الوقت- تخطط المملكة العربية السعودية ومصر لبناء جسر مائي أو نفق بحري عبر البحر الأحمر لربط البلدين.
على الرغم من عدم صدور أي إعلان رسمي حتى الآن حول بناء هذا الخط، أفادت رويترز بأن وزير النقل المصري كامل الوزير صرّح مؤخرًا بأن التخطيط لبناء جسر بين مصر والسعودية قد اكتمل، وأن بلاده مستعدة لتنفيذه في أي وقت، كما أشار إلى إمكانية بناء نفق بدلاً من جسر.
مشروع بناء خط سكة حديد بين مصر والسعودية ليس فكرة جديدة، فقد اقترحه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لأول مرة عام ٢٠١٦، وفقًا للخطة، سيتم ربط مدينة شرم الشيخ المصرية برأس الشيخ حميد في المملكة العربية السعودية عبر جسر يعبر جزيرة تيران.
يفصل البحر الأحمر مصر والسعودية، وأقرب نقطة بينهما هي مضيق تيران، الذي يبلغ عرضه حوالي 6.4 كيلومترات في أضيق نقطة، يُعد خط السكة الحديدية جزءًا من خطة أوسع لربط النقل البري بين البلدين، وقد يكون أول خط سكة حديد بين الدول العربية في إفريقيا وآسيا، وقد اكتملت دراساته الفنية، وتُقدر تكلفة إنشائه بحوالي 4 مليارات دولار.
ربط مدينة نيوم بالأسواق العالمية
تُمثل المبادرة السعودية لبناء خط سكة حديد في البحر الأحمر تطورًا كبيرًا في البنية التحتية الإقليمية، يعكس أهدافًا تتجاوز مجرد الربط الجغرافي.
من منظور استراتيجي، يُعد المشروع جزءًا من جهود المملكة العربية السعودية لتحقيق رؤية 2030 وتقليل اعتماد اقتصادها على النفط، في السنوات الأخيرة، سعت المملكة إلى إنشاء مراكز اقتصادية جديدة وتنويع مصادر دخلها من خلال تطوير مشاريع ضخمة مثل "نيوم" في شمال غرب البلاد، إلا أن هذه المشاريع ستكون عقيمةً دون ربطها بشبكات النقل والأسواق العالمية.
وفي هذا الصدد، لن يُسهّل ربط نيوم بمصر بالسكك الحديدية ربط المملكة العربية السعودية بريًا بأفريقيا فحسب، بل سيُحوّل هذه المنطقة التكنولوجية إلى بوابة تصدير جديدة للمملكة، فبالإضافة إلى خدمة السياح، وخاصةً المتجهين إلى "نيوم"، سيتصل الجسر بشبكة النقل بالسكك الحديدية في مصر، ما يُسهّل شحن البضائع من الشرق إلى الغرب.
مع الصراع في اليمن أو خطر إغلاق باب المندب الذي يُهدد استمرار التدفق الحر للتجارة عبر الطرق التقليدية كالخليج وقناة السويس، تسعى الرياض من خلال هذا المشروع إلى بناء مسار مُكمّل لصادراتها ووارداتها.
من ناحية أخرى، تسعى السعودية، من خلال مد خط السكة الحديد إلى مصر، إلى إيجاد مسار موازٍ أو حتى بديل لممر "الهند - الشرق الأوسط - أوروبا"، الذي ستسيطر عليه الرياض مباشرةً. ورغم أن السعودية عضو رسمي في هذا الممر متعدد الأطراف، إلا أنها تشعر بالقلق من إمكانية استبعادها من هذه الخطة، وخاصةً بالمقارنة مع الدور المحوري للإمارات العربية المتحدة فيه، لذلك، يمكن أن يكون مشروع ربط السكك الحديدية بمصر أداةً لإعادة تحديد موقع السعودية على خريطة التجارة العالمية واستعادة السيطرة على الطرق الإقليمية الحيوية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن اعتبار خط السكة الحديد بين السعودية ومصر جزءًا من خطة أوسع تهدف إلى ربط الخليج بالأراضي المحتلة وموانئ البحر الأبيض المتوسط.
في هذا السياق، تُوفر الرياض، من خلال إنشاء خطوط سكك حديدية إلى مصر، اتصالاً غير مباشر بشبكة النقل الإسرائيلية، وهو ما يُعتبر مقدمةً لتطبيع العلاقات مع تل أبيب، وهو مسار قد يكون أيضًا جزءًا من ممر الهند - الشرق الأوسط - أوروبا في المستقبل.
كما أن إنشاء رابط بري مع مصر يمهد الطريق لمزيد من التقارب الاستراتيجي مع القاهرة، ولا سيما في ظل أزمات اقتصادية تواجهها مصر وتحتاج إلى دعم واستثمارات من دول الخليج، ويمكن لهذا التآزر أن يمنح المملكة العربية السعودية نفوذًا فعالًا في شمال أفريقيا، وأن يوفر لها رافعة للتأثير على طرق حيوية مثل قناة السويس.
منافسة السعودية على الممرات مع الإمارات العربية المتحدة وتركيا
يرتبط تركيز المملكة العربية السعودية على تعزيز الروابط مع الأسواق العالمية عبر خطوط السكك الحديدية بمنافسات إقليمية مع جهات فاعلة أخرى.
وتسعى الرياض، إدراكًا منها للنفوذ الإقليمي المتزايد لتركيا في شرق أفريقيا والسودان، إلى الحفاظ على التوازن الجيوسياسي في المنطقة، وقد دق توسع النفوذ التركي الاقتصادي واللوجستي في المنطقة، بما في ذلك عقود الموانئ والوجود العسكري، ناقوس الخطر لدى الرياض. لذلك، فإن إنشاء محور سكك حديدية استراتيجي بين مصر والمملكة العربية السعودية قد يعزز الوجود الاقتصادي للمملكة العربية السعودية على ساحل البحر الأحمر، ويخلق توازنًا جديدًا في مواجهة المنافسين الإقليميين.
علاوةً على ذلك، يُعدّ مشروع خط السكة الحديدية جزءًا من منافسة سعودية أوسع مع الإمارات العربية المتحدة على الهيمنة على جغرافية التجارة والنقل في المنطقة، ففي العقد الماضي، وسّعت الإمارات نفوذها على طرق التجارة العالمية الحيوية من خلال تطوير موانئ مثل دوراليه في جيبوتي، وبربرة في أرض الصومال، وبربرة في إريتريا، والتي تلعب دورًا استراتيجيًا على سواحل البحر الأحمر والمحيط الهندي.
كما رسّخت أبوظبي مكانتها كمركز مهم في شبكة النقل العالمية من خلال سيطرتها على مينائي المخا وعدن في اليمن، والاستثمار في إعادة إعمار ميناء طرطوس السوري، وتحويل ميناء جبل علي في الخليج إلى مركز تجاري إقليمي.
لذلك، تُدرك المملكة العربية السعودية هذا الواقع، فتسعى لزيادة حصتها في التجارة العالمية ومنافسة الإمارات العربية المتحدة في مجال النقل البري من خلال إنشاء خط سكة حديد يربط البحر الأحمر بمصر والبحر الأبيض المتوسط.
عودة مصر إلى مكانتها التاريخية
في غضون ذلك، لدى مصر أيضًا العديد من الحوافز للمشاركة في مشروع السكك الحديدية مع المملكة العربية السعودية.
من أهم مخاوف القاهرة انخفاض عائدات نقل البضائع عبر قناة السويس نتيجة المنافسة مع ممرات بديلة مثل طريق الهند - الشرق الأوسط - أوروبا، إذا نجحت هذه المسارات الجديدة في تحويل جزء كبير من تدفق التجارة عن قناة السويس، فإن الاقتصاد المصري، الذي يعتمد بشكل كبير على هذه العائدات، سيواجه مشاكل.
في هذا الصدد، تُتيح المشاركة في مشروع السكك الحديدية مع المملكة العربية السعودية للقاهرة تقديم نفسها كنقطة عبور بديلة لنقل البضائع الآسيوية والأفريقية إلى أوروبا عبر أراضيها، لذلك، فإن ربط مصر بالسكك الحديدية عبر سيناء بموانئ البحر الأبيض المتوسط قد يُعيد تنشيط أهميتها الجغرافية.
في الواقع، تسعى مصر إلى إيجاد مصدر دخل بديل لقناة السويس من خلال أن تصبح نقطة اتصال رئيسية بين شرق وشمال أفريقيا، وذلك لحماية نفسها من الآثار المالية السلبية للأزمات الإقليمية، كتلك التي حدثت في باب المندب خلال العامين الماضيين.
على الصعيد المحلي، يمكن أن يُسهم المشروع أيضًا في تطوير البنية التحتية لشبه جزيرة سيناء، التي تعاني من نقص التنمية، من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية، وزيادة فرص العمل، وتعزيز السياحة.
ووفقًا للخبراء، يُعد مضيق تيران شريانًا حيويًا للسياحة والتجارة في جنوب سيناء، وأي تهديد له سيؤثر بشكل مباشر على ميناء نويبع، وقد يُوقف الاستثمارات السياحية، ويُضعف التجارة البحرية، ويُفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر، لذلك، في الوقت الذي تواجه فيه مصر تحديات اقتصادية وعجزًا حادًا في الميزانية، يُمكن أن يكون هذا المشروع محركًا فعالًا للنمو الاقتصادي والتنمية الإقليمية.
بشكل عام، لا يُسهّل خط السكة الحديد هذا الربط المادي بين البلدين فحسب، بل يحمل أيضًا رسائل سياسية واقتصادية عميقة على المستوى الإقليمي، في بيئة يُعاد فيها تعريف النظام الإقليمي، تُظهر هذه الخطط أن المسار المستقبلي للمنطقة سيمر عبر البنية التحتية والممرات الاستراتيجية أكثر من أي شيء آخر.