الوقت- تتواصل المعركة بين اليمن والكيان الصهيوني في مسرح الصراع الفلسطيني، لكن اللافت في هذا السياق هو بروز قوة متزايدة وغير متوقعة من القوات المسلحة اليمنية، ممثلة بحركة أنصار الله، التي أثبتت مؤخراً قدرتها على استهداف مواقع استراتيجية داخل الأراضي المحتلة.
الهجوم الصاروخي الذي استهدف مطار بن غوريون الدولي قرب تل أبيب يشكل نقطة فارقة في الصراع، ليس فقط لأنه يعكس تقدمًا تكنولوجيًا واضحًا في ترسانة أنصار الله، بل لأنه يكشف أيضًا هشاشة المنظومة الأمنية للكيان الصهيوني، في وقت تحاول فيه "إسرائيل" فرض سيطرتها الأمنية عبر التحصينات والملاجئ، تأتي هذه الضربة لتؤكد عجزها عن حماية المستوطنيين من هجمات متطورة ومستهدفة، هذه الواقعة ليست مجرد حادث عابر، بل تعكس واقعًا جديدًا يفرض إعادة تقييم موازين القوة في المنطقة، ويبرز مدى التطور الملحوظ في القدرات العسكرية اليمنية.
تطور القدرات العسكرية اليمنية
تثبت قوات أنصار الله اليمنية يوماً بعد يوم أنها ليست فاعلاً محلياً عادياً، بل قوة عسكرية ذات تطور متقدم، استطاعت أن تحقق قفزات نوعية في مجال الصواريخ الباليستية والتقنيات العسكرية الدقيقة.
استهداف مطار بن غوريون الدولي، أحد أهم المراكز الحيوية والاقتصادية للكيان الصهيوني، بصاروخ باليستي، يعكس مدى التطور الهائل الذي وصلت إليه هذه القوات، حيث بات لديها القدرة على ضرب أهداف استراتيجية بعيدة وبشكل دقيق.
هذا التطور لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة عقود من التدريب والتطوير والبحث عن حلول مبتكرة في ظل الحصار والصراع الداخلي، كما أن الحركة استطاعت توظيف خبرات محلية وإقليمية، لتصنيع صواريخ تحمل دقة متناهية وقوة تدميرية عالية، ما يضعها في مصاف القوات المتقدمة في المنطقة، وهذا الأمر يغير تماماً قواعد الاشتباك، حيث لم يعد الحصار أو التفوق التكنولوجي التقليدي كافياً للحفاظ على أمن الكيان.
ضعف الكيان الصهيوني وعجزه الأمني
على الرغم من الإمكانيات الهائلة التي يمتلكها الكيان الصهيوني من ناحية التكنولوجيا العسكرية والدعم الدولي، إلا أن الهجوم الصاروخي الأخير يكشف هشاشة منظومته الأمنية وعجزها في التصدي للتهديدات الجديدة والمتطورة.
فرار ملايين المستوطنين إلى الملاجئ، رغم المنظومات الدفاعية المتقدمة كالقبة الحديدية، يشير إلى مستوى الخوف والارتباك الذي أحدثته هذه الضربة، الكيان الذي طالما اعتبر نفسه قوة لا تُقهر في المنطقة، بات اليوم يعاني من هشاشة غير مسبوقة أمام صواريخ دقيقة مصدرها مناطق بعيدة نسبياً.
هذه الحالة من العجز الأمني تكشف أيضاً عن ضعف الاستخبارات والردع، حيث إن القدرة على الرد الفوري والمتوازن باتت محدودة، كما أن هذا العجز يؤثر على الحالة النفسية للمجتمع الإسرائيلي ويزيد من الضغوط الداخلية على القيادة السياسية والعسكرية، ما يفاقم الأزمة ويزيد من تعقيد الموقف الإسرائيلي.
البعد الاستراتيجي والدور الإقليمي لقوات أنصار الله
الهجوم على مطار بن غوريون ليس مجرد عملية عسكرية، بل له أبعاد استراتيجية وسياسية عميقة تعكس مكانة أنصار الله كلاعب إقليمي فعال.
الحركة استطاعت أن تحجز لنفسها موقعًا مهمًا في معادلات القوة بالمنطقة، وخاصة في دعم القضية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، هذا الدعم ليس فقط رمزياً، بل عبر أفعال ملموسة تكشف عن عمق التحالفات الإقليمية التي تمنح أنصار الله قوة دفع وموارد متقدمة.
فضلاً عن ذلك، فإن قدرة الحركة على توجيه ضربات مؤثرة داخل الأراضي المحتلة تعطيها رافعة سياسية كبيرة على الصعيدين المحلي والدولي، وترسل رسالة واضحة بأن معركة تحرير فلسطين ليست مقتصرة على طرف واحد، بل هي جبهة متكاملة تحظى بتضامن ودعم فعلي، هذه المعادلة الجديدة تعزز من ثقة أنصار الله وتزيد من تأثيرهم في المنطقة، ما يضع "إسرائيل" أمام تحديات معقدة على المستويات العسكرية والسياسية.
انعكاسات الهجوم على الوضع الإسرائيلي والردود المستقبلية
الهجوم الصاروخي الأخير على مطار بن غوريون أحدث زلزالًا في المشهد الإسرائيلي الداخلي، وأثار تساؤلات جدية حول قدرة الحكومة على حماية أمن المواطنين واستقرار الدولة، الفرار الجماعي للمستوطنين إلى الملاجئ يعكس حالة الهلع التي خلفها هذا الحدث، ما يضع ضغوطاً كبيرة على حكومة نتنياهو.
من المتوقع أن تتبع "إسرائيل" خطوات تصعيدية للرد على هذه الضربة، لكن تجربة الاشهر الأخيرة تظهر أن الردود العسكرية قد لا تكون كافية لاحتواء التطور العسكري الذي حققته أنصار الله.
في الواقع، ستسعى تل أبيب إلى تعزيز دفاعاتها الجوية وتكثيف العمليات الاستخباراتية، وربما توجيه ضربات استباقية، لكن هذا لن يلغي حقيقة أن الجبهة اليمنية أصبحت خطراً حقيقياً يهدد العمق الإسرائيلي، كذلك، فإن استمرار مثل هذه الهجمات يعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة، ويجبر "إسرائيل" على إعادة النظر في استراتيجياتها الأمنية والسياسية، مع الأخذ في الاعتبار التأثير النفسي والضغط الشعبي الذي تتعرض له.
في النهاية، إن الهجوم الصاروخي الذي نفذته قوات أنصار الله اليمنية على مطار بن غوريون يرمز إلى تحول جذري في معادلات القوة في الشرق الأوسط، حيث باتت القوات اليمنية قادرة على فرض واقع جديد يفرض على "إسرائيل" الاعتراف به.
هذا الحدث يكشف عن مدى التطور العسكري الكبير الذي وصلت إليه أنصار الله، ويعكس ضعف منظومة الأمن الإسرائيلية التي عجزت عن صد هجوم استراتيجي على عمق أراضيها.
في الوقت ذاته، يبرز هذا الصراع كمعركة إقليمية متكاملة تدفعها أيدٍ متعددة تسعى إلى دعم القضية الفلسطينية وتعزيز موقفها في الصراع ضد الاحتلال، يبقى السؤال الأكبر حول كيفية رد "إسرائيل" على هذا التحدي الجديد، وكيف ستتعامل مع واقع أضحى فيه الحصار والتفوق التكنولوجي وحدهما غير كافيين للحفاظ على أمنها.
في نهاية المطاف، تؤكد هذه التطورات أن الزمن يمضي لمصلحة فصائل المقاومة المتطورة، وأن الكيان الصهيوني يواجه حقبة جديدة من التحديات والصراعات المفتوحة.