الوقت- أصدرت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو بياناً وصفت فيه موقف لبنان تجاه سلاح حزب الله بأنه يحتاج إلى تعديل، وأعلنت استعدادها للتعاون مع بيروت في حال اتخاذ خطوات نحو نزع سلاح الحزب، هذه الخطوة، التي وصفتها وسائل إعلام عربية بأنها تدخلية، تفتح باب التساؤلات حول استراتيجية "إسرائيل" في المنطقة ومدى رغبتها في الاستفادة من ضعف الدولة اللبنانية على المستوى السياسي والأمني.
الإعلان الإسرائيلي يشير إلى محاولة تل أبيب استغلال الانقسامات الداخلية في لبنان لتحقيق مصالحها الإقليمية، وخصوصاً في ظل الضغوط الأمريكية والدولية التي تسعى لتقييد نفوذ حزب الله، ويُظهر البيان أيضاً استراتيجية "إسرائيل" القائمة على تقديم "حوافز مقابل التنازلات" لخلق انقسام داخلي داخل لبنان، ما قد يمهد الطريق لتأثير أوسع على القرارات الوطنية، ويبرز الحاجة إلى وعي سياسي داخلي لبناني لتجنب الانزلاق نحو سياسات قد تهدد الاستقرار الوطني.
حزب الله والحكومة اللبنانية: مواجهة مفتوحة
تأتي تصريحات "إسرائيل" في وقت حساس يمر فيه لبنان بأزمات اقتصادية وسياسية عميقة، ردود فعل حزب الله كانت حادة وواضحة؛ إذ اعتبر الحزب أن الحكومة اللبنانية لم تحمِ المواطنين بالشكل المطلوب، وأن تصريحاتها الأخيرة تعكس ضعفاً أمام الضغوط الإقليمية، من منظور تحليلي، هذه المعركة الكلامية بين الحكومة اللبنانية وحزب الله تكشف عن الصراع الداخلي في لبنان بين الحفاظ على سيادة الدولة ومواجهة الضغوط الخارجية وبين مصالح القوى الداخلية المترابطة مع أطراف إقليمية ودولية، ويشير المراقبون إلى أن حزب الله يعتبر نفسه خط الدفاع عن السيادة اللبنانية ضد أي تدخل خارجي، ما يجعل أي تحرك حكومي بشأن نزع السلاح حساساً للغاية ويستلزم دراسة دقيقة لتداعياته السياسية والاجتماعية.
تحليل دوافع "إسرائيل".. استغلال الفراغ السياسي والأمني
البيان الإسرائيلي ليس مجرد موقف دبلوماسي عابر، بل يعكس استراتيجية طويلة المدى، "إسرائيل" تدرك أن لبنان يمر بمرحلة ضعف مؤسسي وأمني، وأن الفراغ السياسي يمكن أن يُستغل لإضعاف حزب الله وتقويض قدراته، من خلال تقديم تعاون مشروط مع الحكومة اللبنانية، تحاول "إسرائيل" خلق حالة من الانقسام الداخلي وإقناع بعض الأطراف بأن التنازل عن السلاح قد يفتح الطريق أمام تحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية، وهذا ما يضع لبنان أمام اختبار حقيقي: كيف يمكن للدولة الحفاظ على سيادتها في مواجهة هذا الضغط الخارجي؟ تحليل السياق التاريخي يشير إلى أن "إسرائيل" سبق أن استخدمت أسلوب "التعاون المشروط" مع دول مجاورة لتحقيق مكاسب استراتيجية، ما يجعل الموقف اللبناني الحالي اختباراً لقدرة الدولة على مقاومة النفوذ الإقليمي وتعزيز مصالحها الوطنية بشكل مستقل.
التحديات الداخلية للبنان
من وجهة نظر تحليلية، لبنان يواجه تحديات مزدوجة، داخلياً، هناك حاجة للحفاظ على التوازن بين مكونات السلطة السياسية والمجتمع المدني، وهو ما يفسر حساسية موضوع سلاح حزب الله، خارجياً، هناك ضغوط من الولايات المتحدة و"إسرائيل" لتقييد نشاط الحزب، وهو ما يزيد من تعقيد مهمة الحكومة اللبنانية، التدخل الإسرائيلي في هذا السياق يضيف بعداً جديداً للتوترات القائمة، ويضع لبنان أمام معضلة: الاستجابة للضغوط قد تُفقد الحكومة شعبيتها وتثير احتجاجات داخلية، بينما رفضها هذه الضغوط قد يزيد من عزلة لبنان دولياً، ومن منظور استراتيجي، أي خطوة متسرعة قد تؤدي إلى توترات عسكرية أو سياسية داخلية، وخاصة إذا ما رأت فئات لبنانية أن السيادة الوطنية مهددة، ما يجعل التخطيط السياسي المدروس أمراً لا غنى عنه لضمان استقرار البلاد.
فرص وتحديات الاستقرار الإقليمي
التحليل الإقليمي يشير إلى أن "إسرائيل" تسعى ليس فقط للضغط على لبنان، بل لضمان موقع استراتيجي في المنطقة، نزع سلاح حزب الله يمثل جزءاً من مخطط أوسع لتغيير ميزان القوى الإقليمي، من هنا، فإن لبنان ليس ساحة صراع محلية فحسب، بل محور تنافس إقليمي كبير، أي قرار يتخذه لبنان سيؤثر بشكل مباشر على استقراره الداخلي وعلى طبيعة علاقاته مع جيرانه والدول المحيطة، ويشير التحليل أيضاً إلى أن أي خطوة لبنانية في هذا الملف ستكون مراقبة عن كثب من القوى الإقليمية والدولية، ما يزيد من التعقيد السياسي ويجعل من الصعوبة بمكان اتخاذ قرار واضح دون موازنة دقيقة للمصالح الوطنية والإقليمية، كما أن هذه المرحلة تشكل فرصة للحكومة لتعزيز سياستها الدبلوماسية ومناوراتها الاستراتيجية بحيث تحقق أكبر قدر من المكاسب دون الإضرار بالاستقرار الداخلي.
لبنان بين المطرقة والسندان
في نهاية المطاف، لبنان أمام مفترق طرق حساس، بيان نتنياهو لم يكن مجرد تصريح إعلامي، بل خطوة محسوبة تحمل رسائل سياسية واستراتيجية، الحكومة اللبنانية مطالبة بإيجاد توازن بين حماية السيادة ومواجهة الضغوط الدولية، وبين الحفاظ على الاستقرار الداخلي ومنع الانقسامات، حزب الله بدوره يبقى عنصراً أساسياً في المعادلة، ما يجعل أي حل نهائي مرهوناً بحوار داخلي وتفاهم وطني واسع.
يمكن القول إن لبنان يعيش مرحلة حرجة، حيث إن أي خطأ في تقدير الموقف قد يؤدي إلى نتائج بعيدة المدى على استقراره الداخلي وموقعه الإقليمي، لذلك يصبح الحوار الداخلي والتحليل الاستراتيجي ضرورة قصوى، لضمان بقاء لبنان متماسكاً وقادراً على مواجهة الضغوط والتحديات الإقليمية والدولية.