الوقت - لقد بدأ ترامب لعبة مؤقتة مع الجولاني من شأنها أن تبقي الصراعات على أعلى مستوى وتمنح الإرهابيين الفرصة لإعادة بناء وتشكيل شخصياتهم ومنظماتهم على المدى القصير.
في هذا السياق، كتب مرتضى السمياري في مذكرة بصحيفة جافان: "وقبل سفره إلى الرياض، ارتدى الجولاني مرة أخرى بدلة وربطة عنق، وحاول إطلاق كرة سلة أمام العديد من الكاميرات، ويقال إن تصوير هذا المشهد استغرق عدة ساعات، كما حاول الرئيس الشرع، وكذلك وزير الخارجية السوري، مئات المرات توجيه مدفعهما إلى الهدف مرة واحدة على الأقل، هذه الصورة بالذات لها مخرج خاص في الطابق السادس من القصر الرئاسي السوري".
وتشير بعض التقارير إلى أن عميلاً بريطانياً هو المسؤول عن صياغة صورة الجولاني حالياً، ويتولى إخراج كل السيناريوهات المتعلقة بتسجيل وبث هذا الفيديو، نفس المجموعة البريطانية قامت بتغيير مظهر الجولاني وملابسه، وحتى طريقة مشيته، محولة إياه من إرهابي إلى شخصية سياسية تُعرف باسم ونسب أحمد الشرع. من منظور تحليلي، يبدو أن الجولاني خضع لتحول "جيني" رمزي في أحد المختبرات البريطانية، ما يعكس محاولة لتحسين أدائه السياسي، هذا التغيير يتيح للإرهابيين تحديث صورتهم بسرعة ليصبحوا أكثر قدرة على التكيّف.
لكن يبقى السؤال: من هو الجمهور المستهدف من عرض الفيديو الذي يظهر فيه الجولاني وهو يلعب كرة السلة؟
الإجابة تحمل أبعاداً رمزية خاصة، فرياضة كرة السلة تحمل مكانة في الذاكرة الجمعية للسوريين، وخاصة بعد حادثة اغتيال اللاعب ويليام مغار، لاعب نادي الجلاء لكرة السلة، الذي انضم إلى صفوف المقاومة بعد تركه الرياضة، واستشهد في منطقة المليحة بالغوطة الشرقية بدمشق على يد قوات الجولاني، من هذا المنظور، يبدو أن محاولة الجولاني ملء فراغ رمزي خلفه الشهداء مثل مغار تأتي ضمن إطار حرب إدراكية مصوّرة بعدسة غربية.
على مستوى آخر، يمكن قراءة الفيديو بلغة السياسة الدولية، توقيت بث المشهد، قبيل زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى المنطقة، يشير إلى رسائل موجهة للخارج أيضاً، ترامب، المعروف بعشقه للغولف، بعث برسالة مبكرة مفادها بأنه ليس مستعداً لتسليم مستقبل سوريا كاملاً للجولاني، لذلك بقي لقاء الجولاني مع ترامب مؤجلاً حتى اللحظة الأخيرة، دون وجود خريطة طريق واضحة للتعاون بينه وبين الكيان الصهيوني.
في هذا الإطار، فإن كرة السلة لها قواعد، بعضها كتبها الأمريكيون أنفسهم، مثل قاعدة الخمس ثوانٍ للكرة العائدة من خارج الملعب، هذا التلميح يرمز إلى بطء الجولاني في تنفيذ المهام، ما يجعل من سوريا فرصة للولايات المتحدة لاستخدام "سلته" لضمان مصالحها، مثل توقيع عقود تتيح لها الاستفادة من موارد دمشق، دون إخراج البلاد من دائرة الترقب.
وفي حين أعلن ترامب رفع بعض العقوبات عن سوريا، تبقى العقوبات الأشد المفروضة عبر قانون قيصر قائمة، ورفعها لا يبدو ممكناً إلا بشكل مؤقت، عملياً، بدأ ترامب فعلاً لعبة مؤقتة مع الجولاني، تمنح الإرهابيين الفرصة لإعادة التشكيل والتنظيم على المدى القصير، في حين يسعى لنقله من المختبر البريطاني إلى مركز النمو والتطوير التابع لوكالة الاستخبارات الأمريكية.
النقطة الأهم في مستقبل سوريا أن المحرك الخارجي، رغم تفعيله، لا يمسك بالمقود بالكامل، فكل من في غرفة القيادة الأمريكية الصهيونية لا يزال في مرحلة التقييم، بينما الجولاني في دمشق يواجه أزمة شرعية وفجوة عميقة بين الشعارات والأفعال، ومع دخوله مرحلة جديدة من العنف المتصاعد، من المنتظر أن يبدّل ملابسه مجدداً أمام الكاميرا، لكن هذه المرة، لن يكون المخرج أمريكياً فقط.