلي المتوقع في غزة أسئلة ملحة حول قدرة القاهرة على التوفيق بين استعداداتها العسكرية ودورها الدبلوماسي، بما يجنّبها الانزلاق إلى أزمة إنسانية كبرى على حدودها الشرقية.
وعلى الرغم من أن مصر حافظت على علاقات وثيقة مع إسرائيل منذ توقيع معاهدة السلام عام 1979، شملت تعاوناً أمنياً واقتصادياً واسعاً – من بينها تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا واتفاقيات المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ) – إلا أن الحرب الجارية تسببت في تدهور غير مسبوق في العلاقات الثنائية منذ عقود، خصوصاً بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي في مايو 2024 على “ممر فيلادلفيا” الحدودي، فقد اعتبرت القاهرة هذا التحرك خرقاً لمعاهدة السلام، في حين بررته تل أبيب بأنه ضرورة أمنية لمنع تهريب السلاح