الوقت- تواجه العلاقات المصرية – الكيان الإسرائيلي منعطفًا خطيرًا بعد الكشف عن طرح جديد قدمه الكيان الإسرائيلي ضمن مفاوضات التهدئة في قطاع غزة، وحسب مصادر مصرية رفيعة، يهدد هذا المقترح بشكل مباشر الترتيبات الأمنية والديموغرافية على الحدود مع قطاع غزة، ما قد يقوض اتفاقية السلام الموقعة بين الطرفين عام 1979، ويحذر مسؤولون مصريون من أن هذا الطرح يسعى لفرض وقائع جديدة على الأرض قد تنتهي بخلق أزمة إنسانية ضخمة، وتهديد مباشر للأمن القومي المصري.
تفاصيل المقترح الجديد للكيان الإسرائيلي
أشارت تقارير صحفية إلى أن الطرح الجديد للكيان الإسرائيلي يتضمن إعلان هدنة مدتها 60 يومًا، يتخللها انسحاب جزئي لقواته من مناطق في قطاع غزة، لكنه يصر على الإبقاء على وجود عسكري في مناطق حدودية جنوب القطاع، قرب الشريط الحدودي المصري.
وتتضمن الخطة أيضًا فرض سيطرة أمنية على حوالي 40% من مساحة غزة، مع تجميع النازحين الفلسطينيين في مناطق ضيقة بمحاذاة رفح، وترى المصادر المصرية أن هذه البنود تشكل محاولة لفرض واقع ديموغرافي وأمني جديد يهدد حدود مصر بشكل مباشر، ويعيد أزمة اللاجئين الفلسطينيين إلى واجهتها، لكن هذه المرة على عاتق الدولة المصرية.
المخاوف المصرية من التهجير وتغيير التركيبة الديموغرافية
الحكومة المصرية تعتبر هذا الطرح خطوة بالغة الخطورة تمثل خرقًا غير مباشر للاتفاقيات المبرمة منذ توقيع معاهدة السلام عام 1979، وتنص هذه الاتفاقية على احترام السيادة المصرية وعدم اتخاذ أي تدابير أحادية الجانب من شأنها الإخلال بالاستقرار الأمني في سيناء.
وترى القاهرة في خطة تجميع عشرات الآلاف من النازحين في مناطق ضيقة قرب رفح محاولة لفرض تهجير جماعي جديد، ما يعني تحميل مصر أعباء إنسانية ضخمة، فضلًا عن تهديد التركيبة الديموغرافية على حدودها، ونقلت «مهر نيوز» عن مسؤول مصري رفيع قوله: «هذا الطرح يقوض اتفاق السلام بشكل واضح، مصر لن تقبل بسياسات الأمر الواقع.»
الأبعاد الأمنية للطرح الإسرائيلي على الحدود المصرية
إضافة إلى المخاوف الإنسانية، تركز القاهرة على أبعاد أمنية شديدة الخطورة، إذ سبق أن خاضت الدولة المصرية حربًا طويلة ضد الجماعات المتطرفة في شمال سيناء، وتعتبر أي تدفق غير منضبط للاجئين الفلسطينيين تهديدًا أمنيًا جديًا قد يؤدي إلى تسلل عناصر مسلحة، أو إنشاء جيوب بشرية خارج السيطرة.
وتحذر مصر من أن أي تجميع جماعي للنازحين في نطاق ضيق قد يؤدي إلى خلق «قنبلة اجتماعية» قابلة للانفجار في أي لحظة، سواء بسبب الضغط الإنساني الهائل أو بسبب الاستغلال المحتمل من قبل الجماعات المسلحة، وتؤكد القاهرة أنها غير مستعدة للقبول بأي صيغة تفرض عليها وحدها تحمل نتائج أزمة غزة.
مواقف الأطراف الدولية والوسطاء
في المقابل، يبرر الكيان الإسرائيلي مقترحه باعتبارات أمنية بحتة، مدعيًا أن وجود قواته في جنوب قطاع غزة ضروري لمنع إعادة تسلح الفصائل الفلسطينية وضمان أمن مستوطنيه، ونقلت «تايمز أوف إسرائيل» في تقارير عن مصادر حكومية في الكيان الإسرائيلي تأكيدها على ضرورة وجود منطقة عازلة على الأرض، ولو مؤقتًا، بعد أي اتفاق وقف إطلاق نار.
إلا أن هذه المبررات لم تلق قبولًا في القاهرة، التي أكدت عبر قنواتها الدبلوماسية رفضها أي تغيير في الوضع القائم على حدودها، وحذرت من أن مثل هذه الإجراءات الأحادية ستفشل أي اتفاق تهدئة مستدام، وستعيد المنطقة إلى أجواء التوتر والصدام.
الوسطاء الدوليون، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وقطر والأمم المتحدة، يواجهون مهمة صعبة في محاولة التوفيق بين هذه المواقف المتناقضة، وتشير تقارير «Stimson Center» إلى أن القاهرة تتبنى موقفًا حذرًا لكنه حازم، فهي تريد إنجاح المفاوضات لأسباب إنسانية، لكنها ترفض دفع الثمن وحدها عبر القبول بترتيبات تهدد أمنها القومي.
الأبعاد القانونية والسياسية للمعاهدة الموقعة
يستند الموقف المصري إلى نصوص اتفاقية السلام التي تلزم الطرفين باحترام سيادة كل منهما وعدم اتخاذ خطوات أحادية قد تمس الأمن والاستقرار، ورغم أن قطاع غزة لا يدخل ضمن الأراضي التي تشملها ترتيبات الانسحاب المباشر للكيان الإسرائيلي وفق كامب ديفيد، ترى مصر أن فرض تغييرات ديموغرافية قسرية قرب حدودها يهدد جوهر الاتفاقية وروحها، ويقوض أسس الثقة المتبادلة.
ويُذكر أن القاهرة سبق أن رفضت محاولات مشابهة، مثل خطة إدارة ترامب عام 2024، التي تضمنت بنودًا غير معلنة تتحدث عن توطين محتمل للاجئين الفلسطينيين في سيناء، ما دفع مصر إلى التحذير صراحة من أن مثل هذه المقترحات تهدد السلام القائم منذ أكثر من أربعة عقود.
تداعيات محتملة وضرورة معالجة جذور الأزمة
تواجه مصر اليوم خيارًا صعبًا: استمرار التزامها بدور الوسيط الضروري لإنهاء حرب مدمرة في غزة، مقابل حماية أمنها القومي من أعباء إنسانية وأمنية قد تفوق قدرتها، وترى دوائر سياسية واستراتيجية في القاهرة أن استمرار الكيان الإسرائيلي في طرح مثل هذه الحلول الأحادية لن يؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار والفوضى في المنطقة.
وفي هذا السياق، يبرز إجماع واسع بين المراقبين على أن أي حل دائم وواقعي يتطلب معالجة الجذور الحقيقية للصراع، بما في ذلك إنهاء الحصار وضمان الحقوق الفلسطينية المشروعة، أما الحلول الجزئية التي تنقل العبء إلى أطراف أخرى، أو تحاول فرض وقائع جديدة تحت غطاء اتفاق مؤقت، فلن تجلب سوى مزيد من الأزمات الإنسانية والأمنية في المستقبل.